اشكال متعلق بحديث: (أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ؟ فَإِنَّ على رَأسِ ‌مائةِ ‌سَنَةٍ منها لا يَبْقَى مِمَّنْ هو على ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ)

السؤال: 596572

في باب "‏لاَ تَأْتِي مِائَةُ سَنَةٍ وَعَلَى الأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ الْيَوْم" في صحيح الإمام مسلم.
أريد شرحا جزاكم الله خيرا لحديثه صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ لَمَا رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَبُوكَ سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏: (لاَ تَأْتِي مِائَةُ سَنَةٍ وَعَلَى الأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ الْيَوْمَ)، والحديثان الآخران عن ابن عمر رضي الله قال قال النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته: (أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ)، وعن جابر بن عبد الله قال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شهر قبل وفاته: (‏تَسْأَلُونِي عَنِ السَّاعَةِ وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَأُقْسِمُ بِاللَّهِ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ تَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ)،
ما أثقل كاهلي هو أن أبا الطفيل عامر بن واثلة الكناني رضي الله عنه توفي سنة 110ه، فكيف نجمع بين حديث أنه قالها لما رجع من تبوك أي في 9ه ،وبين وفاة هذا الصحابي؟

ملخص الجواب

الصحيح الثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الخبر في آخر حياته قبل وفاته بشهر،  وما ورد أنه قاله بعد رجوعه من غزوة تبوك فهي رواية فيها اختلاف في سندها ومتنها، لا يمكن أن يعارض بها الصحيح الثابت.

موضوعات ذات صلة

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولا:

المتفق على صحته في هذه المسألة: هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال هذا الخبر في آخر حياته، كما عند البخاري (116)، ومسلم (2537): عن عَبْدَ اللَّهِ بنَ عُمَرَ، قالَ: صَلَّى بِنا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم العِشاءَ في آخِرِ حَياتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قامَ، فقالَ: أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ؟ فَإِنَّ على رَأسِ ‌مائةِ ‌سَنَةٍ منها لا يَبْقَى مِمَّنْ هو على ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ.

وسبق في الموقع الحديث على هذا الخبر، في جواب السؤال رقم: (10358)، ولمزيد الفائدة يحسن مطالعة جواب السؤال رقم: (363920).

وقد صح أن هذا الخبر قد قاله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهر.

فقد روى الإمام مسلم (2538): عن جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ، قالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِشَهْرٍ: تَسْأَلُونِي عَنِ السَّاعَةِ، وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ، وَأُقْسِمُ بِاللهِ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ ‌نَفْسٍ ‌مَنْفُوسَةٍ تَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ.

وعلى حديث جابر رضي الله عنه، يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد قال هذا الخبر تقريبا في صدر شهر صفر من سنة 11 هــ؛ لأن المشهور الثابت أنه صلى الله عليه وسلم توفي في شهر ربيع الأول من هذه السنة.

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

" ومات صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، بلا اختلاف، قيل: في وقت دخوله المدينة في هجرته حين اشتدّ الضّحى، في صدر ربيع الأوّل سنة إحدى عشرة، لتمام عشر سنين من الهجرة " انتهى. "الدرر في اختصار المغازي والسير" (ص271).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" وكانت وفاته يوم الاثنين، بلا خلاف، من ربيع الأوّل، وكاد يكون إجماعا " انتهى. "فتح الباري" (8 / 129).

وآخر من مات من الصحابة رضوان الله عليهم، هو أبو الطفيل عامر بن واثلة.

وقد اختلف في سنة وفاته بين مائة للهجرة، وبين مائة وعشرة.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" قال مسلم: مات أبو الطفيل سنة مائة، وهو آخر من مات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال خليفة: مات بعد سنة مائة.

ويقال: مات سنة سبع.

وقال وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه: كنت بمكة سنة عشر ومائة، فرأيت جنازة، فسألت عنها، فقالوا: هذا أبو الطفيل.

قلت: وقال ابن البرقي: مات سنة (102) " انتهى. "تهذيب التهذيب" (2 / 272).

ونص بعض أهل العلم على أن الصحيح في سنة وفاته أنه مات رضي الله عنه، سنة 110 من الهجرة.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

" وقال البخاريّ: حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا مبارك، عن كثير بن أعين، قال:

أخبرني أبو الطّفيل بمكّة سنة سبع ومائة.

