من نذر أن يذكر الله مليون مرة، ماذا يفعل؟

السؤال: 577970

نذرت نذرا إن أخرجني الله من موقف ما أن أذكر الله تعالى مليون مرة، وبعد أن أخرجني الله تعالى من الموقف، أدركت الكمية الكبيرة، وبحسابها نجد إنه يجب علي أن أذكر الله تعالى يوميا ألف مرة لمدة ٣ سنوات.
السؤال هو :
هل يجوز التكفير عن النذر بصوم ٣ أيام؟ أو قول سبحان الله عدد ما خلق، سبحان الله ملء ما خلق إلى آخر الذكر؟

ملخص الجواب

من نذر طاعة وجب عليه الوفاء بها إذا كان قادرا على ذلك، وذكر الله مليون مرة من المقدور عليه.

موضوعات ذات صلة

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولاً:

من نذر أن يطيع الله فليطعه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ ‌فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يعصه) البخاري (6318)، وقد أثنى الله عز وجل على الذين يوفون بنذورهم بقوله:وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ البقرة/270، وبقوله: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا الإنسان/ 7.  

قال ابن حجر رحمه الله: "وقول الله تعالى (‌يوفون ‌بالنذر) يؤخذ منه أن الوفاء به قربة للثناء على فاعله، لكن ذلك مخصوص بنذر الطاعة" انتهى من "فتح الباري لابن حجر" (11/ 576).

قال ابن عبد البر رحمه الله: "‌من ‌نذر شيئا لله فيه طاعة، فواجب عليه الإتيان به؛ كالصلاة، والصيام، والصدقة، والعتق، وما أشبه ذلك من طاعة الله، وهذا ما ‌لا ‌خلاف بين علماء المسلمين فيه" انتهى من "التمهيد" (4/89)

إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من الدخول في النذر لئلا يقع في حرج ويشق عليه الوفاء، وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا تَنْذِرُوا، فَإِنَّ النَّذْرَ ‌لَا ‌يُغْنِي ‌مِنَ ‌الْقَدَرِ ‌شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ من البخيل) رواه البخاري (6314)، ومسلم (1640)، واللفظ لمسلم.

وها قد رأيت بنفسك، ووقع بك ما حذر النبي عنه من النذر؛ فإنك قد حصل لك ما كنت ترجو، ثم إن نفسك قد بخلت بهذا العمل، مع أن يسير على من يسره الله عليه، وليس فيه كبير مؤنة، ولا إخراج مال، ولا بذل نفيس؛ إنما هو أخف الأعمال، وأزكاها: ذكر الله!!

ونذرك أن تذكر الله مليون مرة من الطاعات، لم تحدد فيه نوع الذكر، ولا الزمن، وهو من الممكن المقدور عليه لعامة الناس؛ ولو كان المرء طريحا في الفراش، في أضعف حالتها، وأوهنها؛ فإنه لا شك قادر على ذلك.

فلو جعلتِ الذكر مثلاً (سبحان الله) أو (الحمد لله) أو (الله أكبر) فإن قولها ألف مرة يأخذ حوالي 20 دقيقة. فلو كان لكِ فيها ورد في الصباح ألف وورد في المساء ألف أمكنك باليوم أن تقولي الذكر ألفين مرة.

وبكل حال؛ فقد ذَمَّ الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين ينذرون ولا يوفون فعن عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ -قَالَ عِمْرَانُ : فَلا أَدْرِي أَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ قَرْنِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً - ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلا يُسْتَشْهَدُونَ ، وَيَخُونُونَ وَلا يُؤْتَمَنُونَ ، وَيَنْذِرُونَ وَلا يُوفُونَ ، وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ ) رواه مسلم (2535).

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" إذا قال: إن سلّمني الله تصدقت، أو لأتصدقنّ، فهو وعد وعده الله؛ فعليه أن يفي به، وإلا دخل في قوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (.

