هل هناك نجوم ثابتة لا يشملها قوله تعالى (كلٌّ في فلك يسبحون)؟

السؤال: 604518

أريد تفسير الآية (وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ فِي فَلَكٖ يَسۡبَحُونَ) [الأنبياء/ 33]، ذكر أهل العلم أن جميع النجوم في فلك، وهناك نجوم ثوابت لا تجري، هل هذا التفسير يشملها بأنها في فَلَك، ولكنها ثابته لا تتحرك؟

ملخص الجواب

قول بعض أهل العلم إن هناك نجوماً ثوابت، لا يمنع من كونها كلها تجري وتسير في فلك تسبح، فإن ثبوتها نسبيٌّ بالنسبة لمن يراها من أهل الأرض، لا بمعنى أنها لا تتحرك أصلًا.

موضوعات ذات صلة

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولاً:

النجوم قد يطلق عليها كواكب ، (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ) الصافات/ 6 .

يقول العسكري رحمه الله:

"الكوكب : اسم للكبير من النجوم ، وكوكب كل شيء : معظمه .

والنجم : عام في صغيرها وكبيرها.

ويجوز أن يقال: الكواكب هي الثوابت. ومنه يقال: فيه كوكب من ذهب أو فضة؛ لأنه ثابت لا يزول.

والنجم : الذي يطلع منها ويغرب .

ولهذا قيل للمنجم: منجم ؛ لأنه ينظر في ما يطلع منها. ولا يقال له : مكوكب" .

انتهى من "الفروق اللغوية" (ص: 301) .

انظر: إجابة رقم: (243871).

ثانياً:

ظاهر كلام أهل العلم في فهم الآيات الواردة في ذلك أن النجوم كلها في فلك تجري.

قال الله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [الأنبياء/ 33]، وقال تعالى: (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس/ 40]

روى ابن جرير في تفسيره بإسناده (24/ 152): "قَالَ خَالِدَ بْنَ عَرْعَرَةَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَسُئِلَ عَنْ (لَا أَقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ) قَالَ: هِيَ النُّجُومُ تَخْنِسُ بِالنَّهَارِ، وَتَكْنِسُ بِاللَّيْلِ" .

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره (8/ 336):

"وهذا إسناد جيد صحيح إلى خالد بن عرعرة، وهو السهمي الكوفي، قال أبو حاتم الرازي: روى عن علي، وروى عنه سماك والقاسم بن عوف الشيباني، ولم يذكر فيه جرحاً، ولا تعديلاً، والله أعلم".

وفي رواية: "عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: أَنَّهُ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا الْخُنَّسُ؟ هِيَ النُّجُومُ تَجْرِي بِاللَّيْلِ، وَتَخْنِسُ بِالنَّهَارِ" "تفسير الطبري" (24/ 153)

وقال القرطبي في تفسيره (15/ 33):

 "(وكل) يعني من الشمس والقمر والنجوم (في فلك يسبحون) أي يجرون. وقيل: يدورون" انتهى.

وفي تفسير الرازي: "مفاتيح الغيب" (22/ 144):

"لا يجوز أن يقول (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) إلا ويدخل في الكلام مع الشمس والقمر: النجوم، ليثبت معنى الجمع، ومعنى الكل.

فصارت النجوم وإن لم تكن مذكورة أولاً، فإنها مذكورة لعود هذا الضمير إليها، والله أعلم" انتهى.

وانظر: إجابة رقم: (415798).

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

"وقيل ( السابحات ) هي النجوم تسبح في الفلك كما قال تعالى كل في فلك يسبحون .

وقيل: هي السفن تسبح في الماء.

وقيل: هي نفوس المؤمنين؛ تسبح بعد المفارقة صاعدة إلى ربها.

 قلت: والصحيح: أنها الملائكة، والسياق يدل عليه.

وأما السفن والنجوم: فإنما تسمى جارية، وجواري؛ كما قال تعالى: ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام . وقال حملناكم في الجارية .

وقال: الجوار الكنس ؛ ولم يسمها سابحات، وإن أطلق عليها فعل السباحة كقوله كل في فلك يسبحون" انتهى من "التبيان في أقسام القرآن" (ص: 83).