وقال وهب بن جرير: سمعت أبي يقول:

كنت بمكّة سنة عشر ومائة، فرأيت جنازة، فسألت عنها، فقالوا: هذا أبو الطّفيل.

قلت: هذا هو الصّحيح من وفاته لثبوته، ويعضده ما قبله " انتهى. "سير أعلام النبلاء" (3 / 470).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" وعُمّر إلى أن مات سنة عشر ومائة، على الصحيح، وهو آخر من مات من الصحابة، قاله مسلم وغيره " انتهى. "تقريب التهذيب" (ص288).

وعلى الأقوال كلها، يكون أبو الطفيل رضي الله عنه قد مات قبل أن تستكمل المائة سنة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها تكمل في سنة 111هـ، بناء على حديث جابر رضي الله عنه.

ثانيا:

وأما ما رواه الإمام مسلم (2539): عن أَبي خَالِدٍ سُلَيْمَان بْن حَيَّانَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: " لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَبُوكَ سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَأْتِي مِائَةُ سَنَةٍ وَعَلَى الْأَرْضِ ‌نَفْسٌ ‌مَنْفُوسَةٌ الْيَوْمَ.

فالظاهر من طريقة سياق الإمام مسلم لهذا اللفظ، أنه ساقه لبيان أنّ راوِيَه، داودَ بن أبي هند؛ قد خالف غيره في روايته هذه؛ لأنه ساق الخبر وسط طرق حديث جابر السابق.

فساق بداية تحت رقم (218 - 2538) حديث جابر من طريق: ابْن جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِشَهْرٍ: الحديث.

ثم ساق بعده حديث جابر من طريق: مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ: الحديث.

ثم بيّن أن داود ابن أبي هند خالف سليمان في إسناده، وبعض متنه، فروى الخبر عن أبي نضرة لكن جعله من حديث أبي سعيد، وجعل تاريخ الخبر بعد تبوك.

حيث ساق تحت رقم (219 — 2539) من طريق: أَبي خَالِدٍ سُلَيْمَان بْن حَيَّانَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَبُوكَ سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: الحديث.

ثم عاد بعده إلى استكمال طرق حديث جابر، حيث ساق تحت رقم (220 - 2538) حديث جابر من طريق: حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم: الحديث.

وقد نص ابنُ أبي خيثمة على أن داود قد خالف في روايته هذه، حيث قال رحمه الله تعالى:

" حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيل بنُ عَلِيّةَ، قَالَ: التَّيْمِيّ -يَعْنِي: سُلَيْمَان، عَنْ أَبِي نَضْرَة، عَنْ جَابِر بْنِ عَبْد اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَة الْيَوْم - قَالَ فَلا أَدْرِي قَالَ: مِنْكُمْ، أَوْ قَالَ: لا يَأْتِي عَلَيْهِا مِائَةُ سَنَةٍ وهِيَ حَيَّة ).

كذلك قال التّيميّ: عن أبي نضرة، عن جابر.

وخالفه داود ابن أبي هند.

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حُمَيْد الْقُرَشِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِد الأَحْمَر، عَنْ دَاوُد - يَعْنِي: ابْنُ أَبِي هِنْد -، عَنْ أَبِي نَضْرَة، عَنْ أَبِي سَعِيد، قَالَ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ‌مِنْ ‌تَبُوك ‌سَأَلُوهُ، عَنِ السَّاعَة فَقَالَ: ( لا يَأْتِي عَلَى أَحَدِكُمْ مِائَةُ سَنَةٍ وَلا عَلَى ظَهْرِ الأَرْض مِنْكُمْ نَفْسٌ مَنْفُوسَة الْيَوْم ) " انتهى. "التاريخ الكبير" (2 / 619).

ثم الراوي عن داود بن أبي هند، وهو أبو خالد الأحمر، سليمان بن حيّان الذي جاء في روايته أن هذه الخبر بعد تبوك: هو صدوق، لكن ليس بحجة؛ يعني: فيما انفرد به.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

" سليمان ‌بن ‌حيان أبو خالد الأحمر: ثقة مشهور، وقد ذكره ابن عدي في "كامله"، وقال هو وابن معين قبله: صدوق ليس حجة " انتهى. "المغني" (1 / 278).

