259

ما قصة أبي بكر الصديق مع اليهودي فنحاص؟

السؤال: 579607

ما قصة فنحاص وأبي بكر الصديق رضي الله عنه ونزول قول الله تعالى: (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ۘ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

هذه القصة يسوقها أهل العلم في سبب نزول قول الله تعالى:

لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ  آل عمران (181).

فروى الطبري في "التفسير" (6/278)، وابن أبي حاتم في "التفسير" (3 / 828)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (5/87): عن يونس بن بُكيرٍ، قال: حدثنا محمدُ بنُ إسحاقَ، قال: حدثنا محمدُ بنُ أبى محمدٍ مولى زيدِ بن ثابتٍ، عن عكرمةَ، أنه حدَّثه عن ابن عباسٍ، قال:

" دخَل أبو بكرٍ الصدِّيقُ رحمه الله بيتَ المِدْراسِ، فوجَد ناسًا من يهودَ كثيرًا، قد اجتمَعوا إلى رجلٍ منهم ‌يقالُ ‌له: ‌فِنْحاصُ. وكان من علمائِهم وأحبارِهم، ومعه حَبْرٌ يقالُ له: أشيعُ.

فقال أبو بكرٍ لفنحاصَ: ويحَك يا فنحاصُ، اتَّقِ اللَّهَ وأسلمْ، فواللَّهِ إنك لتعلَمُ أن محمدًا رسولُ اللَّهِ، قد جاءكم بالحقِّ من عندِ اللَّهِ، تجدونَه مكتوبًا عندَكم في التوراةِ والإنجيلِ.

قال فنحاصُ: واللَّهِ يا أبا بكرٍ، ما بنا إلى اللَّهِ من فقرٍ، وإنه إلينا لفقيرٌ، وما نتضرَّعُ إليه كما يتضرَّعُ إلينا، وإنا عنه لأغنياءُ، ولو كان عنا غنيًّا ما اسْتَقرضَنا أموالَنا كما يزعُمُ صاحبُكم، ينهاكم عن الرِّبا ويُعطِيناه، ولو كان غنيًّا عنا ما أعطانا الرِّبا.

فغضِب أبو بكرٍ، فضرَب وجهَ فِنْحاصَ ضربةً شديدةً، وقال: والذي نفسي بيدِه، لولا العهدُ الذي بينَنا وبينَك لضرَبتُ عُنُقَك يا عدوَّ اللَّهِ، فأَكْذِبونا ما استطعتُم إن كنتم صادقين.

فذهَب فنحاصُ إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمدُ، انظُرْ ما صنَع بي صاحبُك.

فقال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأبي بكرٍ: ما حمَلك على ما صنعتَ؟

فقال: يا رسولَ اللَّهِ، إن عدوَّ اللَّهِ قال قولًا عظيمًا؛ زعَم أن اللَّهَ فقيرٌ، وأنهم عنه أغنياءُ، فلما قال ذلك غضِبتُ للَّهِ مما قال، فضرَبتُ وجهَه.

فجحَد ذلك فنحاصُ، وقال: ما قلتُ ذلك؟

فأَنْزَل اللَّهُ جلَّ ثناؤُه فيما قال فنحاصُ، ردًّا عليه، وتصديقًا لأبي بكرٍ: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ . إلى قولِه: ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ. وقولِ أبي بكرٍ وما بلَغه في ذلك من الغضبِ: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ).

وانتقد هذا الخبر بأن في إسناده محمدُ بنُ أبى محمدٍ مولى زيدِ بن ثابتٍ؛ وهو مجهول الحال، كما لخص حاله الحافظ ابن حجر، حيث قال رحمه الله تعالى:

" محمد ابن أبي محمد الأنصاري مولى زيد ابن ثابت مدني: مجهول ... تفرد عنه ابن إسحاق " انتهى. "تقريب التهذيب" (ص 505).

ولم يذكر فيه توثيق معتبر؛ إلا أن ابن حبان قد ذكره – على قاعدته - في "الثقات".

حيث قال ابن حبان رحمه الله تعالى:

" محمد ‌بن ‌أبي ‌محمد ‌مولى ‌زيد ‌بن ‌ثابت الأنصاري: يروي عن سعيد بن جبير، وعكرمة، روى عنه ابن إسحاق " انتهى. "الثقات" (7 / 392).

ومع ذلك؛ فهذا الراوي -محمد بن محمد؛ مولى زيد بن ثابت - مشهور بروايته للتفسير عن سعيد بن جبير وعكرمة، وقد أخرج الطبري وابن أبي حاتم جملة صالحة من هذه النسخة.

قال السيوطي رحمه الله تعالى:

" ومن ذلك [أي من جيد الطرق عن ابن عباس] طريق ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير- عنه، هكذا بالترديد.

وهي طريق جيدة، وإسنادها حسن، وقد أخرج منها ابن جرير وابن أبي حاتم كثيرا، ‌وفي ‌معجم ‌الطبراني ‌الكبير منها أشياء " انتهى. "الإتقان" (ص786).

ولعله لهذا المعنى حسّن الحافظ ابن حجر هذا الخبر، رغم حكمه بجهالة راويه، فقال رحمه الله تعالى:

" وروى ابن أبي حاتم، وابن المنذر، بإسناد حسن، عن ابن عباس: أنها نزلت فيما كان بين أبي بكر وبين ‌فنحاص اليهودي، في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ تعالى الله عن قوله، فغضب أبو بكر، فنزلت " انتهى. "فتح الباري" (8 / 231).

الخلاصة:

هذا الخبر وإن كان في راويه جهالة؛ إلا أنه مشهور بروايته للتفسير عن عكرمة عن ابن عباس، ولم يتحاشاها أهل التفسير، بل أكثروا من نقلها، فهي مما يستأنس بها في التفسير وأخبار السير وأسباب النزول، مادامت لم تتعلق بحكم شرعي، ولم يأت فيها ما يقطع بنكارة معناه.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android