ما المعنى المقصود من حديث (إذا تلقَّاني عبدي بشبرٍ، تلقَّيته بذراعٍ)؟

السؤال: 584889

أريد شرح الحديث القدسي: "إنَّ اللَّهَ قالَ: إذا تَلَقَّانِي عَبْدِي بشِبْرٍ، تَلَقَّيْتُهُ بذِراعٍ، وإذا تَلَقَّانِي بذِراعٍ، تَلَقَّيْتُهُ بباعٍ، وإذا تَلَقَّانِي بباعٍ أتَيْتُهُ بأَسْرَعَ" وحديث : "يا ابنَ آدمَ ! قم إليَّ أمشي إليكَ، وامشِ إليَّ أُهَرْوِلُ إليكَ".
أريد معنى "إذا تَلَقَّانِي" وهل المقصود بها العبادات التي تحتاج إلى المشي؟ مثلما قال بعض العلماء في حديث: (إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعًا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة)، وما المقصود من "قم إليَّ" هل هي العبادات التي يكون العبد فيها قائم؟ أريد معرفة قول العلماء الذين يجرون النصوص على ظاهرها بدون تأويلها بحثت كثيراً، لكن لم أجد من شرح الحديث بشكل واضح.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولاً:

حديث "إنَّ اللَّهَ قالَ: إذا تَلَقَّانِي عَبْدِي بشِبْرٍ، تَلَقَّيْتُهُ بذِراعٍ، وإذا تَلَقَّانِي بذِراعٍ، تَلَقَّيْتُهُ بباعٍ، وإذا تَلَقَّانِي بباعٍ أتَيْتُهُ بأَسْرَعَ" رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه (2675).

وحديث "قم إليَّ أمشي إليكَ، وامشِ إليَّ أُهَرْوِلُ إليكَ"، أخرجه أحمد (15925)، ووكيع في "أخبار القضاة" (2/203)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (7226) من حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وصحَّح إسنادَه المنذريُّ في "الترغيب والترهيب" (4/125)، ومحققو "مسند أحمد" ط الرسالة، والألباني في "الصحيحة" (2287).

والحديث ثابت في "الصحيحين" وغيرهما، بنحوه. لكن بلفظ آخر، ليس فيه "تلقاني".

فروى البخاري (7405) ومسلم (2675)، وغيرهما: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ ‌أَتَانِي ‌يَمْشِي ‌أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً..

ثانياً:

معنى "إذا تَلَقَّانِي عَبْدِي بشِبْرٍ" تفسره الرواية الأخرى للحديث : (أتاني).

والمعنى: (ومن أتاني يمشي ...)، من المعلوم أن المتقرب إلى الله عزَّ وجلَّ لا يتقرب إليه بالمشي فقط، بل يكون تارة بالمشي كالسير إلى المساجد، ومشاعر الحج، والجهاد في سبيل الله ونحوها، وتارة يكون بغير المشي كالصيام، والركوع والسجود ونحوها، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا من الدعاء)، رواه مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- صحيح مسلم (٤٨٢).

وعليه؛ فالمشي هنا خرج مخرج الغالب، أو من باب ضرب المثل؛ وإلا فلو تقرب العبد إلى الله واقفاً أو مضطجعاً كان كالمشي.. فالمشي هنا كالسعي إلى الرزق، لا يلزم منه المشي ولا الركض الحسي.
 انظر: "بيان تلبيس الجهمية" (6/ 103)، و"القواعد المثلى" للعثيمين (ص:٧١).

 قوله تعالى: "قم إليَّ" :

قال الصنعاني رحمه الله:

"(قال الله تعالى: يا ابن آدم، قم إليّ) إلى خدمتي وعبادتي ومرضاتي (أمش إليك) أسرع بالقبول لطاعتك وتوفيقك لطاعات أخرى تنضاف إليها (وامش إلي) اجتهد فيما يرضيني (أهرول إليك) أسرع أتم إسراع في تقريبك من كرامتي والزلفى لدي" انتهى من "التنوير شرح الجامع الصغير" (8/20).