فوعد العبدِ ربَّه نذر ، يجب عليه أن يفي له به؛ فإنه جعله جزاء وشكرا له على نعمته عليه، فجرى مجرى عقود المعاوضات، لا عقود التبرعات، وهو أولى باللزوم من أن يقول ابتداء: " لله علي كذا "؛ فإن هذا التزام منه لنفسه أن يفعل ذلك، والأول تعليق بشرط، وقد وجد، فيجب فعل المشروط عنده؛ لالتزامه له بوعده" انتهى من "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (3/ 361). وينظر الفتوى رقم" (42178) ففيها بيان لعقوبة عدم الوفاء بالنذر.

ثانياً:

أما سؤالك عن إمكانية الخروج من هذا النذر بكفارة يمين، فهذا إنما يكون في النذر الذي لا يطيقه الإنسان، ولا يقدر عليه أو يقدر عليه بمشقة شديدة، أو لم يتمكن منها لعجزه عنه، فهذا له أن يكفّر عن نذره كفار يمين، لما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (من نذر نذراً لا يطيقه فكفارته كفارة اليمين). ابن أبي شيبة (12563)، موقوفاً، وروي مرفوعاً عند أبي داود بسند فيه ضعف. انظر: "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" (8/ 209).

قال ابن قدامة رحمه الله "من نذر طاعة لا يطيقها، أو كان قادرا عليها، فعجز عنها، فعليه كفارة يمين" انتهى من "المغني" (13/ 632).

وينظر في الفتوى: (562504) ففيها بيان مفصل للنذر الذي يكفر عنه كفارة يمين.

ثالثاً:

أما ما أشرتِ إليه من ذكر (سبحان الله عدد ما خلق، سبحان الله ملء ما خلق..) وهل يغني عن ذكر الله مليون مرة الذي هو محل النذر، لما جاء من وصفه بالحديث بأنه أفضل وأكثر من ذكر الليل والنهار.

فعن أبي أمامة الباهلي: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو يحرك شفتيه فقال: ماذا تقول يا أبا أمامة؟ قال: أذكر ربي قال: (ألا أخبرك بأفضل أو أكثر من ذكرك الليل مع النهار والنهار مع الليل، أن تقول: سبحان الله عدد ما خلق، ‌سبحان ‌الله ‌ملء ‌ما ‌خلق، سبحان الله عدد ما في الأرض والسماء، سبحان الله ملء ما في السماء والأرض، ‌سبحان ‌الله ‌ملء ‌ما ‌خلق، سبحان الله عدد ما أحصى كتابه، وسبحان الله ملء كل شيء، وتقول: الحمد لله مثل ذلك) رواه النسائي في "الكبرى" (9921).

فهذا لا يغني عن الوفاء بالنذر، وذلك أن الحديث يبيّن جزاء وثواب هذا الذكر، وليس معناه أنه يجزئ عن الأذكار الأخرى؛ بل متى اخترت هذا الذكر، ورغبت أن توفي به نذرك، فلتقله أيضا: مليون مرة!! أو تجعل له قسما من "المليون"، وتكمل بذكر آخر.

ونظيره قراءة سورة الإخلاص لها جزاء قراءة ثلث القرآن، لا أنها تجزئ عن قراءة ثلث القرآن .

فمن نذر أن يقرا القرآن كاملا لا يجزئه قراءة قل هو الله أحد ثلاث مرات، مع أنه جاء في فضلها أنها تعدل ثلث القرآن.

قال ابن بطال رحمه الله:

"قال إسحاق بن منصور: سألت إسحاق بن راهويه عن هذا الحديث فقال لى: معناه: أن الله جعل لكلامه فضلا على سائر الكلام، ثم فضل بعض كلامه على بعض، بأن جعل لبعضه ثوابا أضعاف ما جعل لبعض، تحريضا منه (صلى الله عليه وسلم) على تعليمه وكثرة قراءته، وليس معناه: أنه لو قرأ: (قل هو الله أحد) ثلاث مرات، ‌كان ‌كأنه ‌قرأ ‌القرآن ‌كله، ‌ولو ‌قرأها ‌أكثر من مائتى مرة" "شرح صحيح البخاري - ابن بطال" (10/ 252).

 وينظر الفتوى: (10022).

والحاصل:

أنه يجب عليكَ أن تفيَ بنذرك ، فتذكر الله تعالى مليون مرة .

والله اعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android