أولا:
الييع إما أن يكون مساومة، أو مرابحة.
فالمساومة: لا يلزم فيها الإخبار بالثمن الأول، فتقول: إني أبيع الشقة بكذا، دون أن تخبر بكم اشتريتها.
وأما المرابحة: فمن بيوع الأمانات، فيؤتمن فيها الإنسان على ذكر الثمن الذي اشترى به.
وإذا أراد أن يُدخل مع ذلك مصاريف التسجيل والسمسرة والصيانة:
فإما أن يذكرها مفصلة، أو أن يقول: الشقة كلفتني كذا، أو قامت علي بكذا، ويلزمه الصدق في ذلك.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/ 136): "معنى بيع المرابحة، هو البيع برأس المال، وربح معلوم.
ويشترط علمهما برأس المال، فيقول: رأس مالي فيه، أو هو علي: بمائة بعتك بها، وربح عشرة، فهذا جائز لا خلاف في صحته، ولا نعلم فيه عند أحد كراهة" انتهى.
وفي "الموسوعة الفقهية" (9/ 9): " ثانيا - تقسيم البيع باعتبار طريقة تحديد الثمن:
ينقسم البيع باعتبار طريقة تحديد الثمن إلى أربعة أنواع هي:
بيع المساومة:
* وهو البيع الذي لا يُظهر فيه البائعُ رأسَ ماله.
بيع المزايدة:
* بأن يعرض البائع سلعته في السوق، ويتزايد المشترون فيها، فتباع لمن يدفع الثمن الأكثر.
بيوع الأمانة:
* وهي التي يُحدد فيها الثمن بمثل رأس المال، أو أزيد، أو أنقص. وسميت بيوع الأمانة؛ لأنه يؤتمن فيها البائع في إخباره برأس المال.
وهي ثلاثة أنواع:
أ - بيع المرابحة، وهو البيع الذي يحدد فيه الثمن بزيادة على رأس المال. وتفصيله في مصطلح (مرابحة).
ب - بيع التولية، وهو البيع الذي يحدَّدُ فيه رأسُ المال نفسُه، ثمنًا، بلا ربح ولا خسارة.
انظر مصطلح (تولية)
ج - بيع الوضيعة، أو الحطيطة، أو النقيصة: وهو بيع يحدد فيه الثمن بنقص عن رأس المال، أي بخسارة، وتفصيله في (وضيعة)" انتهى.
ويلزم في المرابحة الإخبار بأشياء كثيرة، كما لو كان قد اشترى السعلة بثمن آجل، أو اشتراها من قريب له، فربما حاباه في الثمن فزاد الثمن لأجل ذلك، إلى غيره مما يجب الإخبار به.
ولهذا استحب أحمدُ المساومة؛ لسلامتها من ذلك.
قال في "المغني" (4/ 141): "قال أحمد: والمساومة عندي أسهل من بيع المرابحة.
وذلك لأن بيع المرابحة تعتريه أمانة، واسترسال من المشتري، ويحتاج فيه إلى تبيين الحال على وجهه، في المواضع التي ذكرناها، ولا يؤمَن هوى النفس في نوع تأويل أو غلط، فيكون على خطر وغرر، وتجنب ذلك أسلم وأولى" انتهى.
ثانيا:
إذا تم البيع مرابحةً، ثم حصل البائع على خصم من الثمن، فهل يلزمه إخبار المشتري، ويخصم هذا القدر، وما يقابله من الربح، أم لا يلزمه؟ في ذلك خلاف.
وأما في المساومة، فلو حصل البائع على خصم من الثمن، أو أعفاه مَن باعه من جميع الثمن، لم يلزمه إخبار المشتري بذلك.
واختلفوا في المرابحة على أقوال:
1-أنه يلزمه أن يخبر بالتخفيض، وأن ينقصه عن المشتري، سواء، حصل على التخفيض في مدة الخيار مع المشتري، أم بعد لزوم العقد.
وهذا مذهب الحنفية، فكل تخفيض يلحق بأصل العقد.
قال الكاساني رحمه الله: "وكذا لو حطّ البائعُ الأول عن المشتري بعض الثمن، فإنه يبيعه مرابحة على الثاني بعد الحط؛ لأن الحط أيضا يلتحق بأصل العقد، فكان الباقي بعد الحط رأسَ المال، وهو الثمن الأول، فيبيعه مرابحة عليه.
