هل ذكر نقائص المعبودات الباطلة يفيد ثبوت نقيضها لله؟

السؤال: 585602

قال تعالى: (أَلَهُمْ أَرْجُلٌۭ يَمْشُونَ بِهَآ ۖ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍۢ يَبْطِشُونَ بِهَآ ۖ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌۭ يُبْصِرُونَ بِهَآ ۖ أَمْ لَهُمْ ءَاذَانٌۭ يَسْمَعُونَ بِهَا ۗ قُلِ ٱدْعُوا۟ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ)، هل هذا يعني: الأرجل، الأيدي، الأعين، والآذان، أم المَشي، الإمساك، الرُّؤيَة، والسَّمع، هي صفات الله تعالى؟ وهل الأسئلة تصفُ صفات الله تعالى؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولًا:

يقول الله تعالى في سورة الأعراف:

إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ* أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ.

فأما الآية الأولى: ففيها تحدي المشركين بأن من يدعونهم ويطلبون منهم النفعَ من دون الله، لن يستجيبوا لهم قطُّ، فالمدعوون من دون الله متصفون (بالعجز) عن الاستجابة لدعاء المشركين، إذ هم عبيدٌ مخلوقون مملوكون لله أيضًا، مثل الداعين المشركين سواء.

وأما الآية الثانية: ففيها (تأكيد عجز) هذه المعبودات من دون الله، بأسئلة استنكارية، يبيَّن الله تعالى بها أن الأرجُلَ والأيديَ والأعينَ والآذانَ التي صنعها المشركون للأصنام، ما هي إلا صورٌ خالية عن الأوصاف والمعاني، فإن الأصنام لا تمشي بأرجلها، ولا تبطش بأيديها، ولا تبصر بأعينها، ولا تسمع بآذانها.

بل المشركون أقوى وأكمل من هذه الأصنام، فلا وجه إذًا لعبادتهم إياها، ولهذا المعنى نظائر في القرآن، بيَّن الله تعالى به عجز الأصنام عن جلب أي نفعٍ، أو دفع أي ضرٍّ، قد ذكر ابن كثير طرفا منها ضمن تفسيره لآيتي الأعراف (3/ 521).

وقال الشيخ السعدي رحمه الله في "تفسيره" (ص 312):

"وهذا من نوع التحدي للمشركين العابدين للأوثان، يقول تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ أي: لا فرق بينكم وبينهم، فكلكم عبيد للّه مملوكون، فإن كنتم كما تزعمون صادقين في أنها تستحق من العبادة شيئا؛ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ، فإن استجابوا لكم وحصلوا مطلوبكم، وإلا تبين أنكم كاذبون في هذه الدعوى، مفترون على اللّه أعظم الفرية، وهذا لا يحتاج إلى التبيين فيه، فإنكم إذا نظرتم إليها وجدتم صورتها دالة على أنه ليس لديها من النفع شيء، فليس لها أرجل تمشي بها، ولا أيد تبطش بها، ولا أعين تبصر بها، ولا آذان تسمع بها، فهي عادمة لجميع الآلات والقوى الموجودة في الإنسان. فإذا كانت لا تجيبكم إذا دعوتموها، وهي عباد أمثالكم، بل أنتم أكمل منها وأقوى على كثير من الأشياء، فلأي شيء عبدتموها"، انتهى.

وقال ابن القيم رحمه الله:

"فبيَّن سبحانه أن هذه الأصنام أشباح وصور خالية عن صفات الإلهية، وأن المعنى المعتبر معدوم فيها، وأنها لو دُعيت لم تُجِب؛ فهي صور خالية عن أوصاف ومعان تقتضي عبادتها. وزاد هذا تقريرًا بقوله: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا. أي: جميع ما لهذه الأصنام من الأعضاء التي نحتَتْها أيديكم، إنما هي صور عاطلة عن حقائقها وصفاتها؛ لأن المعنى المراد المختصَّ بالرِّجل هو مشيُها، وهو معدوم في هذه الرِّجل. والمعنى المختص باليد هو بطشها، وهو معدوم في هذه اليد. والمراد بالعين إبصارُها، وهو معدوم في هذه العين؛ ومن الأذن سمعُها وهو معدوم فيها.

والصور في ذلك كلِّه ثابتةٌ موجودةٌ، وكلُّها فارغةٌ خاليةٌ عن الأوصاف والمعاني، فاستوى وجودها وعدمها"، انتهى من "أعلام الموقعين" (1/ 308).

