الأصل أن النظر إلى المخطوبة جائز ومشروع مباشرة ، فإن تعذر جاز عن طريق الصورة.
فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ ). قَالَ : فَخَطَبْتُ جَارِيَةً فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا مَا دَعَانِي إِلَى نِكَاحِهَا وَتَزَوُّجِهَا فَتَزَوَّجْتُهَا" راه أبو داود (2082). وحسنه الألباني.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
«لا نعلم بين أهل العلم خلافا في إباحة النظر إلى المرأة لمن أراد نكاحها...
ولا بأس بالنظر إليها بإذنها وغير إذنها» انتهى من "المغني" (9/ 489).
وقد أخطأ أهل المخطوبة برفض حصول النظرة الشرعية.
ثانياً:
أما إذا خطب ولم يرها، ثم أراد أن يراها بعد الخطبة، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المغيرة رضي الله عنه أن ينظر إلى مخطوبته بعد أن خطبها.
فعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا ) أي أَحْرَى أَنْ تَدُومَ الْمَوَدَّةُ بَيْنَكُمَا) رواه الترمذي (1087) وصححه الالباني.
وعن أبي هريرة قال : " كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنظرت إليها ؟ ) قال : لا ، قال : ( فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً ) رواه مسلم (1424).
فإن تيسر أن يراها مباشرة فهو الأصل، وإن لم يتيسر نظر إلى صورتها.
وينظر الفتوى: (222753).
ثالثا:
أما كون ذلك حصل بالصورة ودون علمها ورضاها: فقد كان الصحابة رضي عنهم يختبئون لمن يريدون خطبتها وينظرون إليها دون علمها.
فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ.
قَالَ: "فَخَطَبْتُ جَارِيَةً فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا مَا دَعَانِي إِلَى نِكَاحِهَا وَتَزَوُّجِهَا فَتَزَوَّجْتُهَا".
رواه أبو داود (2082) وحسنه الألباني.
وما فعلته أم الخاطب ليس من باب الخيانة، وإن كان خلاف الأولى، فالأصل أن تطلب منهم نظر ابنها إلى المخطوبة، أو يحصل هذا قبل الخطبة.
وما فعلته من إرسال الصورة لابنها الخاطب، وإن كان قد أفضى إلى فسخ الخطبة، فهو خير من أن يتفاجأ بذلك بعد عقد الزواج فيحصل الطلاق أو تكون العشرة بينهما ليست مبنية على الحب والمودة.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
لي أخ يريد الزواج من امرأة معينة، وهو شاب يخشى عليه، لكنه طلب منا نحن إخواته تمكينه من رؤيتها، دون علمها؛ شرط ألا يخل هذا بحكم الله تعالى وذلك حتى لا يقع الحرج له، أو لها إذا كان رأيه ألا يتزوج بها، فما الحكم هنا؟ وما السبيل إلى ذلك؟ مع العلم بأننا -والحمد لله- محافظون على تطبيق ما يرضى عنه الله.
فأجاب:
لا حرج في ذلك: أن تسعين في تمكينه من رؤيتها من دون خلوة، كأن تعزمها إحداكن، ثم ينظر إليها من باب، أو هوة، أو غير ذلك، وهي معكن، لا حرج في ذلك، النبي صلى الله عليه وسلم رخص للصحابة أن ينظروا في المخطوبة، كان جابر لما أراد أن يتزوج امرأة جعل يتخبأ لها حتى ينظر إليها. إذا كان النظر من دون خلوة؛ فلا حرج في ذلك، إذا كان يريد خطبتها" انتهى من "فتاوى نور على الدرب لابن باز" (20/ 95).
وقد سبق بيان ضوابط النظر على المخطوبة أو إلى صورتها فيرجع إليه: (132499).
رابعاً:
أما استخفاف أم العريس بها، وسخريتها منها: فهذا من أعظم الذنوب وقد جاءت النصوص الصريحة في الكتاب والسنة من التحذير منه فهو داخل في احتقار الناس وفي الغيبة التي هي من الكبائر.
ولا تدري هذه المرأة التي تحتقر هذه الفتاة بمنزلتها وقدرها عند ربها، وخاصة أنها على استقامة وديانة.
قال تعالى : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ...الآية) الحجرات/11.
قال ابن كثير رحمه الله:
"ينهى تعالى عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الكبر بطر الحق وغمص الناس" ويروى: "وغمط الناس" والمراد من ذلك: احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام، فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له" انتهى من "تفسير ابن كثير" (7/ 376).
وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ ... بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ ) رواه مسلم (2564).
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا" قال الراوي : تَعْنِي قَصِيرَةً. فَقَال: (لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْه)ُ رواه أبو داود (4875)، والترمذي (2502) وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ". وصححه الألباني.
قال النووي رحمه الله تعالى:
" ( مزجتهُ ) أي: خالطتهُ مُخالطةً يتغيرُ بها طعمهُ أو ريحهُ ، لشدةِ نتنها وقبحها .
وهذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغيبة، أو أعظمُها؛ وما أعلمُ شيئاً من الأحاديث يبلغُ في الذمّ لها هذا المبلغ ، ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى )، نسألُ اللَّه الكريم لطفه والعافية مِنْ كُلّ مَكْرُوهٍ " انتهى من "الأذكار" (ص 290).
وقال ابن قدامة رحمه الله:
" واعلم أن كل ما يفهم منه مقصود الذم، فهو داخل في الغيبة، سواء كان بكلام أو بغيره، كالغمز، والإشارة والكتابة بالقلم، فإن القلم أحد اللسانين" انتهى من "مختصر منهاج القاصدين" (170)..
والله أعلم.