ولو حط البائع الأولُ عن المشتري بعد ما باعه المشتري، حطَّ المشتري الأولُ ذلك القدرَ عن المشتري الثاني، مع حصته من الربح؛ لما ذكرنا أن الحط يلتحق بأصل العقد، فيصير رأسُ المال، وهو الثمن الأول: ما وراء قدر المحطوط، فيحط المشتري الأول، عن المشتري الثاني: ذلك القدر، ويحط حصتَه من الربح أيضا؛ لأن قدر الربح ينقسم على جميع الثمن، فإذا حط شيئاً من ذلك الثمن، لا بد من حط حصته من الربح.
بخلاف ما إذا باع مساومةً، ثم حط عن المشتري الأول شيئاً من الثمن؛ أنه لا يحط ذلك عن المشتري الثاني؛ لأن الثمن الأول أصل في بيع المرابحة، ولا عبرة به في بيع المساومة...
وهذا الذي ذكرنا على أصل أصحابنا الثلاثة؛ لأن الزيادة على الثمن تلتحق بأصل العقد، وكذا الحط عنه، ويصير كأن العقد في الابتداء وقع على هذا القدر.
فأما على أصل زفر والشافعي: فالزيادة والحط كل واحد منهما لا يصح زيادة في الثمن وحطاً عنه، وإنما يصح هبةً مبتدأة" انتهى من "بدائع الصنائع" (5/ 222).
2-أنه يلزمه إذا حصل التخفيض في مدة خيار المجلس، أو خيار الشرط، وأما إذا حصل التخفيض بعد لزوم العقد وانتهاء الخيارين، فلا يلزمه أن يخفض عن المشتري، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة.
فاعتبروا التخفيض بعد لزوم العقد هبة من البائع الأول، لا تلحق بأصل العقد.
3-إذا حصل التخفيض بعد لزوم العقد، ولم يخفض البائع للمشتري الثاني، كان المشتري بالخيار بين إمضاء البيع أو الفسخ، وهذا مذهب مالك.
وينظر: "المبسوط" (13/154)، "المدونة" (3/247)، "أسنى المطالب" (2/93)، "شرح منتهى الإرادات" (2/53)، "معيار المرابحة"، د. محمد بن محمود الخضير، ص285-293
وأخذت هيئة المعايير الشرعية بمذهب الحنفية، وجاء في "المعايير" ص114: " إذا حصلت المؤسسة على حسم من البائع، على السلعة المبيعة نفسها، ولو بعد العقد: فإن العميل يستفيد من ذلك الحسم، بتخفيض الثمن الإجمالي بنسبة الحسم" انتهى.
وجاء فيها ص126: "مستند استفادة المشتري من الحسم الذي تحصل عليه المؤسسة: هو أن المرابحة زيادة على الثمن الأصلي، فإذا خفض الثمن الأصلي السابق، كان ما بعد التخفيض، هو الثمن الذي تقع به المرابحة" انتهى.
ثالثا:
بناء على ما تقدم: لو حصل تخفيض في مبلغ الصيانة، ورجع لك مبلغ من ذلك، فهل يخصم من الثمن الذي بعت به للمشتري، أم لا يخصم، في ذلك تفصيل:
1-فإن كنت بعت الشقة مساومة، لم يلزمك إعطاء المال للمشتري، إلا إن كنت ذكرت له مبلغ الصيانة، فراعى ذلك في الثمن، فيلزمك إعطاء هذا الخصم له؛ لأنه دفعه وأضافه للثمن بناء على قولك.
2-وإن كنت بعت الشقة مرابحة، وعلمت بالخصم قبل البيع، وأن نسبة الصيانة خفضت من ٥٪ إلى ٢٪، فكان عليك أن تخبر المشتري بذلك؛ لأن تخفيض النسبة يعني أنه سيُرد لك جزءٌ مما دفعت.
3-على فرض أنك بعت مرابحة، ولم تعلم أنه سيُرد لك جزء من المال، ورُد لك بعد لزوم البيع مع المشتري؛ فيظهر لنا: أن تعطي هذا المال له؛ عملا بمذهب الحنفية، وما اختارته هيئة المعايير الشرعية، لا سيما إذا كنت لم تخبره بالثمن إجمالا، وإنما أخبرته أن الشقة بكذا، وأنك دفعت فوق ذلك وديعة صيانة قدرها كذا، وربحك كذا، فإذا رجع إليك شيء من مبلغ الصيانة، كان هو أحقَّ به؛ لأنه تحمل ما يقابله في الثمن.
والله أعلم