هل يجوز اشتراط محل الذهب على البائع لذهبه أن يشتري من عنده؟

السؤال: 586264

يوجد عندي ذهب، وأريد أن أستبدله أو أبيعه، فعرض علي بائعٌ للمجوهرات عرضين:
1) إن أردت البيع فقط يشتري ذهبي بسعر معين، مثلا 500 دينار للغرام الواحد، دون التزامات.
2) إن أردت إستبدال الذهب يشتري ذهبي بسعر أكبر، مثلا 600 دينار للغرام الواحد، لكن يلزمني أن أستبدل ذهبي عنده ، يعني بالمال الذي أخذته منه يجب أن أشتري من عنده ذهب، وسعر الذهب عنده 700 دينار للغرام الواحد، فما حكم المعاملة الثانية؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولاً:

مسألة جواز بيع الذهب القديم وشراء ذهب جديد من نفس البائع لها صورتان:

الأولى: أن يكون ذلك بدون اشتراط أو تواطؤ.

الثانية: أن يكون باشتراط أو تواطؤ.

أما الصورة الأولى (أن يكون ذلك بدون اشتراط أو تواطؤ) فظاهر الأدلة، وهو مذهب الحنفية والشافعية: أنه يجوز ولا إشكال فيه.

واستدل المجيزون بحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم استعمل رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا). قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَفْعَلْ، ‌بِعِ ‌الْجَمْعَ بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبا) رواه البخاري (2089) ومسلم (1593).
والجَنيب: نوع من التّمر، هو أجود تُمورهم ، والجَمْع: نوعٌ منها رديء، ويقال: بل هو أخلاط من التّمور رديئة. "أعلام الحديث" (2/ 1083).

فلما حصلت المخالفة عند بعض الصحابة في هذا التعامل -حيث ابتاع تمرا جيدا بكمية أكثر من التمر الرديء- صحح له النبي صلى الله عليه وسلم هذه المعاملة بأن يبيع الرديء بالنقد ثم يشتري بالنقد التمر الجيد، ولم ينبه بأن يكون من شخصين مختلفين.

قال الخطابي رحمه الله:

أَمَرَه صلى الله عليه وسلم أن يبيع الجَمْع بالدراهم ، ويشتري الجَنيب بها، لتكون صفقتين، فلا يدخله الرّبا: بزيادة أحدهما، ونُقصان الآخر "أعلام الحديث (شرح صحيح البخاري)" (2/ 1083):

وقال العيني رحمه الله:

«وقد احتج بحديث الباب من أجاز بيع الطعام من رجل نقدا، ويبتاع منه طعاما، قبل الافتراق وبعده، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يخص فيه بائع الطعام ولا مبتاعه من غيره.

وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأبي ثور، ولا يجوز هذا عند مالك" انتهى من "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (12/ 10).

ومنعه المالكية سداً للذريعة.

قال المازري المالكي رحمه الله:

«وقد يتعلق بعموم هذا من لا يحمي الذريعة ويقول: قد أجازَ ها هُنَا أن يبيع الجَمْع بالدراهم، ثم يشتري بها جنيبًا، ولم يُفْرَقْ بين أن يشتريه ممّن باع الجَمع منه، أو غيرِه. ولم يتهم على كون الدراهم لغوًا.

ومن يحمي الذريعة يَخصه بأدلّة أُخر» انتهى من ط المعلم بفوائد مسلم" (2/ 307).

وقال الزرقاني:

"ومنعه المالكية، وأجابوا بأن الحديث مطلق، لا يشمل ما ذُكر، فإذا عُمل به في صورة، سقط الاحتجاج به فيما عداها بإجماع الأصوليين، وبأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقل وابتع ممن اشترى الجمع، بل خرج الكلام غير متعرض لعين البائع من هو فلا يدل على المدعي» انتهى من "شرح الزرقاني على الموطأ" (3/ 404).

وقال الدماميني رحمه الله:

«‌بع ‌الجمعَ ‌بالدراهم، ثم ابتع  بالدراهم جنيباً): احتج به الشافعية على جواز أن يبيع الطعام من رجل بالنقد، ويبتاع منه بذلك النقد طعاماً قبل الافتراق.

والمالكية يمنعون ذلك، ويردون هذا الاحتجاج بأنه -عليه الصلاة والسلام- لم يقل: وابتعْ ممن اشترى الجمعَ، بل خرج الكلام غيرَ متعرضٍ لعين البائع مَنْ هو، فلا يدل" "مصابيح الجامع" (5/ 89).

وأما الصورة الثانية (أن يكون ذلك باشتراط أو تواطؤ): فهذا ممنوع، ولا يجوز عند جمهور أهل العلم، حتى المجيزين للصورة الأولى؛ لما فيه من ذريعة التحايل على بيع جنس ربوي بجنسه، مع زيادة.

