أولاً:
لا يملك الزوج منع والدي زوجته من زيارتها.
وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة.
وصرح المالكية أنه لو حلف ألا يزوراها، قضي عليه بالحنث، ومُكنا من زيارتها.
جاء في "الفتاوى الهندية الحنفية" (1/ 556): " وإذا أراد الزوج أن يمنع أباها، أو أمها، أو أحدا من أهلها، من الدخول عليه في منزله؛ اختلفوا في ذلك:
قال بعضهم: لا يمنع الأبوين من الدخول عليها للزيارة في كل جمعة، وإنما يمنعهم من الكينونة عندها، وبه أخذ مشايخنا رحمهم الله تعالى، وعليه الفتوى، كذا في فتاوى قاضي خان " انتهى.
وقال في "مجمع الأنهر" (1/ 493): " (وله) أي للزوج (منع أهلها)، أي محرمها (ولو.. ولدها) أي الزوجة، حال كون ذلك الولد (من غيره) أي من غير ذلك الزوج ... =
(عن الدخول عليها)؛ لأن المكان مُلْكه، كما في الكافي. وفيه إشعار بأن ليس له المنع من ملك الغير، كما في القهستاني.
(لا من النظر إليها): عطف على عن الدخول ... (والكلام معها، متى) أي في أي وقت (شاءوا)؛ إذ لا ضرر فيه. وفي المنع: قطيعة الرحم. ولكن له أن يمنعهم من القرار عندها؛ لأنه يورث الفتنة، كما في المطلب.
(والصحيح أنه)، أي الزوج: (لا يمنعها من الخروج إلى الوالدين، ولا من دخولهما عليها، في الجمعة)، أي سبعة أيام، (مرة)؛ قيد للخروج والدخول كليهما" انتهى، باختصار.
وقال الخرشي المالكي في "شرح خليل" (4/ 187): " (ص) لا أبويها وولدها من غيره، أو يدخلوا لها.
(ش): يعني أنه ليس للزوج أن يمنع أبوي زوجته أن يدخلا إليها، وليس له أن يمنع أولادها من غيره أن يدخلوا إليها، بل يُقضى عليه بدخول هؤلاء، لتفقد حال أولادها، ويتفقد الأبوان حال ابنتهما، وقد ندب الشرع إلى المواصلة، والعادة جارية بذلك...
(ص) وحنث إن حلف.
(ش) يعني: إذا حلف على منع أبويها، فإنه يحنث، ويُقضى عليه بدخولهما" انتهى.
وقال المرداوي الحنبلي رحمه الله في "الإنصاف" (8/ 361): "لا يملك الزوج منع أبويها من زيارتها. على الصحيح من المذهب. قال في الفروع، والرعايتين: ولا يملك منعهما من زيارتها في الأصح. وجزم به في الحاوي الصغير.
وقيل: له منعهما.
قلت: الصواب في ذلك: إن عرف بقرائن الحال: أنه يحدث بزيارتهما أو أحدهما له ضرر: فله المنع. وإلا فلا" انتهى.
وعلى هذا، فلا حرج على الزوجة أن مكنت أباها من زيارتها؛ لأن الزوج ليس له حق منعها من ذلك.
ثانيا:
ما تتوهمه من الضرر بزيارة أبيها لها، يمكن أن يقع بزيارتها له، ولا سبيل لك لقطعها عن أبيها.
فيخشى أن يكون شرطك عدم دخوله بيتك، المراد منه قطع العلاقة بينك وبينه، وهذا مما لا ينبغي؛ لأن الأصل تحريم هجر المسلم، ولأنه لا تستقيم العلاقة بينك وبين أصهارك مع هذه القطيعة.
وأما عدم تدخله في شئون بيتك، فهذا حق لك التمسك به، ولا يكون بمنعه من زيارتك، بل بالتفاهم مع زوجتك، وإقناعها ألا تحكي له تفاصيل ما بينكما، وألا تستجيب لتدخل والدها في شأنها، وأن يكون لها فيما جرى من الطلاق عبرة وعظة.
وينبغي أن تكون حريصا على صلة زوجتك لرحمها، وبرها بوالديها وأهلها، فإن صلة الرحم من الواجبات المتحتمات، وهي من أسباب سعة الرزق وطول العمرة، والقطيعة سبب للعن والمحق.
قال تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) محمد/ 22، 23
وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، مِنَ الْبَغْيِ، وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ رواه ابن ماجه (4211) وصححه الالباني.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) رواه البخاري (5986) ومسلم (2557).
نسأل الله أن يصلح ذات بينكم، ويؤلف بين قلوبكم، وأن يحييكم حياة طيبة، ويرزقكم رزقا حسنا، ويلهمكم الرشد في الأمر كله.
والله أعلم.