لم يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بأن يعتمر معها، ولم يرد أنه اعتمر معها.
هل اعتمر عبد الرحمن بن أبي بكر من التنعيم مع عائشة رضي الله عنهم؟
السؤال: 602559
هل اعتمر عبد الرحمن بن أبي بكر مع أخته عائشة رضي الله عنها، حين أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة رضي الله عنه للعمرة؟
ملخص الجواب
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
قد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة رضي الله عنها بأن تعتمر من التنعيم، وأمر أخاها عبد الرحمن أن يصحبها.
روى الحديث البخاري في مواضع من الصحيح منها (1518)، ومسلم (1211): عن عائشَةَ رضي الله عنها: " أَنَّها قالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ، اعْتَمَرْتُمْ وَلَمْ أَعْتَمِرْ! فقالَ: يا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، اذْهَبْ بِأُخْتِكَ، فَأَعْمِرْها مِنَ التَّنْعِيمِ.
فَأَحْقَبَها على ناقَةٍ، فاعْتَمَرَتْ".
ورواه البخاري (1784)، ومسلم (1212): عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما: " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يُرْدِفَ عائِشَةَ وَيُعْمِرَها مِنَ التَّنْعِيمِ".
وليس في أحاديث هذه العمرة ما يدل على أن عبد الرحمن اعتمر معها، فلم يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بأن يحرم بالعمرة، ولم يرد أنه فعلها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى
" النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صدروا عن مكة ليلة الحَصْبة، وهي الليلة التي تلي ليالي منى، ولم يقيموا بمكة بعد أيام منى شيئا، وأنه لم يعتمر بعد الحج أحد ممن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا عائشة وحدها، حتى أخوها عبد الرحمن الذي كان معها لم يعتمر من التنعيم؛ لأنهم كانوا قد اعتمروا قبل الحج " انتهى. "شرح عمدة الفقه" (4 / 294).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" فالعمرة الّتي فعلها، [النبي صلى الله عليه وسلم]، وشرعها؛ هي عمرة الدّاخل إلى مكّة، لا عمرة من كان بها فيخرج إلى الحلّ ليعتمر، ولم يفعل هذا على عهده أحد قطّ إلا عائشة وحدها من بين سائر من معه؛ لأنّها كانت قد أهلّت بالعمرة فحاضت، فأمرها، فأدخلت الحجّ على العمرة وصارت قارنة، وأخبرها أنّ طوافها بالبيت وبين الصّفا والمروة قد وقع عن حجّها وعمرتها، فوجدت في نفسها، إذ ترجع صواحباتها بحج وعمرة مستقلتين، فإنّهنّ كنّ متمتّعات ولم يحضن ولم يقرنّ، وترجع هي بعمرة في ضمن حجّتها، فأمر أخاها أن يُعمِرها من التّنعيم تطييبا لقلبها، ولم يعتمر هو من التّنعيم في تلك الحجّة ولا أحد ممّن كان معه " انتهى. "زاد المعاد" (2 / 114).
وقد نقل قول ابن القيم هذا الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (3 / 606)، ولم يتعقبه ولم يخالفه.
ونص شيخ الإسلام ابن تيمية على اتفاق أهل العلم على هذا.
قال رحمه الله تعالى:
" ولم يختلفوا أنه لم يعتمر بعد الحج لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة إلا عائشة.
فهذا كله متفق عليه، لم يختلف فيه النقل، ولا خالف فيه أحد من أهل العلم " انتهى "مجموع الفتاوى" (26 / 62).
وقد يشكل على هذا، ما رواه الإمام أحمد في "المسند" (3 / 235)، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ - يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ - أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ مَنْ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ارْحَلْ هَذِهِ النَّاقَةَ، ثُمَّ أَرْدِفْ أُخْتَكَ، فَإِذَا هَبَطْتُمَا مِنْ أَكَمَةِ التَّنْعِيمِ، فَأَهِلَّا وَأَقْبِلَا وَذَلِكَ لَيْلَةُ الصَّدَرِ.
لكن هذا إسناد ضعيف، لجهالة الراوي عن عبد الرّحمن بن أبي بكر، كما قال محققو المسند.
وقد يشكل عليه أيضا ما ورد عند البخاري (1788)، قال: حدَّثنا أَبُو نُعَيْمٍ: حدَّثنا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ، عن القاسِمِ: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قالَتْ: "خَرَجْنا مُهِلِّينَ بِالحَجِّ، فِي أَشْهُرِ الحَجِّ، وَحُرُمِ الحَجِّ، فَنَزَلْنا سَرِفَ فقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحابِهِ: مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَها عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ كانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلا، وَكانَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرِجالٍ مِنْ أَصْحابِهِ ذَوِي قُوَّةٍ الهَدْيُ، فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ عُمْرَةً، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنا أَبْكِي، فَقالَ: ما يُبْكِيكِ؟ قُلْتُ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ لِأَصْحابِكَ ما قُلْتَ، فَمُنِعْتُ العُمْرَةَ. قالَ: وَما شَأنُكِ؟ قُلْتُ: لا أُصَلِّي. قالَ: فَلا يضرك، أَنْتِ مِنْ بَناتِ آدَمَ، كُتِبَ عَلَيْكِ ما كُتِبَ عَلَيْهِنَّ، فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِها، قالَتْ: فَكُنْتُ، حَتَّى نَفَرْنا مِنْ مِنًى، فَنَزَلْنا المُحَصَّبَ، فَدَعا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَقالَ: اخْرُجْ بِأُخْتِكَ الحَرَمَ، فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ افْرُغا مِنْ طَوافِكُما، أَنْتَظِرْكما هاهُنا.
