أولاً:
قبولك بتّعدد زوجك عليك دليل على نضج عقلك وكمال في دينك، نسأل الله أن يكتبك في الصالحين الراضين المرضيين.
وما دام زوجك قد عقد على الأخرى عقد نكاح شرعي، ولو بتوكيل: فهي زوجة له؛ ترثه ويرثها؛ وله منها، ما للرجل من امرأته.
انظر: فتوى رقم: (208849).
ثانياً:
من كمال عقل الزوج وحسن تصرفه أن يتجنب إظهار محبته لإحدى زوجاته أمام الأخرى، حتى لا يُثير غيرتها أو يحرك في نفسها شيئًا من الحسد. فكلما حرص الرجل على عدم ذكر زوجاته الأخريات أمام زوجة بعينها، كان ذلك أدعى لدوام السكينة والهدوء في بيت الزوجية، وأبعد عن أسباب التوتر، والغيرة، والنزاع، والتي تكون سبباً للأمراض العضوية والنفسية .. فلا يهنأ الزوج بصحة زوجاته بسبب عدم معرفته بعواقب ما يفعل.. فإذا كان الرجل يعيش في بيئة لا تقبل التعدد، فالأولى به عند دخوله على إحدى زوجاته أن يُشعرها بأنه لها وحْدها، فيخصّها باهتمامه وحديثه، وكأن لا زوجة له غيرها، ولا يذكر الزوجة الأخرى إلا لضرورة، حرصًا على استقرار البيت وهدوء النفس.
وأما أنت، وما يعنيك من ذلك: فاطمئني ولا تكترثي؛ فهذه المرحلة التي يمر بها زوجك من شدة الارتباط بالزوجة الأخرى غالباً ما تكون مؤقتة، ومع مرور الوقت تهدأ وتصبح أقل حدة مما ترينه الآن.
وينبغي على الزوجة العاقلة ألا تُطيل وتستغرق الخصام مع زوجها؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى ما لا يُحمد عقباه، وربما ظلمت زوجها وزوجته الأخرى، فتضرّ دينها ودنياها.
كما لا ينبغي أن تنشغل بكلام بعض النساء من حولها، فغالبًا ما يكون عاطفيًا ويعكس خوفهن من التعدد، ولو نظرنا إلى بعض البيئات التي اعتدن النساء فيها التعدد، لوجدنا أن المشاكل فيها أقل بكثير جداً، بسبب تقبلهن لهذا الأمر ورضاهن بما قسمه الله لهن.
ثالثاً:
لا يجب على الزوج القسم والعدل في الليالي، ما دام أنه لم يدخل بها، لكن يجوز له أن يتواصل معها بحيث لا يزيد وقت الانشغال بها عن حقك، وعن وجوده معك في البيت؛ لأنه إذا دخل عليها وجب العدل بينكما في القسم، فمن باب أولى إذا لم يدخل عليها ألا يزيد وقتها عن وقت الزوجة الأخرى، وألا يُشغَل عن أداء حقك.
فلا يجب القسم لغير المدخول بها : (وهو المبيت، فيبيت عند هذه ليلة، وعند الأخرى ليلة)
قال في "الفواكه الدواني" (2/ 22) : " ويشترط في الزوجات: الدخول بهن ، وإطاقتهن الوطء ؛ فلا يجب القسم لغير مدخول بها ، ولا لصغيرة لم تطق الوطء ، وإن دخل بها " انتهى.
انظر: فتوى رقم: (298911).
رابعاً:
ما دام أنها زوجته فيجوز أن يتواصل معها بكل ما يجوز أن يتواصل معك كزوجة، ولو برسائل مثيرة للشهوة ، ولو اقترب منك بعدها للجماع. وذلك مشروط بألا يطّلع عليه أحد بذلك غير الزوجة التي تواصل معها.
قال الحسن البصري رحمه الله : كانوا – أي : الصحابة أو كبار التابعين - يكرهون " الوجس " ، وهو أن يطأ إحداهما والأخرى تسمع الصوت" -. رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" ( 4 / 388 ) .
وانظر: فتوى رقم: (26265).
فإذا تم العقد أو ما يسمى بكتب الكتاب ، فقد صارت زوجة له ، ويباح للزوج أن يستمتع بزوجته كيفما شاء ، لكن لها أن تمتنع من تسليم نفسها له حتى يدفع لها المهر المعجل ، ويجهز لها منزل الزوجية المناسب .
وقد نقل ابن المنذر رحمه الله إجماع العلماء على أن للمرأة أن تمتنع من دخول الزوج عليها , حتى يعطيها مهرها . "المغني" (7/200) .
