أولا:
التذر المعلق مكروه منهي عنه، كقولك: إن رزقني الله مالا فعلت كذا، أو: إن رزقني زوجة تصدقت بكذا، أو إن شفي مريضي صمت كذا؛ لما روى البخاري (6608) ومسلم (1639) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ، وَقَالَ: (إِنَّهُ لا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيل).
وروى البخاري (6609) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ - في الحديث القدسي-: (لَا يَأْتِ ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَدَّرْتُهُ وَلَكِنْ يُلْقِيهِ الْقَدَرُ وَقَدْ قَدَّرْتُهُ لَهُ، أَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ).
ومن أهل العلم من ذهب إلى تحريم النذر المعلق.
قال في "المبدع" (8/ 120): "ولا يستحب؛ لنهيه - عليه السلام - عنه، وقال: إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل متفق عليه. وهذا نهي كراهة؛ لأنه لو كان حراما، لما مدح الموفين به، لأن ذمهم من ارتكاب المحرم، أشدُّ من طاعتهم في وفائه، ولو كان مستحبا لفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وقال ابن حامد: لا يرد قضاء، ولا يملك به شيئا محدثا. وتوقف الشيخ تقي الدين في تحريمه، وحرمه طائفة من أهل الحديث" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :"اعلم أن النذر لا يأتي بخير، ولو كان نذر طاعة ، وإنما يُستخرج به من البخيل ، ولهذا نهى عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وبعض العلماء يحرمه ، وإليه يميل شيخ الإسلام ابن تيمية للنهي عنه ، ولأنك تلزم نفسك بأمر أنت في عافية منه، وكم من إنسان نذر وأخيراً ندم، وربما لم يفعل .
ويدل لقوة القول بتحريم النذر قوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ) النور/53؛ فهذا التزام موكد بالقسم، فيشبه النذر، قال الله تعالى : (قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) النور/53 أي: عليكم طاعة معروفة بدون يمين، والإنسان الذي لا يفعل الطاعة إلا بنذر ، أو حلف على نفسه؛ يعني: أن الطاعة ثقيلة عليه .
ومما يدل على قوة القول بالتحريم أيضاً خصوصاً النذر المعلق: أن الناذر كأنه غير واثق بالله عز وجل؛ فكأنه يعتقد أن الله لا يعطيه الشفاء إلا إذا أعطاه مقابله، ولهذا إذا أيسوا من البرء، ذهبوا ينذرون ، وفي هذا سوء ظن بالله عز وجل .
والقول بالتحريم قول وجيه " انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين.(9/242) "
ولهذا لا ينبغي أن تنذر، ولا أن تعتقد أن النذر سبب لحصول ما تريد.
ومع ذلك: فإن من نذَرَ نَذْرَ طاعةِ، لزمه الوفاء به، كقوله: إن رزقني الله بزوجة تصدقت بألف مثلا، مع كراهة النذر المعلق ابتداء، كما سبق.
وإنما وجب الوفاء به لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ) رواه البخاري (6202).
ثانيا:
قولك في النذر: " إذا رزقني الله مالا كثيرا سوف أفعل الخير الكثير به": يدخل في النذر المبهم، أو الذي لم يسمّ؛ لأنك لم تبين فعل الخير الذي تريد، ويسميه بعض الفقهاء النذر المطلق.
فلو نذرت هذا النذر، لزمتك كفارة يمين، فتطعم عشرة مساكين، أو تكسوهم.
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (6/ 274): " (والنذر المنعقد أقسامه): ستة (أحدها) النذر (المطلق، كعليّ نذر أو لله علي نذر)، سواء (أطلق، أو قال: إن فعلت كذا)، وفعله، (ولم ينو) بنذره (شيئا) معينا: (فيلزمه كفارة يمين)، لحديث عقبة بن عامر مرفوعا: كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين رواه ابن ماجه والترمذي، وقال: حسن صحيح غريب.
وروى أبو داود وابن ماجه معناه من حديث ابن عباس، وقاله ابن مسعود وجابر وعائشة، ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم" انتهى.
رابعا:
قولك في النذر الثاني: "إذا رزقني الله بزوجه سوف أتصدق":
يجزئك فيه الصدقة بأي شيء، ويجوز أن يدفعها لفقير واحد؛ إلا أن عين مصرفا لها، فيصرفها فيمن عينها له.
قال الإمام النووي، رحمه الله في "روضة الطالبين" (3/306): " لو نذر أن يتصدق، فإنه لا يحمل على خمسة دراهم، أو نصف دينار، بل يجزئه أن يتصدق بدانق ودونه مما يتمول؛ لأن الصدقة الواجبة في الزكاة غير منحصرة في نصاب الذهب والفضة، بل تكون في صدقة الفطر وفي الخلطة" انتهى.
وقال زكريا الأنصاري رحمه الله في "أسنى المطالب" (1/ 590): " (ومن نذر التصدق بشيء) صح نذره و (تصدق بما شاء) من قليل وكثير؛ لصدق الشيء عليه" انتهى.
وقال البهوتي، رحمه الله في "شرح المنتهى" (3/ 475): «(وإن نذرها بمالٍ، ونيته ألفٌ: يخرج ما شاء) من ماله؛ لأن اسم المال يقع على القليل، وما نواه زيادة عما تناوله الاسم، والنذر لا يلزم بالنية.
(فيصرفه للمساكين)، ويجزئ لواحد (كـ) نذر (صدقة مطلقة). فإن عُيِّنت لزيد مثلا: لزم دفعها إليه».
وبعض الفقهاء يقول: يتصدق بنصف صاع.
قال الكاساني رحمه الله في "بدائع الصنائع" (5/ 92): " ولو قال: لله علي صدقة، فعليه نصف صاع" انتهى.
والحاصل:
أنك تُنهى عن هذا النذر وعن كل نذر معلق، فإن نذرت بالصيغة الأولى لزمتك كفارة يمين، وإن نذرت بالصيغة الثانية، تصدقت بأي شيء.
والله أعلم.