فتبيَّن بذلك أن الأسئلة في الآية تُبيِّن صفات النقص في الآلهة الباطلة المتخذة من دون الله، وتدلُّ على أنها ناقصة عاجزة، فإذًا هي لا تستطيع نفعًا ولا ضرًا.

وبهذا تبطل عبادتها من دون الله.

وحول هذه المعاني تدور عامة عبارات المفسرين، وينظر "تفسير الطبري" (10/ 635) والسمعاني (2/ 241)، والبغوي (3/ 315)، وغيرها.

ثانيًا:

أهل السنة لا يثبتون لله تعالى إلا ما أثبته لنفسه، فلا بد أن يكون في الدليل إثبات الصفة لله تعالى، حتى يثبتها أهل السنة والجماعة صفةً له تعالى، وأما الآية المسئول عنها ففيها إثبات النقص والعجز للآلهة الباطلة، كما سبق بيانه.

لكن ذهب بعض أهل العلم إلى أن ذكر هذه النقائص صفاتٍ للآلهة الباطلة؛ يدلُّ على أنها غير مستحقة للعبادة، ويدل أيضًا على أنَّ المعبود الحق يجب أن يكون موصوفًا بالكمالات المناقضة لهذه النقائص.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن آية الأعراف المسئول عنها:

"للناس في هذه الآية قولان:

أحدهما: أنه وصفهم بهذه النقائص ليبين أن العابد أكمل من المعبود.

الثاني: أنه ذكر ذلك لأن المعبود يجب أن يكون موصوفا بنقيض هذه الصفات...

وإن قيل بالثاني: وجب أن يتصف الرب تعالى بما نفاه عن الأصنام.

وحينئذ: فإن كانت هذه الأمور أجساما كانت هذه الدلالة معارضة لما ذكر في تلك الآية وإن لم تكن أجساما بطل نفيهم لها عن الله تعالى؛ ووجب أن يوصف الله عز وجل بما جاء به الكتاب والسنة من الأيدي وغيرها ولا يجب أن تكون أجساما ولا يكون تجسيما"، انتهى مختصرا من "مجموع الفتاوي" (5/ 223).

هذا؛ وقد جاء في الكتاب والسنة (إثبات) صفات كمال لله تعالى هي على الضد من هذه النقائص التي في الآلهة الباطلة، فأهل السنة يثبتون هذه الصفات له تعالى لأنه تعالى أثبتها لنفسه في الكتاب، أو أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم في السنة، فيثبتها أهل السنة من غير زيادة ولا نقصان، ومن غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.

وقد بينَّا في عدة أجوبة على الموقع هذه الصفات الأربعة الثابتة لله تعالى، التي هي ضد هذه النقائص المذكورة في آية الأعراف، وهي: صفة القدمين كما بيَّناه في جواب السؤال (166843)، وصفة اليدين كما بيَّناه في جواب السؤال: (172588)، وصفة العينين في: جواب السؤال: (262132)، و(392589)، وصفة السمع في الجواب: (126406).

وأما (الأذن)، فليس في القرآن ولا السنة إثباتها لله تعالى، فوجب التوقف في إثباتها لله تعالى، والاقتصار على الوارد، وهو إثبات السمع صفة لله تعالى كما أثبت لنفسه عز وجل، وقد بيَّنَّا ذلك في جواب السؤالين: (300999)، و(392664).

قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله: أما الأُذُن فلا يجوز أن نثبتها لله ولا أن ننفيها عنه؛ لأن الصفات توقيفية، والله عز وجل لم يثبت لنفسه أذنًا ولم ينفِ عنه الأذن، وإنما أثبت لنفسه السمع، والسمع؛ ليس بشرط أن يكون من ذي أذن، فها هي الأرض تسمع وتحدث أخبارها وليس لها آذان. انتهى، من "تفسير العثيمين: آل عمران" (1/ 289).

وقال سماحة الشيخ عبد الرحمن البراك، حفظه الله: "ومن الأمثلة في هذا: (‌الأُذُن) ‌لله - تعالى - فهذه مما يجب التوقف فيها، فلا تنفى ولا تثبت، لأنه ليس عندنا ما يدل على إثباتها نصًا ولا لزومًا ولا تضمنًا" اهـ من "التعليق على القواعد المثلى" (ص96).

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android