لا حرج على الفتاة البالغة وغيرها الغناء أو النشيد للأطفال الصغار ، لأن الأصل في  العادات الإباحة ، ولم يرد نهي عن ذلك ، ولوجود المصلحة والمنفعة حين يكون لأناشيد  الأطفال الأثر البالغ في الرعاية والعناية والتربية ، حيث تمنحه دفء المحبة والحنان  الذي يحتاجه الطفل في صغره ، كما يكون لكلماتها الطيبة اللطيفة أثر في شخصيته  ونفسيته ، إذ يمكن أن تزرع في نفسه قوة الشجاعة والثقة بالنفس والتشجيع ، وتدفع في  قلبه الأمل والإقبال على النجاح والعمل ، وتنمي فيه خصال الصلاح والخير . وذلك كله  إذا أحسنت المرأة اختيار الكلمات التي تغنيها للأطفال .
 ولا مفسدة في هذا الغناء – من حيث الأصل - ، وإذا كان للمرأة أن تبدي ما يظهر من  زينتها للطفل الذي لا يدرك معنى " عورات النساء " ، فمن باب أولى أن يجوز لها بذل  صوتها بالغناء والنشيد للأطفال .
 وفي نصوص الفقهاء شيء قريب من هذا التقرير :
 يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/538) في معرض تعداد أنواع من الغناء  المباح : " ومنه غناء المرأة لتسكين الولد في المهد "  انتهى  . 
 ويقول الأذرعي – من فقهاء الشافعية - : " وأما ما اعتيد عند محاولة عمل وحمل ثقيل ،  كحداء الأعراب لإبلهم ، وغناء النساء لتسكين صغارهم ، فلا شك في جوازه ، بل ربما  يندب إذا نشَّط على سير أو رغَّب في خير ، كالحداء في الحج والغزو ، وعلى نحو هذا  يحمل ما جاء عن بعض الصحابة ." انتهى . نقلا  عن "تحفة المحتاج" (10/219)
 ولكن لا بد من الانتباه إلى بعض الضوابط والشروط التي تقيد ما سبق تقريره :
 1- يجب أن تخلو هذه الأناشيد من أدوات العزف ، فالمعازف من المحرمات ، ولا يجوز  استباحة سماعها وتربية الأطفال على نغماتها وألحانها . 
 وانظر في تحريم الموسيقى أجوبة الأرقام (5000)  ، (5011) ، (43736)  ، (96219)
 2- ولا يجوز أن تغني الفتاة البالغة أو تنشد للأطفال بحضرة الرجال الأجانب ؛ فضلا  عن تسجيل ذلك وحفظه بالوسائل المعروفة حديثا ، ونشره بين الناس ، لأنه إن جاز للطفل  استماع غناء المرأة ، فلا يجوز للرجل الأجنبي استماعه ، ولا يجوز للمرأة أن تتساهل  في ذلك ، فقد حذر الله سبحانه وتعالى أطهر النساء وأعف الزوجات زوجات النبي صلى  الله عليه وسلم عن الخضوع في القول فقال : ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ  كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ  فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً )  الأحزاب/32  ، وإذا تذكرنا أن هذا النهي عن الخضوع في القول كان في زمن خير البشر بعد الرسل  والأنبياء وهم الصحابة رضوان الله عليهم ، فكيف هو الحكم في زماننا الذي كثر فيه  الفساد والانحراف . يقول القرطبي في تفسير هذه الآية "الجامع لأحكام القرآن"  (14/177) :
 " أي : لا تلن القول . أمرهن الله أن يكون قولهن جزلا وكلامهن فصلا ، ولا يكون على  وجه يظهر في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين ، كما كانت الحال عليه في نساء  العرب من مكالمة الرجال بترخيم الصوت ولينه ، مثل كلام المريبات والمومسات . فنهاهن  عن مثل هذا . قوله تعالى : ( وقلن قولا معروفا ) قال ابن عباس : أمرهن بالأمر  بالمعروف والنهي عن المنكر . والمرأة تندب إذا خاطبت الاجانب وكذا المحرمات عليها  بالمصاهرة إلى الغلظة في القول ، من غير رفع صوت ، فإن المرأة مأمورة بخفض الكلام . 
 وعلى الجملة فالقول المعروف : هو الصواب الذي لا تنكره الشريعة ولا النفوس ." انتهى  .
 وانظر جواب السؤال رقم (11563)
 وبهذا يتبين خطأ ما ينتشر اليوم في بعض الفضائيات من غناء ونشيد تقوم به بعض  الفتيات البالغات بزعم أنه موجه للأطفال ، فإن عرض مثل ذلك على الملأ دعوة لاستماعه  والفتنة بجمال الصوت واللحن ، وفي ذلك خروج عن الضوابط التي سبق ذكرها ، فلا يجوز  لمن يعمل في هذه الجهات أن ينشر أو يبيع أو يصدر تسجيلا لفتاة بالغة تنشد وتغني –  ولو كانت كلمات نشيدها صالحة طيبة - ، إذ في ذلك مخالفة لما أمر الله تعالى به  النساء من عدم الخضوع في القول ، وأي خضوع أعظم من خضوع النشيد والغناء ، وما فيه  من التليين والتمطيط والترقيق كاف في التأثير في قلب كل مستمع ، وغالبا ما يؤدي مثل  هذا التساهل إلى تساهل أخطر ، فينتقل الأمر إلى النشيد والغناء للرجال البالغين  وبحضورهم !! 
