هل تجزئ الكفارة عن اليمين قبل الحنث فيه؟

السؤال: 578100

حلفت يمينا على أمر وظننت أني حنثت فيه، وكفرت عن يميني، ثم ظهر لي أني لم أحنث في يميني، فهل أعيد الكفارة، أم تكفي الكفارة الأولى؟

ملخص الجواب

يجوز تقديم الكفارة على الحنث؛ لأنّ اليمين سبب للكفارة، والحنث شرط لوجوبها، فمن حلف فهو مخير في الكفارة ‌قبل ‌الحنث وبعده.

موضوعات ذات صلة

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولا:

لا يلزمك الكفارة بمجرد اليمين، وإنما اليمين سبب تعلق الكفارة بالذمة، لكن لا تجب الكفارة إلا إذا تحقق الحنث.

قال الطوفي رحمه الله: "اليمين هي المقتضي لوجوب ‌الكفارة، فتسمى علة له، وإن كان وجوب ‌الكفارة إنما يتحقق بمجموع أمرين: الحلف الذي هو ‌اليمين والحنث فيها، لكن ‌الحنث شرط في الوجوب، والحلف هو السبب المقتضي له فقالوا: هو علة، فإذا حلف الإنسان على فعل شيء أو تركه، قيل: قد وجدت منه علة وجوب ‌الكفارة، وإن كان الوجوب لا يوجد حتى يحنث، وإنما هو بمجرد الحلف، انعقد سببه". "شرح مختصر الروضة" (1/ 422).

وقال ابن رجب، رحمه الله: «العبادات كلُّها -سواء كانت بدنيَّة، أو ماليَّة، أو مركَّبة منهما- لا يجوز تقديمها على سبب وجوبها، ويجوز تقديمها بعد سبب الوجوب وقبل الوجوب، أو قبل شرط الوجوب.

ويتفرَّع على ذلك مسائلُ كثيرةٌ..»

قال: "ومنها: كفَّارة اليمين يجوز تقديمها على الحنث بعد عقد اليمين؛ ماليَّةً كانت أو بدنيَّةً" انتهى، من "قواعد ابن رجب" (1/70، 72).

ثانيا:

ما سبق ذكره من جواز تقديم الكفارة على الحنث: هو ما عليه جمهور الفقهاء.

جاء في "مسائل الإمام أحمد رواية ابنه أبي الفضل صالح" (3/ 242):

"وَلَا بَأْس بتعجيل الْكَفَّارَة ‌قبل ‌الْحِنْث. يرْوى فِيهِ عَن سلمَان وَابْن عمر، كفرا ‌قبل ‌الْحِنْث. وَقَالَ الله عز وَجل: (وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم ثمَّ يعودون لما قَالُوا فَتَحْرِير رَقَبَة من قبل أَن يتماسا)؛ فقد أَمر بِالْكَفَّارَةِ قبل الْحِنْث، فَلَو أَنه طَلقهَا أَو مَاتَ عَنْهَا قبل أَن يكفر: لم يكن عَلَيْهِ كَفَّارَة، لِأَنَّهُ لم يَحْنَث.

وَقَالَ بعض النَّاس لَا تجزىء الْكَفَّارَة إِلَّا بعد الْحِنْث" انتهى

وقال ابن قدامة رحمه الله:

«ومن حلف: فهو مخير في الكفارة، ‌قبل ‌الحنث وبعده، وسواء كانت الكفارة صوما، أو غيره، إلا في الظهار والحرام، فعليه الكفارة ‌قبل ‌الحنث...،

فأما كفارة سائر الأيمان، فإنها تجوز ‌قبل ‌الحنث وبعده، صوما كانت أو غيره، في قول أكثر أهل العلم.

وبه قال مالك. وممن روى عنه جواز تقديم التكفير عمر بن الخطاب، وابنه، وابن عباس، وسلمان الفارسي، ومسلمة بن مخلد، رضي الله عنهم. وبه قال الحسن، وابن سيرين، وربيعة، والأوزاعي، والثوري، وابن المبارك، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو خيثمة، وسليمان بن داود..." انتهى.

وقال بعد ذكر قول المخالفين: "ولنا: ما روى عبد الرحمن بن سمرة، قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا حلفتَ على يمين، فرأيتَ غيرها خيرا منها: فكفِّر عن يمينك، ثم ائت الذي هو خير". رواه أبو داود. وفى لفظ: "وائت الذى هو خير" رواه البخاري، والأثرم.

وروى أبو هريرة، وأبو الدرداء، وعدى بن حاتم، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-نحو ذلك. رواه الأثرم.

وعن أبى موسى، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إني إن شاء الله لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خيرا منها، إلا كفرت عن يميني، وأتيت الذي هو خير". أو "أتيت الذي هو خير، وكفرت عن يميني". رواه البخاري.

ولأنه كَفَّر بعد وجود السبب، فأجزأ، كما لو كفَّر بعد الجرح، وقبل الزُّهوق [=يعني: في كفارة القتل، كفَّر عن القتل، بعد أن جَرحَ القتيل، وقبل زهوق روحه]. والسبب هو اليمين، بدليل قوله تعالى: ذلك كفارة أيمانكم. وقوله سبحانه: قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم. وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وكفرت عن يميني". "وكفر عن يمينك".

وتسمية الكفارة: كفارة اليمين، وبهذا ينفصل عما ذكروه، فإن الحنث شرط، وليس بسبب" انتهى من "المغني" لابن قدامة (13/ 481 ت التركي).

وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (12/ 226):

ذهب جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية والحنابلة) : إلى جواز تعجيل كفارة اليمين قبل الحنث، لما روى عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا عبد الرحمن، إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك، ثم ائت الذي هو خير. واستثنى الشافعية الصوم من خصال الكفارة، وقالوا بعدم جواز التعجيل به قبل الحنث انتهى.

وبناء على ما قرره جمهور الفقهاء فإن كفارتك وقعت في محلها؛ لأن نيتك أنها كفارة عن اليمين الذي ظننت أنك حنثت فيه، وإذا كنت لم تحنث؛ فقد وقعت الكفارة على اليمين قبل الحنث، وانحلت يمينك، فلا حاجة لكفارة أخرى إذا حنثت فيها.

وينظر للفائدة الفتاوى التالية: (139465) (20419).

والله أعلم

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android