قال ابن قدامة رحمه الله:

«وإذا باع ‌مُدَّي ‌تمر ‌رديء ‌بدرهم، ثم اشترى بالدرهم تمرا جنيبا، أو اشترى من رجل دينارا صحيحا بدراهم، وتقابضاها، ثم اشترى منه بالدراهم قراضة، من غير مواطأة، ولا حيلة= فلا بأس به...، لما روى أبو سعيد، قال: جاء بلال إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بتمر برني، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أين هذا؟ ". قال بلال: كان عندنا تمر رديء، فبعت صاعين بصاع؛ ليطعم النبي -صلى الله عليه وسلم-. فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أوه، عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشترى، فبع التمر ببيع آخر، ثم اشتر به". وروى أيضا أبو سعيد، وأبو هريرة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استعمل رجلا على خيبر، فجاءه بتمر جنيب، فقال: "أكل تمر خيبر هكذا؟". قال: لا والله. إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تفعل، بع التمر بالدراهم، ثم اشتر بالدراهم جنيبا". متفق عليهما. ولم يأمره أن يبيعه من غير من يشترى منه، ولو كان ذلك محرما لبينه له، وعرفه إياه. ولأنه باع الجنس بغيره من غير شرط، ولا مواطأة، فجاز، كما لو باعه من غيره. ولأن ما جاز من البياعات مرة، جاز على الإطلاق، كسائر البياعات.

فأما إن تواطآ على ذلك: لم يجز، وكان حيلة محرمة، وبه قال مالك.

وقال أبو حنيفة، والشافعي: يجوز، ما لم يكن مشروطا في العقد.

ولنا: أنه إذا كان عن مواطأة، كان حيلة، والحيل محرمة، على ما سنذكره» انتهى من "المغني" لابن قدامة (6/ 114).

ثانياً:

ما جاء عن بعض أهل العلم أنّ بائع الذهب القديم لا يشتري من نفس البائع، فهذا على سبيل الندب والورع والاحتياط، لا على سبيل الوجوب.

قال ابن قدامة مبينا موقف الإمام أحمد من المسألة، موضحا لمراده:

"وقال أحمد، في رواية الأثرم: يبيعها من غيره أحب إلى.

قلت له: فإن لم يعلمه أنه يريد أن يبيعها منه؟

فقال: يبيعها من غيره، فهو أطيب لنفسه، وأحرى أن يستوفى الذهب منه؛ فإنه إذا ردها إليه لعله أن لا يوفيه الذهب، ولا يحكم الوزن، ولا يستقصى، يقول: هي ترجع إليه.

قيل لأبى عبد الله: فذهب ليشتري الدراهم، بالذهب الذي أخذه منه، من غيره، فلم يجدها، فرجع إليه؟

فقال: إذا كان لا يبالي، أشترى منه أو من غيره، فنعم.

فظاهر أن هذا على وجه الاستحباب، لا الإيجاب.

ولعل أحمد إنما أراد اجتناب المواطأة على هذا، ولهذا قال: إذا كان لا يبالي أشترى منه أو من غيره، فنعم".

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

"والطريق السليم في هذا: أن يباع الذهب الكسر بثمن، من غير مواطأة ولا اتفاق، وبعد أن يقبض صاحبه الثمن، فإنه يشتري الشيء الجديد، والأفضل أن يبحث عن الشيء الجديد في مكان آخر، فإذا لم يجده، رجع إلى من باعه عليه، واشترى بالدراهم. وإذا زادها فلا حرج.

المهم ألا تقع المبادلة بين ذهب وذهب، مع دفع الفرق، ولو كان ذلك من أجل الصناعة" انتهى من "فتاوى إسلامية" (2/353).

والله أعلم

 ............

ويتوجه القول بالجواز مع الاشتراط إذا اختلف الثمنان.
وبه يوحي كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، حيث ضرب المثل بصورة الثمن فيه واحد. وجعل ذلك مؤثراً

قال رحمه الله:

" الثانية: أن يكون حيلة على الربا، بأن يشترط بيعا آخر يكون حيلة على الربا، فإنه لا يصح..

مثاله: أن يكون عند شخص مائة صاع بر جيد، وعند الثاني مائتا صاع بر رديء، فيأتي صاحب البر الرديء ويقول لصاحب البر الجيد: بعني المائة صاع البر الجيد بمائتي درهم، قال: لا بأس بشرط أن تبيع عليّ مائتي الصاع الرديئة بمائتي درهم، فهذا لا يجوز لأنه حيلة على أن يبيع مائة صاع بر جيد بمائتي صاع رديئة من البر، وهذا حرام، لأنه ربا، لأن البر بالبر لا بد أن يكون سواء. وما رجحناه هو الذي ينطبق على القواعد الشرعية، » انتهى

وظاهر كلام الشيخ رحمه الله في منع اشتراط أن يبيع مائة صاع بر جيد بمائتي درهم على أن يبيعه مائتي الصاع الرديئة بمائتي درهم، وذلك أن الثمن هو نفسه فالحيلة واضحة.
أما لو كان الثمن مختلف فالظاهر أن الاشتراط لا يؤثر لان كلا منهما عقد مستقل.
والأحوط تجنبه.

والله أعلم

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android