فَأَتَيْنا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقالَ: فَرَغْتُما؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَنادَى بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحابِهِ، فارْتَحَلَ النَّاسُ وَمَنْ طافَ بِالبَيْتِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ خَرَجَ مُوَجِّهًا إلى المَدِينَةِ".
فجملة: ( ثُمَّ افْرُغا مِنْ طَوافِكُما )، قد يفهم منها أن عبد الرحمن بن أبي بكر كان يقوم بأعمال العمرة مع أخته عائشة رضي الله عنهم أجمعين.
وقد رأى الشيخ الألباني أن هذه الزيادة مخالفة لما اتفق عليه جماعة الرواة الثقات فيخشى أن تكون الزيادة خطأ من أبي نعيم.
قال رحمه الله تعالى:
" لكن أخرجه مسلم (4 / 31 - 32) من طريق إسحاق بن سليمان عن أفلح به، إلا أنه لم يذكر: ( ثُمَّ افْرُغا مِنْ طَوافِكُما ). وإنما قال: ( ثُمَّ لْتَطُفْ بِالْبَيْتِ ).
فأخشى أن يكون تثنية الطواف خطأ من أبي نعيم، فقد وجدت له مخالفا آخر عند أبي داود (1 / 313 - 314) من رواية خالد - وهو الحذاء - عن أفلح به نحو رواية مسلم.
فهذه التثنية شاذة في نقدي، لمخالفة أبي نعيم، وتفرده بها دون إسحاق بن سليمان وخالد الحذاء، وهما ثقتان حجتان.
ثم وجدت لهما متابعا آخر وهو أبو بكر الحنفي عند البخاري (3 / 328) وأبي داود.
ويؤيد ذلك: أنها لم ترد لفظا ولا معنى في شيء من طرق الحديث عن عائشة، وما أكثرها في "مسند أحمد" ... وبعضها في "صحيح البخاري" ... ومسلم ...
وكذا لم ترد في حديث جابر عند البخاري ... ومسلم ... وأحمد ...
وكذلك لم ترد في حديث الترجمة لا من الوجه المذكور أولا، ولا من الطريق الأخرى عند الشيخين وغيرهما " انتهى. "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6 / 260).
والظاهر أن عبارة: ( ثُمَّ افْرُغا مِنْ طَوافِكُما )، لا يلزم منها أن يكون عبد الرحمن بن أبي بكر قد اعتمر مع أخته؛ فالطواف عبادة لا يشترط لصحتها حج ولا عمرة، فيكون طواف عبد الرحمن من باب التطوع، ويحتمل جدا أن يكون طاف مع أخته بنية طواف الوداع؛ لأن عائشة رضي الله عنها بعد طواف عمرتها هذا، لم يرد أنها عادت إلى طواف الوداع.
ولذا بوّب الإمام البخاري على هذا الحديث بقوله: " بابُ المُعْتَمِرِ إذا طافَ طَوَافَ العُمْرَةِ ثُمَّ خَرَجَ، هَلْ يُجْزِئُهُ مِنْ طَوَافِ الوَدَاعِ؟ " انتهى.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
" المعنى: ما أعادت طواف الوداع؛ لأنها حديثة عهد بطواف … " انتهى. "الحلل الإبريزية" (1 / 473).
وقد سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن هذا الإشكال.
قال ابن سنيد أثابه الله تعالى:
" في الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن أبي بكر: ( اخْرُجْ بِأُخْتِكَ الحَرَمَ، فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ افْرُغا مِنْ طَوافِكُما )، ما المراد بالطواف هنا؟
الجواب: المراد به بالنسبة لعبد الرحمن: طواف تطوع.
فقلت له: أو لعله وداع؟
فقال: أو ذاك، ولكن نجزم أنه ليس طواف عمرة " انتهى "الكنز الثمين في سؤالات ابن سنيد لابن عثيمين" (ص97 بترقيم الشاملة آليا).
والخلاصة:
قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن لعائشة رضي الله عنها بالعمرة من التنعيم، وأمر أخاها عبد الرحمن بصحبتها، لكن لم يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بأن يعتمر معها، ولم يرد أنه اعتمر معها.
والله أعلم.
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