فالقيام هنا ليس محصوراً بعبادة القيام، بل كل شروع في عبادة ولو قلبية ولو تلاوة قرآن أو ذكر فإنه يتحقق بها القيام بالعبادة .. فهي مثل المشي.

مثل قوله تعالى: (قُمْ فَأَنْذِر)ْ قيل: القِيامُ المأمورُ به هنا: مُستعمَلٌ في الأمْرِ بالمُبادَرةِ والإقبالِ والتَّهمُّمِ بالإنذارِ كِنايةً، واستعمالُ فِعلِ القِيامِ في معنَى الشروعِ قدْ يكونُ كِنايةً عن لازمِ القِيامِ مِن العَزمِ والتَّهمُّمِ، أي: قُمْ قِيامَ عَزْمٍ وَتصميمٍ فحَذِّرْ مِن عذابِ اللهِ مَن لم يُؤمنوا، وقدْ يُرادُ المعنى الصَّريحُ مع المعنَى الكنائيِّ.

يُنظر: "تفسير الزمخشري" (4/645)، "تفسير البيضاوي" (5/259)، "تفسير أبي حيان" (10/325)، "تفسير أبي السعود" (9/54)، "تفسير ابن عاشور" (29/294)، تفسير المحرر- الدرر السنية.

ثالثاً:

قال الشيخ محمد بن علي بن آدم الأثيوبي رحمه الله في "البحر المحيط الثجاج" (41/711):

"(وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا) شِبْرَاً: ما بين طرفي الخنصرِ والإبهام بالتفريج المعتاد. "المصباح المنير" 1/ 302 - 303.

(تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا) بكسر الذال المعجمة: اليد من كلّ حيوان، لكنها من الإنسان من الْمِرْفق إلى أطراف الأصابع. راجع: "المصباح المنير" 1/ 207 - 208.

(وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَئَ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا) قال أبو حاتم السجستانيّ: هو مذكّر، يقال: هذا باعٌ، وهو مسافة ما بين الكفّين إذا بسطتهما يمينًا وشمالًا.انتهى. راجع: "المصباح المنير" 1/ 66.

وقال الخطابيّ: الباع معروف، وهو قدر مَدّ اليدين.

وقال الباجيّ: الباع طُول ذراعي الإنسان، وعضديه، وعَرْض صدره، وذلك قَدْر أربعة أذرع، وهو من الدواب قدر خطوها في المشي، وهو ما بين قوائمها. انتهى ."الفتح" 17/ 586، كتاب "التوحيد" رقم (7536).

وقال القرطبيّ: قوله: "وإن تقرّب إليّ شبرًا إلخ" هذه كلّها أمثالٌ ضُربت لمن عَمِل عملًا من أعمال الطاعات، وقَصَد به التقرّب إلى الله تعالى، تدلّ على أن الله تعالى لا يُضيع عمل عامل، وإن قل، بل يقبله، ويجعل له ثوابه مضاعفًا، ...

[فإن قيل]: مقتضى ظاهر هذا الخطاب أن من عمل حسنة جوزي بمثليها، فإنَّ الذراع: شبران، والباع: ذراعان، وقد تقرر في الكتاب والسُّنَّة أن أقلّ ما يُجازَى على الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، لا تحصى، فكيف وجه الجمع؟ .

[قلنا]: هذا الحديث ما سيق لبيان مقدار الأجور، وعدد تضاعيفها، وإنما سيق لتحقيق أن الله تعالى لا يُضيّع عمل عامل، قليلًا كان أو كثيرًا، وأن الله تعالى يُسرع إلى قبوله، وإلى مضاعفة الثواب عليه إسراع من جيء إليه.

قال الجامع (محمد علي آدم)عفا الله عنه: الحقّ أن ما تضمّنه هذا الحديث من ذِكر التقرّب، والمشي، والهرولة على ظاهره حسبما يقتضيه سياق الكلام، ومعلوم أن المشي المضاف للعبد، والهرولة المضافة إلى الله -سبحانة وتعالي- ليس المراد به قطع المسافة، بل مزيد التقرّب" انتهى.

وينظر جواب السؤال (520838)

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android