أولا :
 جمهور الفقهاء على كراهة غرس الأشجار في المسجد ، ومنهم من ذهب إلى التحريم ، ومنهم  من قيد التحريم بما إذا ضيق على المصلين .
 وعلة الكراهة أن المسجد لم يبن لهذا , وإنما بني لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن ;  ولأن الشجرة تؤذي المسجد , وتمنع المصلين من الصلاة في موضعها , ويسقط ورقها في  المسجد وثمرها , وتسقط عليها العصافير والطيور فتبول في المسجد , وربما اجتمع  الصبيان في المسجد لأجلها ورموها بالحجارة ليسقط ثمرها .
 ومنهم من جعل علة الكراهة الشبه بِبِيَع اليهود .
 قال ابن قدامة رحمه الله : " ولا يجوز أن يغرس في المسجد شجرة . نص عليه أحمد ,  وقال : إن كانت غرست النخلة بعد أن صار مسجدا , فهذه غرست بغير حق , فلا أحب الأكل  منها , ولو قلعها الإمام لجاز ; وذلك لأن المسجد لم يبن لهذا , وإنما بني لذكر الله  والصلاة وقراءة القران , ولأن الشجرة تؤذي المسجد وتمنع المصلين من الصلاة في  موضعها , ويسقط ورقها في المسجد وثمرها , وتسقط عليها العصافير والطير فتبول في  المسجد , وربما اجتمع الصبيان في المسجد من أجلها , ورموها بالحجارة ليسقط ثمرها )  " انتهى من المغني (5/370).
 وفي الفتاوى الهندية (1/110) : " ويكره غرس الشجر في المسجد ; لأنه تشبه بالبيعة  وتشغل مكان الصلاة ، إلا أن يكون فيه منفعة للمسجد بأن كانت الأرض نزة لا تستقر  أساطينها فيغرس فيه الشجر ليقل النز . كذا في فتاوى قاضي خان "  انتهى  .
 وقال ابن الهمام رحمه الله : " ولا يجوز غرس الأشجار فيه إلا إن كان ذا نزٍّ  والأسطوانات لا تستقر به ، فيجوز لتشرب ذلك الماء فيحصل بها النفع "  انتهى من "فتح القدير" (1/421).  
 وقال زكريا الأنصاري رحمه الله : " ( و ) يكره ( حفر بئر وغرس شجر فيه ) بل إن حصل  بذلك ضرر حرم ( فيزيله الإمام ) لئلا يضيق على المصلين هذا , وقد قال الأذرعي في  غرس الشجرة في المسجد الصحيح تحريمه لما فيه من تحجير موضع الصلاة , والتضييق وجلب  النجاسات من ذرق الطيور , ونقل عن جماعة قطع العراقيين بمنع الزرع , والغرس فيه " انتهى من "أسنى المطالب" (1/186).
 وفي شرح الخرشي على خليل (7/48): " فائدة : صرح جماعة بمنع الغرس والزرع في المسجد  وقالوا لا يجوز الحفر فيه ولا الدفن فيه قالوا : ولعل من يذكر الكراهة أراد كراهة  التحريم " انتهى  .
 فتبين بهذا أن الفقهاء بين قائل بالتحريم وقائل بالكراهة ، وهذا فيما إذا غرس في  المسجد بعد بنائه ، وأما إن كانت الأرض بها شيء من الشجر ، وبني المسجد عليها فلا  حرج .
 قال ابن قدامة في الموضع السابق : " فأما إن كانت النخلة في أرض , فجعلها صاحبها  مسجدا والنخلة فيها فلا بأس " انتهى  .
 والذي يظهر أنه لا حرج أيضا فيما إذا كانت الأشجار في حديقة متصلة بالمسجد ، بحيث  لا تضيق على المصلين ، ولا يتأذى المسجد بورقها .
 ثانيا :
 أما الأكل من ثمار هذه الأشجار ففيه تفصيل :
 1- إن كان الواقف قد وقف الشجر مع المسجد ، وحدد مصرف الوقف ، بأن جعله للمساكين ،  أو للأئمة أو الطلبة أو للمسجد ، مثلا ، عُمل بتحديده . وما وقف للمسجد ، يباع  ويصرف في مصالحه. 
 2- وإن لم يكن حدد الجهة التي يصرف فيها الوقف ، ففي ذلك خلاف ، فقيل حكمه حكم  الوقف منقطع الجهة ، فيكون لورثة الواقف ، موقوفا عليهم ، وقيل يجوز لمساكين المسجد  ، وقيل يصرف في مصلحة المسجد .
