أولاً:
الأصل بقاء المعتدة من وفاة في بيتها الذي توفي زوجها عنها فيه، ولا تخرج إلا للحاجة في النهار.
فعن الفُريعة بنتِ مالك -وهي أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما - لما قُتل زوجها، فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن ترجع إلى أهلها؛ لأن زوجها لم يترك لها منزلاً يملكه ولا نفقة، فلم يقبل صلى الله عليه وسلم عذرها، وقال: امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ. قَالَتْ: فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا رواه أبو داود (2300).
وفي رواية ابن ماجه: امكثي في بيتك الذي جاء فيه نعي زوجك، حتى يبلغ الكتاب أجله. قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا (2031) وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه".
قال ابن قدامة رحمه الله: "يجب الاعتداد في المنزل الذي مات زوجها وهي ساكنة به، سواء كان مملوكا لزوجها، أو بإجارة، أو عارية؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للفريعة: "امكثي في بيتك". ولم تكن في بيت يملكه زوجها، وفى بعض ألفاظه: "اعتدى في البيت الذي أتاك فيه نعى زوجك". وفى لفظ: "اعتدي حيث أتاك الخبر". فإن أتاها الخبر في غير مسكنها، رجعت إلى مسكنها فاعتدت فيه" انتهى من "المغني" (11/ 291).
ثانياً:
يجوز للمعتدة من وفاة: الخروج من بيتها نهارًا للحاجة، ومن الحاجة أن تخرج للمؤانسة والترويح، إن لحقها ضيق في وحدتها، وخاصة إذا حصل عندها مضاعفات نفسية من الوفاة، وقرر الأطباء المدركون للأحكام الشرعية حاجتها لمثل هذا الخروج، وليس لمجرد إزالة الحزن، فهذا يلحق كل المعتدات غالباً، وقد جاء الخطاب الشرعي بمنعهن من الخروج في تلك الحال.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"وليس لها -المعتدة-الخروج من منزلها ليلًا، ولها الخروج نهارًا لحوائجها، لما روى مجاهد قال: استشهد رجال يوم أحد، فجاء نساؤهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقلن: يا رسول الله إنا نستوحش بالليل، أفنبيت عند إحدانا حتى إذا أصبحنا، بادرنا إلى بيوتنا؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تحدثن عند إحداكن ما بدا لكن، فإن أردتن النوم، فلتؤب كل امرأة إلى بيتها. ولأن الليل مظنة الفساد، فلم يجُز لها الخروجُ لغير ضرورة" انتهى من "الكافي في فقه الإمام أحمد" (3/ 208).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
قوله: ولها الخروج لحاجتها نهارا لا ليلا: الانتقال من المنزل لا يجوز.
لكن الخروج، مع البقاء في المنزل: هل يجوز أو لا؟
نقول: هذا لا يخلو من ثلاث حالات:
الحال الأولى: إذا كان لغير ضرورة ولا حاجة، فإنه لا يجوز، مثل لو قالت: أريد أن أخرج للنزهة، أو للعمرة، فإنه لا يجوز؛ لأنه ليس لحاجة ولا لضرورة.
الحال الثانية: أن يكون الخروج من البيت للضرورة: فهذا جائز ليلا ونهارا، مثلا حصل مطر، وخشيت على نفسها أن يسقط البيت، فإنها تخرج للضرورة، لكن إذا وقف المطر وصلح البيت ترجع، ومثل ذلك لو شبت نار في البيت.
الحال الثالثة: أن يكون لحاجة، مثل لو ذهبت تشتري مثلا عصيرا، ومنها أن تكون مدرسة فتخرج للتدريس في النهار، ومنها أن تكون دارسة فتخرج للدراسة في النهار لا في الليل.
ومنها أنها إذا ضاق صدرها فإنها تخرج إلى جارتها في البيت لتستأنس بها في النهار فقط؛ لأن أزمة ضيق الصدر قد تتطور إلى مرض نفسي، ومنها أن تخرج لتزور أباها المريض" انتهى باختصار من "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (13/ 412).
وعليه؛ فإن كان خروجها إلى الشاليه البحري برأي الطبيب، لدفع ما يخشونه عليها من أزمات نفسية، ولم يكن لمجرد الترفه: فلا بأس به إن كان ذلك نهاراً، ثم تعود للمبيت ليلا في دارها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"فإن كانت -المعتدة من وفاة- خرجت لأمر تحتاج إليه، ولم تبِت إلا في منزلها، فلا شيء عليها.
وإن كانت قد خرجت لغير حاجة، وباتت في غير منزلها لغير حاجة، أو باتت في غير ضرورة، أو تركت الإحداد: فلتستغفر الله وتتوب إليه من ذلك؛ ولا إعادة عليها" انتهى من "مجموع الفتاوى" (34/ 28).
ثالثاً:
وأما كونها عجوزاً وعندها زهايمر غير متقدم: فلا يؤثر في الحكم، فالعدة واجبة على الصغيرة والكبيرة؛ بل ولو كانت مجنونة أيضا؛ لحق الزوج.
قال النووي، رحمه الله:
"الذمية، والصبية، والمجنونة، والرقيقة: كغيرهن في الإحداد.
وولي الصبية والمجنونة، يمنعهما مما تمتنع منه الكبيرة العاقلة" انتهى، من "روضة الطالبين وعمدة المفتين" (8/ 405).
وقال شمس الدين ابن قدامة رحمه الله:
"ويستوي في وجوبه: الحرة والأمة والمسلمة والذمية والكبيرة والصغيرة ...، لعموم الأحاديث التي نذكرها إن شاء الله، ولأنّ غير المكلفة تساوي المكلفة في اجتناب المحرمات كالخمر والزنا، وإنما يفترقان في الإثم فكذلك الإحداد" انتهى من "الشرح الكبير" (9/ 146).
والله أعلم.