 على أننا نشير هنا أيضا إلى أن ما ذكرناه من التخفيف في التستر على الأطفال ، إنما  هو في حق الطفل الصغير الذي لا يميز مفاتن المرأة ، ولا ينتبه إلى ذلك منها ، كما  قال الله تعالى في وصفهم : ( أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى  عَوْرَاتِ النِّسَاءِ )(النور: 31)  . 
 قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله ـ في تفسيره (566) ـ : 
 " أي: الأطفال الذين دون التمييز، فإنه يجوز نظرهم للنساء الأجانب، وعلل تعالى ذلك،  بأنهم لم يظهروا على عورات النساء، أي: ليس لهم علم بذلك، ولا وجدت فيهم الشهوة بعد  ودل هذا، أن المميز تستتر منه المرأة، لأنه يظهر على عورات النساء "  انتهى  . 
 وقال ابن العربي رحمه الله ـ في أحكام القرآن (3/1375) : 
 " وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وُجُوبِ سَتْرِ مَا سِوَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ  مِنْهُ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَلْزَمُ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ  عَلَيْهِ ؛ وَهُوَ الصَّحِيحُ .
 وَالْآخَرُ : يَلْزَمُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَهِي ، وَقَدْ تَشْتَهِي هِيَ أَيْضًا  ؛ فَإِنْ رَاهَقَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَالِغِ فِي وُجُوبِ السَّتْرِ وَلُزُومِ  الْحِجْبة " انتهى  .
 ولن يعدم من يقوم بمثل ذلك من حجج موهومة وأعذار واهنة ، فيقول بعضهم : ألم تغن  الجواري في منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد ؟ وقد أقرهما النبي صلى الله  عليه وسلم وأمر أبا بكر بالسماح لهما في الغناء ؟
 فالجواب أن يقال : إن الحق أحق أن يتبع ، وليس في شريعتنا إلا التحذير من إظهار  الفتيات البالغات مفاتنهن على الملأ ، ومن ذلك الصوت الجميل المرقق ، أما هذا  الحديث الذي ذكرتم ، فهو حديث صحيح يرويه البخاري (987) ومسلم (892) عَنْ عَائِشَةَ  قَالَتْ : 
 ( دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الْأَنْصَارِ  تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ ، قَالَتْ :  وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَبِمَزْمُورِ  الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟!  وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ  وَسَلَّمَ : يَا أَبَا بَكْرٍ ! إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا ) 
 إلا أن العلماء يقولون في تفسيره إنهن جاريتان صغيرتان لم تبلغا سن البلوغ ، فهما  غير مكلفتين .
 يقول القرطبي في "المفهم لما أشكل من صحيح مسلم" (8/10) :
 " الجارية في النساء كالغلام في الرجال ، وهما يقالان على من دون البلوغ منهما " انتهى  .
 ويقول العلامة ابن القيم رحمه الله في "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" (1/257) :
 " فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بكر تسمية الغناء مزمار الشيطان ،  وأقرهما لأنهما جاريتان غير مكلفتين ، تغنيان بغناء الأعراب الذي قيل في يوم حرب  بعاث من الشجاعة والحرب ، وكان اليوم يوم عيد .
 فتوسع حزب الشيطان في ذلك : إلى صوت امرأة جميلة أجنبية ، أو صبي أمرد صوته فتنة ،  وصورته فتنة ، يغني بما يدعو إلى الزنى والفجور وشرب الخمور ، مع آلات اللهو التي  حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث ، مع التصفيق والرقص ، وتلك  الهيئة المنكرة التي لا يستحلها أحد من أهل الأديان ، فضلا عن أهل العلم والإيمان ،  ويحتجون بغناء جويريتين غير مكلفتين بنشيد الأعراب ونحوه ، في الشجاعة ونحوها ، في  يوم عيد ، بغير شبابة ولا دف ولا رقص ولا تصفيق ، ويدَعون المحكم الصريح لهذا  المتشابه ، وهذا شأن كل مبطل . نعم نحن لا نحرم ولا نكره مثل ما كان في بيت رسول  الله صلى الله عليه وسلم على ذلك الوجه ، وإنما نحرم ـ نحن وسائر أهل العلم  والإيمان ـ السماع المخالف لذلك " انتهى  . 
 وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (17/202) :
 " صوت المرأة نفسه ليس بعورة ، لا يحرم سماعه إلا إذا كان فيه تكسر في الحديث ،  وخضوع في القول ، فيحرم منها ذلك لغير زوجها ، ويحرم على الرجال سوى زوجها استماعه  ؛ لقوله تعالى : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ  اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ  مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا )  الأحزاب/32 " انتهى .
 ويمكن الاستغناء عن نشيد الفتيات البالغات – إذا بقيت الحاجة لنشر النشيد على  القنوات الفضائية - بنشيد الأطفال أنفسهم ، ينشد بعضهم لبعض ، فيؤخذ من أصواتهم  الجميلة ما يقوم مقام نشيد النساء ، فيتحقق المقصود وينتفي المحذور إن شاء الله  تعالى .
 والخلاصة أنه لا حرج على الفتاة البالغة من الغناء والنشيد للأطفال بثلاثة شروط :
 1- أن تكون كلمات الغناء والنشيد كلمات مباحة أو كلمات خير وصلاح .
 2- ألا يصحب ذلك شيء من أدوات العزف إلا الدفوف .
 3- ألا يكون ذلك بحضرة الرجال الأجانب ، ولا ينشر شيء من ذلك نشرا عاما ، من خلال  الفضائيات ونحوها . 
 ولمعرفة حد البلوغ ينظر جواب السؤال رقم (21246)  ، (70425)
 والله أعلم .
نشيد الفتيات البالغات
السؤال: 99630
هل يجوز تنشيد الفتيات من سن 14 فما فوق أناشيد للأطفال ؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