 3- ما غرس في المسجد ، ولم يوقف معه ، وحكمنا بكراهته أو تحريمه : إن كان غرس  للمسجد ، فلا يؤخذ منه إلا بعوض يصرف في مصالح المسجد ، وإن غرس مسبّلا ، أو لم  يعلم قصد غارسه ، جاز الأكل منه بلا عوض ، والأولى عدم الأكل منه ، ومن أكل ودفع  العوض ليصرف في عمارة المسجد ، فلا حرج عليه .
 وهذا بعض ما قاله الفقهاء في هذه المسألة :
 قال ابن قدامة في الموضع السابق : " فأما إن قال صاحبها : هذه وقف على المسجد  فينبغي أن يباع ثمرها , ويصرف إليه ".
 وقال السفاريني رحمه الله : " مطلب : حكم أكل تمر شجر المسجد : وفي الفروع والإنصاف  والإقناع والمنتهى والغاية وغيرها : فإن لم تقلع فثمرتها لمساكين المسجد . قال في  الإنصاف : قال الحارثي : وهو المذهب . قال : والأقرب حله لغيرهم من المساكين أيضا .  وقال الإمام أحمد رضي الله عنه : لا أحب الأكل منها .
 وإن غرست قبل بنائه ووقفت معه , فإن عين مصرفها عمل به , وإلا فكمنقطع ، يعني تصرف  على ورثة الواقف نسباً ، غنيهم وفقيرهم ، وقفاً عليهم على قدر إرثهم ، فيستحقونه  كالميراث ويقع الحجب بينهم . فإن لم يكن له أقارب فللفقراء والمساكين وقفا عليهم .  وقال الموفق : يجوز الأكل منها , وهو منصوص الإمام رضي الله عنه في رواية أبي طالب  . وقدمه في المستوعب والرعاية الصغرى . وقال جماعة من الأصحاب : تصرف في مصالحه ,  وإن استغنى عنه فلجاره أكل ثمره . نص عليه وجزم به في الفائق , والمذهب الأول أنها  إذا لم يعين مصرفها كالوقف المنقطع . جزم به في  الإقناع والمنتهى والغاية . " (2/317).
 وفي حاشية البجيرمي (3/103) : " ويكره غرس الشجر في المسجد كما في الروضة . قلت:  وهو محمول على ما إذا لم يضر بالمسجد أو بالمصلين , ولم يقصد بها نفسه ، وإلا حرم ,  فإن غرس قُلع . والقالع له الإمام أو نائبه دون الآحاد ، سواء حرم غرسه أو كره ؛  لأن له إزالة المكروه . نعم ما غرس ليكون للمسجد ولا ضرر فيه لا يجوز قطعه لأنه ملك  المسجد ; قاله القاضي , وينبغي تقييده بما إذا كان له ثمر ينتفع به المسجد وإلا قلع  . والجاري على القواعد وجوب رعاية الأصلح من الإبقاء أو القلع .
 وثمرة ما استحق القلع وغيره إن غرس للمسجد لم يجز أكلها إلا بعوض يصرفه في مصالحه.  وإن كان مسبّلا للأكل ، أو جهل قصد الغارس جاز من غير عوض , ومثلها ثمرة ما في  المقبرة المسبلة وكجهل قصده ما إذا لم يكن له قصد , ومثله ما إذا نبتت فيه بنفسها ) انتهى  .
 وقال ابن قدامة : " قال أبو الخطاب : عندي أن المسجد إذا احتاج إلى ثمن ثمرة الشجرة  , بيعت , وصرف ثمنها في عمارته . قال : وقول أحمد يأكلها الجيران . محمول على أنهم  يعمرونه " انتهى  .
 وعليه فإن كانت الحديقة المسئول عنها ، قد وُقفت ثمارها على جهة معينة ، فلا يجوز  الأكل منها إلا لأهل تلك الجهة .
 وإن كانت مسبّلة ، جاز الأكل منها بلا عوض .
 وإن كانت موقوفة أو مغروسة لصالح المسجد ، فإنها تباع وتصرف في مصالحه ، ومن أخذ  منها بمقابل يضعه في خزينة المسجد ، فقد أصاب .
 والله أعلم .
حكم الأكل من ثمار الأشجار المغروسة في المسجد أو حديقته
السؤال: 96101
هل يجوز قطف الثمار من حديقة المسجد مقابل وضع مبلغ من المال في خزينة المسجد مقابل ذلك ؟ وشكرا
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