أولا:
من نذر صيام داود عليه السلام أي صيام يوم وإفطار يوم، ولم ينو وقتا ينتهي إليه نذره، ولم يوجد سبب أو بساط يقيد نذره، فإنه يلزمه الصيام ما عاش، ولا يجزئه أن يفعل ذلك لمدة أربعين يوما.
والنذر يرجع فيه إلى النية، ثم إلى السبب الباعث أو المهيج، فإن لم يوجد ذلك عمل بمقتضى اللفظ.
والسبب الباعث: كأن تكون نذرت ذلك لكونك مسافرا بعيدا عن أهلك فتريد تقليل الشهوة مثلا، فإذا رجعت إلى أهلك انتهى نذرك.
قال القرافي رحمه الله: " والمعتبر في النذور: النية ". انتهى من "الذخيرة" (3/ 75).
وقال الخرشي في "شرح مختصر خليل" (3/ 65): " ولما أنهى الكلام على حد اليمين وصيغتها الموجبة للكفارة منها، وأنواع الكفارة وتكرارها واتحادها، أتبع ذلك بالكلام على مقتضيات الحنث والبر، وذكر من ذلك خمسة أمور: النية والبساط والعرف القولي والمقصد اللغوي والمقصد الشرعي" انتهى.
إلى أن قال: " (ص) ثم بساط يمينه.
أي : وإن لم يكن للحالف نية، أو كانت ونسي ضبطها، فإنه ينظر في ذلك إلى بساط يمينه، وهو السبب الحامل على اليمين، فيعمل عليه من تخصيص أو تقييد، كما يعمل على النية من بر أو حنث فيما ينوي فيه وغيره. وليس بانتقال عن النية في الحقيقة، إنما هو مظنة لها وتحويم عليها، بحيث إذا تذكرها الحالف وجده مناسبا لها. وعطفه على النية باعتبار أن تلك نية صريحة، وهذه نية ضمنية فحصل التغاير " انتهى.
وقال رحمه الله في (3/ 93): "وينظر في النذر كاليمين، إلى النية، ثم العرف، ثم اللفظ" انتهى.
أي إلى النية ومنها البساط، كما تقدم.
ثانيا:
يلزمك إذا أخللت بهذا النذر: القضاء وكفارة يمين، إذا لم تكن معذورا بهذا الإخلال، كأن تتكاسل، أو تفرط في صوم ما نذرته.
وأما إذا كان ذلك لعذر شرعي، كما لو صادف يوم فطر، أو يوم أضحى، أو أيام التشريق: فلا حرج عليك بفطر هذه الأيام، بل ليس لك أن تصومها، ولا يلزمك قضاؤها، ولا كفارة عنها، في أظهر القولين لأهل العلم؛ لأن هذه الأيام مستثناة شرعا من النذر، فلم تدخل فيه.
قال الماوردي: «تحريم صومهما [=العيدين]: بإجماع. فلو صامهما أحد، كان عاصيا لله تعالى بل لا يصح صومهما كالليل. فلو نذر صومهما، كان نذره باطلا. ولا قضاء عليه.
وقال أبو حنيفة: نذره صحيح وعليه القضاء فإن صامهما جاز، ويسقط عنه النذر.
وهذا خطأ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم - " لا نذر في معصية ".
ولأن كل زمان لا يصح فيه صوم التطوع لا ينعقد فيه النذر كالليل وأيام الحيض». انتهى، من "الحاوي الكبير" (3/ 455).
وقال أبو المعالي الجويني: «إذا نذر صوم يوم العيد، لم يلزمه شيء، كما لو نذرت المرأة صوم أيام حيضها، فإن الصوم لا يلزمها.
ومعتمد المذهب: أن يوم العيد لا يقبل الصوم كأيام الحيض، والخلاف مع أبي حنيفة رضي الله عنه مشهور». انتهى، من "نهاية المطلب في دراية المذهب" (18/ 454).
ومثل ذلك: لو دخل عليك رمضان، فإنك تصومه، ولا يلزمك شيء بدلا عنه، لا قضاء ولا كفارة.
وينظر ما سبق في جواب السؤال رقم: (446361)، ورقم: (338053).
ثالثا:
ليس لك ترك هذا النذر إلا إذا عجزت عنه، لكبر أو مرضى لا يرجى برؤه، فإنك تكفر كفارة يمين؛ لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَا يُطِيقُهُ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا أَطَاقَهُ فَلْيَفِ بِهِ) رواه أبو داود (3322).
قال الحافظ في "الفتح": "رواه ثقات، لكن أخرجه ابن أبي شيبة موقوفا وهو أشبه".
قال ابن قدامة في "المغني" (10/ 72): "وجملته: أن من نذر طاعة لا يطيقها، أو كان قادرا عليها، فعجز عنها: فعليه كفارة يمين" انتهى.
وينظر: جواب السؤال رقم: (562504).
والله أعلم.