وقال رحمه الله تعالى:

" سليمان ‌بن ‌حيان أبو خالد الكوفي الأحمر: صدوق إمام ... قال بن معين: ليس بحجة " انتهى. "الكاشف" (1 / 458).

ولخّص حاله الحافظ ابن حجر بقوله رحمه الله تعالى:

" سليمان ‌ابن ‌حيان الأزدي أبو خالد الأحمر الكوفي: صدوق يخطىء" انتهى. "تقريب التهذيب" (ص250).

وقد خالفه علي بن مسهر، فروى هذا الخبر عن داود بن أبي هند، فلم يذكر فيه تبوك.

روى أبو عوانة في "المستخرج" ( 19 / 255)، وابن الأعرابي "المعجم" (3 / 1030): حَدَّثَنَا ‌عَلِيُّ ‌بْنُ ‌سَهْلٍ ‌الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا ‌خَالِدُ ‌بْنُ ‌يَزِيدَ ‌المَزْرَفي الْقَرَنِيُّ، ‌حَدَّثَنَا ‌عَلِيُّ ‌بْنُ ‌مُسْهِرٍ، عَنْ دَاوُد ابْن أَبِي هِنْد، عَنْ أَبِي نَضْرَة، عَنْ أَبِي سَعِيد،، قَالَ:‌ سَأَلَ ‌رَجُلٌ ‌النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: ‌مَتَى ‌السَّاعَةُ؟ قَالَ: ( لَا ‌تَأْتِي ‌عَلَى ‌النَّاسِ ‌مِائَةُ ‌سَنَةٍ، ‌وَنَفْسٌ ‌مَنْفُوسَةٌ ‌الْيَوْمَ ‌حَيَّةٌ ).

وعلي بن مسهر ثقة.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

" علي ‌بن ‌مسهر أبو الحسن الكوفي الحافظ …: وكان فقيها محدثا ثقة " انتهى. "الكاشف" (2 / 47).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" علي ‌بن ‌مُسْهِر القرشي الكوفي قاضي الموصل: ثقة، له غرائب بعد أن أضرّ " انتهى. "تقريب التهذيب" (ص405).

وفضّله ابن معين على أبي خالد الأحمر.

قال الدارمي رحمه الله تعالى:

" وسألته [أي ابن معين] عن أبي خالد الأحمر؟ فقال: ليس به بأس.

قلت: وأبو خالد أحب إليك أو ‌عليّ ‌بن ‌مسهر؟ فقال: ‌عليّ ‌بن ‌مسهر أحب إليّ " انتهى. "تاريخ ابن معين - رواية الدارمي" (ص 156).

والراوي عنه خالد ابن أبي يزيد المزرفي: صدوق.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" خالد ابن أبي يزيد المزرفي القرني، ويقال ابن يزيد: صدوق " انتهى. "تقريب التهذيب" (ص192).

وعلي بن سهل ثقة.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" ‌علي ‌بن ‌سهل بن المغيرة البزاز البغدادي نسائي الأصل ...: وهو ثقة " انتهى. "تقريب التهذيب" (ص402).

وقد تابع أبا خالد الأحمر في لفظة "تبوك": يحيى بْنُ زكريّا بن أبي زائدة.

روى الطبراني في "المعجم الصغير" (1/ 63)، وفي "المعجم الأوسط" (2 / 353)، قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَمُّوَيْهِ أَبُو سَيَّارٍ التُّسْتَرِيُّ الْبَزَّازُ، حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: لَمَّا رَجَعْنَا مِنْ تَبُوكَ سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَقَالَ: الحديث.

ثم قال الطبراني: " لَمْ يَرْوِهِ عَنْ دَاوُدَ إِلَّا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ " انتهى.

ولعله يعني: بهذا الإسناد عن دَاوُد بْن أَبِي هِنْدَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ.

فقد خالف بهذا علي بن مسهر وأبا خالد، اللذين روياه عن دَاوُد بْن أَبِي هِنْدَ، عَنْ أَبِي نَضْرَة.

لكن الإسناد إلى يحيى بن زكريّا: ضعيف؛ فأحمد بن حمويه، وعبدان بن محمد، مجهولا الحال.

والحاصل: أن خبر لفظة "تبوك" في هذا الحديث في ثبوتها نظر؛ لما فيها من الاضطراب.