وذكر الكاساني في "بدائع الصنائع" (4/19) أن المرأة لها أن تمتنع من تسليم نفسها لزوجها حتى يوفر لها سكنا .
انظر: فتوى رقم: (82331).
خامساً:
لا يلزم الزوج النفقة على الزوجة الثانية التي لم يدخل بها، إلا إذا تأخر الدخول بسبب من الزوج ، مع بذل المرأة نفسها ، واستعدادها للدخول في أي وقت؛ فتجب نفقتها على الزوج ، حتى ولو كانت مقيمة عند أهلها . وبهذا قال جمهور العلماء .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (41/35 – 37) عند ذكر اختلاف العلماء في سبب وجوب نفقة الزوجة على الزوج :
"الْقَوْل الثَّانِي : لاَ تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ إِلاَّ بِالتَّمْكِينِ مِنْ نَفْسِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ .
وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ : الْمَالِكِيَّةُ ، وَالْحَنَابِلَةُ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ" انتهى .
وقال الحجاوي في "زاد المستقنع" (ص 203) :
"ومن تسلم زوجته، أو بذلت نفسها، ومثلها يوطأ= وجبت نفقتها" انتهى .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه :
"يعني قالت : لا مانع لدينا من الدخول ، ولكن الزوج قال : أنا لا أريدها الآن ، عندي اختبارات لمدة شهر ، وسآخذها بعد هذا الشهر ، فمدة هذا الشهر تجب فيه النفقة على الزوج ؛ لأن الامتناع من قِبله" انتهى من"الشرح الممتع" (13/487).
وينظر: جواب السؤال رقم: (147727) .
سادساً:
إذا كانت الزوجة في بيت أبيها ، ولم يدخل بها الزوج ، لا يلزمها طاعة زوجها ، كما أنه لا يجب على الزوج النفقة عليها، وإنما تستأذن أباها ، وتطيعه ، فإذا انتقلت إلى زوجها كانت طاعته أوجب .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : هل للمرأة المعقود عليها ولم يدخل بها الزوج يكون للزوج الحق في أن يقول لها : افعلي كذا ولا تفعلي كذا وهي في بيت والدها ؟ أم ذلك في بعض الأمور يكون له الحق ؟
فأجاب : " ما دامت عند أهلها، لا حق له عليها حتى تنتقل عنده وتصير في بيته ، ما دامت عند أهلها فهي في حكم أهلها، يدبرها أهلها ، وليس له حقٌ عليها بهذه الحال حتى تنتقل ، إنما هي زوجة ليس لها أن تتزوج عليه ، بل زواجه ثبت ، وهو زوجها ، ومتى تيسر دخولها عليه أدخلت عليه , وعليها أن تخاف الله وتراقبه، وأن تبتعد عما حرم الله ، لكن ليس له حق أنها تستأذن إذا أرادت الخروج ، أو يكون له حق أن يمنعها من الخروج ، هذا هي عند والديها الآن ، فالأمر عند والديها حتى تنتقل إليه " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" من موقع الشيخ رحمه الله .
انظر: فتوى رقم: (119469).
سابعاً:
وأخيرًا.. إن أردتِ أن تحظي بمحبّة زوجك وتقديره واهتمامه، فاملئي قلبه وعقله بمودتكِ وأخلاقكِ وحرصكِ على خدمته، فإن القلوب تميل لمن أحسن إليها، وحتى يشعر بالراحة والسرور أكثر حينما يعود إليكِ، كوني له سكنًا وملاذًا.
ثم؛ ينبغي لكِ أن تُكثري من دعاء الله بأن يرزقك الرضا بما قدّره عليك، وأن يملأ بينكم المحبة والألفة، لتنعمي بحياة هنيئة بإذن الله تعالى.
فما يحدث من أذى الزوج إن وُجد أذى فعليك بالصبر والتلهي عن ذلك والتغافل، حتى يخفّ عليك الأمر. فصحتك ونفسيتك وعافيتك سبب لسعادتك.
وما حدث لك من تعدّد زوجك عليك هو قدر من الله تعالى، والمؤمنة ترضى بقضاء ربها، وقد قال الله تعالى: (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) [النساء/ 19]
فكم من امرأة تزوج عليها زوجها ، فكان الخير في ذلك: يخدمها ويرعاها وينفق عليها أولاد زوجها من الزوجة الأخرى، وتجد منهم كل البر والاحترام والتقدير، وكأنهم أولادها، وهي تشعر أنها أمهم.
والله أعلم.