الأقرب أن الأرض لم تجمع في القرآن لثقل جمعها وهو (أرضون)، ولهذا لما أريد ذكر جميع الأرضين قال: (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ).
ما الحكمة من عدم جمع كلمة الأرض في القرآن الكريم؟
السؤال: 601538
ما الحكمة من عدم جمع كلمة الأرض في القرآن الكريم ؟
ملخص الجواب
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أولاً:
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/63) : "ثبت في القرآن الكريم أن الله تعالى خلق سبع أرضين، كما خلق سبع سماوات، قال سبحانه: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) الطلاق/12 ، وثبت أيضا في الحديث الصحيح: أن الأرضين سبع، فقد روى البخاري ومسلم ، عن سعيد بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين) وفي الصحيحين عن عائشة مرفوعا مثله" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "وأما الأرض: فإنها جاءت بلفظ الإفراد في القرآن، وجاءت في السنة بلفظ الجمع؛ وعددها سبع: جاء ذلك في صريح السنة، وفي ظاهر القرآن؛ ففي ظاهر القرآن: (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ) ؛ لأن المماثلة في الوصف متعذرة؛ فلم يبق إلا العدد" انتهى من "تفسير سورة البقرة" (3/436) .
وانظر: جواب السؤال رقم: (112059).
وفي المثل السائر (1/ 299) : "ما ورد استعماله من الألفاظ مفردًا، ولم يرد مجموعًا، كلفظة "الأرض", فإنها لم ترد في القرآن إلا مفردة، فإذا ذكرت السماء مجموعة، جيء بها مفردة معها في كل موضع من القرآن، ولما أريد أن يؤتى بها مجموعة قيل: (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) في قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) الطلاق/ 12" انتهى.
ثانياً:
يلتمس العلماء ويجتهدون في طلب الحكمة في أسلوب القرآن وجمَله وألفاظه. وهذا أمر اجتهادي معرض للصواب والخطأ. وقد يعرفه أئمة التفسير وقد يخفى عليهم.
قال ابن عطية رحمه الله في تفسيره "المحرر الوجيز" (1/ 52): "كتاب الله لو نزعت منه لفظة، ثم أدير لسان العرب في أن يوجد أحسن منها: لم يوجد. ونحن تبين لنا البراعة في أكثره، ويخفى علينا وجهها في مواضع؛ لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذ، في سلامة الذوق وجودة القريحة وميز الكلام" انتهى.
ثالثاً:
بحث المفسرون الحكمة من جمع السموات دون الأرض في القرآن.
فقال بعضم: جمع السَّماواتِ وأفرد الْأَرْضِ للانتفاع بجميع أجزاء الأولى، باعتبار ما فيها من نور كواكبها وغيره دون الثانية، فإنه إنما ينتفع بواحدة من آحادها- وهي ما نشاهده منها.
وقال بعضهم: لم تجمع الْأَرْضِ؛ لأن جمعها ثقيل وهو مخالف للقياس، ورب مفرد لم يقع في القرآن جمعه، لثقله وخفة المفرد.
وقال بعضهم: جمع السَّماواتِ؛ لأنها طبقات تمتاز كل واحدة عن الأخرى (ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ) [الملك/3]، كما يدل عليه قوله تعالى: (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) [البقرة/ 29] سواء كانت متماسة أو لا.
قال الألوسي رحمه الله في "روح المعاني" (1/ 429): "وإنما جمع السَّماواتِ، وأفرد الْأَرْض: للانتفاع بجميع أجزاء الأولى، باعتبار ما فيها من نور كواكبها وغيره، دون الثانية؛ فإنه إنما ينتفع بواحدة من آحادها- وهي ما نشاهده منها-.
وقال أبو حيان: لم تجمع الْأَرْض، لأن جمعها ثقيل، وهو مخالف للقياس، ورب مفرد لم يقع في القرآن جمعه، لثقله وخفة المفرد، وجمع لم يقع مفرده- كالألباب-. وفي المثل السائر نحوه.