ثالثًا:

على القول بأن جملة: ( لَمَّا رَجَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ‌مِنْ ‌تَبُوك ) محفوظة صحيحة، فقد حاول العلماء الجمع بينها وبين حديث جابر وعبد الله بن عمر السابقين بأمرين.

قال الشيخ محمد بن علي بن آدم الأثيوبي رحمه الله تعالى:

" قال: ( لَمّا رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَبُوكَ ) قيل: هذا لا يلزم منه أن يكون هذا الكلام بعد مرجعه من تبوك فورا، بل يجوز أن يكون تأخّر بعد مرجعه من تبوك بزمان، فلا يتعارض مع حديث جابر رضي الله عنه المارّ الذي أخبر فيه أنه صلى الله عليه وسلم تكلّم بهذا الكلام قبل وفاته بشهر، ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك مرّتين.

قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى بُعد التأويل الأول، فالأحسن هو الاحتمال الثاني، والله تعالى أعلم " انتهى. "البحر المحيط الثجاج" (40 / 139).

واستبعاد الشيخ للاحتمال الأول لعله هو الصواب؛ لأن ما بين تبوك ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم ما يقارب السنتين، ووقع بعد تبوك حدث هام يمكن أن يؤرخ به، وهو حجة الوداع.

فعلى استبعاد هذا المحمل، يبقى السؤال، وهو أن أبا الطفيل كان حيا وقت تبوك، وكانت في شهر رجب سنة تسع.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" فإنّ غزوة ‌تبوك كانت في شهر رجب من سنة تسع، قبل حجّة الوداع، بلا خلاف " انتهى. "فتح الباري" (8 / 111).

وسبق أن الصحيح أن أبا الطفيل توفي سنة 110 من الهجرة.

فيكون بهذا قد عاش عدة أشهر، وربما أكثر من سنة، بعد المائة التي حددها النبي صلى الله عليه وسلم سنة تبوك.

فيجاب عن هذا الإشكال:

بأن الظاهر المتبادر من هذا الخبر هو أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد به التذكير بقصر الأعمار، وكان صلى الله عليه وسلم يتكلم بما اعتادته العرب في كلامها، ومن عادتها أنها تسقط الكسور وتلغيها إذا كانت يسيرة.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

"... حذف الكسور القليلة، لا على سبيل التحرير، ومثل ذلك موجود في كثير من كلام العرب " انتهى. "تاريخ الإسلام" (1 / 825).

وقال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" العرب كثيرا ما ‌يحذفون ‌الكسور في كلامهم " انتهى. "تفسير ابن كثير" (1 / 21).

فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مائة سنة، والمراد: مائة، وما يقاربها، ويزيد عليها قليلا، مما لا يلتفت إليه عادة في الحساب لقلته، فالأشهر القليلة لا قيمة لها أمام المائة سنة.

كما يحتمل جدا أن هذا الخبر كان بعد تبوك بأشهر يسيرة، وذلك بأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد قاله في صدر سنة 10 من الهجرة مثلا في شهر محرم أو صفر، ويكون أبو الطفيل قد توفي أيضا في صدر سنة 110 هـ، فيكون بهذا مات على رأس المائة سنة، قبل أن يتجاوز هذه المائة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم.

الخلاصة:

الصحيح الثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال هذا الخبر في آخر حياته قبل وفاته بشهر.

وأما ما ورد أنه قاله صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من غزوة تبوك وكانت في رجب من سنة تسع من الهجرة، فهذه الرواية فيها اختلاف في سندها ومتنها، لا يمكن أن يعارض بها الصحيح الثابت.

وعلى القول بأن جملة: ( لَمّا رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَبُوكَ ) صحيحة محفوظة في الحديث، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم قد قالها مرتين، مرة قبل وفاته بشهر.

ومرة قبل ذلك بعد تبوك، ولعله قصد فيها بالمائة سنة؛ المائة وما يقاربها ويزيد عليها قليلا، على عادة العرب في كلامها حيث كثيرا ما يحذفون الكسور ويلغونها إذا كانت يسيرة.

ويحتمل جدا أن هذا الخبر كان بعد تبوك بأشهر يسيرة، وذلك بأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد قاله في صدر سنة 10 من الهجرة، ويكون أبو الطفيل قد توفي في صدر سنة 110 هـ، فيكون بهذا مات قبل أن يتجاوز هذه المائة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android