وفي تفسير الرازي "مفاتيح الغيب" (22/145):

"اختلف الناس في حركات الكواكب، والوجوه الممكنة فيها ثلاثة: فإنه إما أن يكون الفلك ساكناً والكواكب تتحرك فيه كحركة السمك في الماء الراكد، وإما أن يكون الفلك متحركاً والكواكب تتحرك فيه أيضاً، إما مخالفاً لجهة حركته، أو موافقاً لجهته، إما بحركة مساوية لحركة الفلك في السرعة والبطء أو مخالفة، وإما أن يكون الفلك متحركاً والكوكب ساكناً. (ثم ذكر إبطال الفلاسفة للوجهين الأولين؛ لأنه يلزم منهما خرق الأفلاك،  وإمكان الثالث، حيث قالوا):

لم يبق إلا القسم الثالث: وهو أن يكون الكوكب مغروزاً في الفلك واقفاً فيه، والفلك يتحرك فيتحرك الكوكب بسبب حركة الفلك.

قال الرازي: واعلم أن مدار هذا الكلام على امتناع الخرق على الأفلاك ، وهو باطل، بل الحق أن الأقسام الثلاثة ممكنة ، والله تعالى قادر على كل الممكنات، والذي يدل عليه لفظ القرآن أن تكون الأفلاك واقفة، والكواكب تكون جارية فيها، كما تسبح السمكة في الماء" انتهى.

ومعنى قول الفلاسفة :"يوجب خرق الأفلاك" : أي يستلزم أن الكواكب تشقّ أو تثقب الأجرام السماوية (الأفلاك) التي تتحرك فيها، وهو ما اعتبره الفلاسفة محالًا لأنهم يرون الأفلاك أجسامًا صلبة غير قابلة للخرق.

ورفض الرازي أن يكون هذا مستحيلاً، ويقول: إن الله قادر على أن يجعل الكواكب تجري في أفلاكها كما تسبح الأسماك في الماء، دون حاجة إلى افتراض أفلاك صلبة.

ثالثاً:

قول بعض أهل العلم أن هناك نجوماً سيارة، ونجومًا ثوابت: هذا، إن صح أنه كذلك: لا يمنع كونها كلها تجري وتسير في فلك تسبح .

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره  (4/561) :

"(وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) [النحل/12-13]:

يُنَبِّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ عَلَى آيَاتِهِ الْعِظَامُ، وَمِنَنِهِ الْجِسَامِ، فِي تَسْخِيرِهِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَتَعَاقَبَانِ، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يَدُورَانِ، وَالنُّجُومَ الثَّوَابِتَ وَالسَّيَّارَاتِ، فِي أَرْجَاءِ السَّمَوَاتِ نُورًا وَضِيَاءً لِمُهْتَدِينَ بِهَا فِي الظُّلُمَاتِ، وَكُلٌّ مِنْهَا يَسِيرُ فِي فَلَكِهِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ، يَسِيرُ بِحَرَكَةٍ مُقدرة، لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا وَلَا يُنْقِصُ مِنْهَا، وَالْجَمِيعُ تَحْتَ قَهْرِهِ وَسُلْطَانِهِ وَتَسْخِيرِهِ وَتَقْدِيرِهِ وَتَسْيِيرِهِ" انتهى.

ففي كلام الحافظ ابن كثير رحمه الله: التصريح بأن النجوم الثوابت والسيارات كلها تسير في فلكها الذي جعله الله لها، فقال: "والنجوم الثوابت والسيارات ... كل منها يسير في فلكه الذي جعله الله تعالى فيه، يسير بحركة مقدرة، لا يزيد عليها ولا ينقص منها".

فهو يدخل النجوم الثوابت ضمن قوله تعالى كلٌّ في فلك يسبحون.

وإنْ كانت تسمّى “ثوابت”، فإن ثبوتها نسبيٌّ بالنسبة لمن يراها من أهل الأرض، لا بمعنى أنها لا تتحرك أصلًا.

فالثوابت هي ثوابت في نظر المراقِب، لأنها لا تظهر لها حركة ظاهرة، كالسيارات، لكنها – في الحقيقة – تجري بحركة مقدّرة في فلكها كما قال ابن كثير رحمه الله.

والله أعلم.
 

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android