وقال بعض المحققين:
جمع السَّماواتِ لأنها طبقات، ممتازة كل واحدة من الأخرى بذاتها الشخصية، كما يدل عليه قوله تعالى: (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) [البقرة: 29]. سواء كانت متماسة- كما هو رأي الحكيم- أو لا، كما جاء في الآثار- أن بين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام-، مختلفة الحقيقة؛ لما أن الاختلاف في الآثار المشار إليه بقوله تعالى: وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها [فصلت: 12]: يدل عليه. ولم يجمع الْأَرْض؛ لأن طبقاتها ليست متصفة بجميع ذلك؛ فإنها - سواء كانت متفاصلة بذواتها، كما ورد في الأحاديث: من أن بين كل أرضين كما بين كل سماءين، أو لا تكون متفاصلة، كما هو رأي الحكيم: غير مختلفة في الحقيقة؛ اتفاقا" انتهى.
وما نسبه إلى أبي حيان أنه قال: " لم تجمع الْأَرْضِ؛ لأن جمعها ثقيل، وهو مخالف للقياس" انتهى.
قوله: "مخالف للقياس" لعله من جهة أن كلمة "أرض" جُمِعتْ جمع مذكر سالم، وخالفت شروط هذا الجمع؛ فهي ليست علَمًا لمذكر عاقل، ولا صفة لمذكر عاقل.
وأما الجمع الذي كان يقتضيه القياس فهو: جمع المؤنث؛ لأن الكلمة "أرض" تدل على مؤنث.
والذي في "البحر المحيط" لأبي حيان (2/ 77): "قالوا: وجمع السموات، لأنها أجناس، كل سماء من جنس غير جنس الأحرى، ووحد الأرض لأنها كلها من تراب" انتهى.
وفي "الإتقان" للسيوطي (2/ 355): "قاعدة: في الإفراد والجمع: من ذلك " السماء والأرض " حيث وقع في القرآن ذكر الأرض: فإنها مفردة، ولم تجمع، بخلاف السموات؛ لثقل جمعها وهو أرضون، ولهذا لما أريد ذكر جميع الأرضين قال: وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ . وأما السماء: فذكرت تارة بصيغة الجمع، وتارة بصيغة الإفراد، لنكت تليق بذلك المحل، لما أوضحته في أسرار التنزيل.
والحاصل: أنه حيث أريد العدد، أتي بصيغة الجمع الدالة على سعة العظمة والكثرة نحو: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ)، أي جميع سكانها على كثرتهم، (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ) أي كل واحد على اختلاف عددها (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)؛ إذ المراد نفي علم الغيب عن كل من هو في واحدة من السموات" انتهى.
والأقرب-والله أعلم- أن الأرض لم تجمع في القرآن لثقل جمعها وهو أرضون، ولهذا لما أريد ذكر جميع الأرضين قال: وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ .
رابعًا:
الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، التي ذُكر فيها أن ما بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام ، كلها أحاديث لا تثبت ولا تصح .
يقول الشيخ محمد الحوت رحمه الله :
" لم يصح من ذلك شيء ، ولا مقدار ما بين كل سماءين ، ولا بين السماء والأرض ، من كون ذلك خمسمائة سنة ، أو ثمانين سنة " انتهى من "أسنى المطالب" (ص/164). انظر: فتوى (225192).
وقد ثبت ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً فقد أَخْرَجَه اِبْن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحه (105) وفي كتاب التوحيد له (رقم 594) عَنْ اِبْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ : " بَيْن السَّمَاء الدُّنْيَا وَاَلَّتِي تَلِيهَا خَمْسمِائَةِ عَام , وَبَيْن كُلّ سَمَاء مسيرة خَمْسمِائَةِ عَام . وَفِي رِوَايَة " وَغِلَظ كُلّ سَمَاء مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام , وَبَيْن السماء السَّابِعَة وَبَيْن الْكُرْسِيّ خَمْسمِائَةِ عَام , وَبَيْن الْكُرْسِيّ وَبَيْن الْمَاء خَمْسمِائَةِ عَام , وَالْعَرْش فَوْق الْمَاء وَاَللَّه فَوْق الْعَرْش وَلا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أَعْمَالكُمْ " وصححه الذهبي في العلو (ص64) وابن القيم في "اجتماع الحيوش الإسلامية" ( ص100) .
وما أخرجه الذهبي في كتاب العلو كما في مختصره ( 35 )عن عبد الله بن عمرو قال : جعل الله فوق السماء السابعة الماء ، وجعل فوق الماء العرش ".
وقال الشيخ الألباني : إسناده صحيح.
انظر: إجابة رقم: (47048).
والله أعلم.
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