يبدو أن السائل يسأل عن مبادئ الأحكام الشرعية التي ترشد الراغبين في التعامل بالتجارة الإلكترونية.
أولا:
ينبغي على التاجر أن يتحلى بمجموعة من الصفات والأخلاق الحسنة ، حتى يبارك الله له في تجارته ورزقه . وقد تقدم في موقعنا إجابة رقم: (283602) عن صفات التاجر المسلم، فارجع إليها، وإليك خلاصتها.
فمن تلك الصفات :
1- ألاَّ تشغلَه تجارتُه عن ذكر الله تعالى، ولا عن الصلاةِ، ولا عن أداءِ حقِّ اللهِ في ماله، رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ النور/ 37، 38.
2- أن يتحرى الحلال ، وألا يدخل على نفسه وأهل بيته الحرام
3- أن يبتعد عن الشبهات.
4- أن يتحلى بالبر والصدق وتقوى الله؛ فعن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا رواه البخاري (1973) ، ومسلم (1532) .
وعنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُصَلَّى ، فَرَأَى النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ فَقَالَ : ( يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ ) ، فَاسْتَجَابُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ فَقَالَ : إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّاراً ، إِلاَّ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ. رواه الترمذي (1210) ، وابن ماجه (2146) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (1785) . فادع الله دوما ألا تكون فاجراً ولا محتالاً مخادعاً ولا غشاشاً خائناً.
5- عدم الغفلة عن الصدقة ؛ فعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ قال : كان صلى الله عليه وسلم يقول: يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ ، فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ رواه أهل السنن الأربعة وصححه الألباني.
6- السماحة ، واليسر .
7- إنظار المعسر والحط عنه ؛ قال صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ رواه مسلم (3006).
8- البعد عن المعاملات المحرمة والصفات الذميمة التي لا تليق بالمسلم ، تاجرا كان أو غير تاجرة ، كالتعامل بالربا ، وبيع الغرر ، وبيع العِينة ، والتجارة بالمحرمات ، والغش والكذب والخداع ونحو ذلك .
9- كما ينبغي أن يحرص التاجر المسلم على مكارم الأخلاق ، من إقالة النادم ، وإعانة المحتاج، وأن يحب لأخيه التاجر ما يحب لنفسه ، وأن يكثر الدعاء له ولإخوانه المسلمين أن يكفيهم الله بحلاله عن حرامه ويغنيهم بفضله عمن سواه .
وأن يحسن التوكل على الله ، وأن يتعلق قلبه بربه مسبب الأسباب ورازق الخلق أجمعين .
وأن يبتعد عن الحسد والطمع والجشع والبخل والشح والتطفيف والاحتكار، وغير ذلك من مذام الصفات ، ويتصف بضدها من الأخلاق الحسنة الكريمة ، من الصدق وحسن التعامل وحب الخير للناس والكرم والجود وغير ذلك .
وينظر السؤال رقم: (134621)، (128891)، (131590).
ثانياً:
عليك أن تدرس أبواب البيوع، وهي كثيرة في الكتب ومبثوثة على الإنترنت، ثم تدرس ما يتعلق بتفاصيل نوع تجارتك، حتى تتاجر عن علم وبصيرة.
قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: "لَا يَبِعْ فِي سُوقِنَا إِلَّا مَنْ قَدْ تَفَقَّهَ فِي الدِّينِ" رواه الترمذي (487)، وحسن إسناده الألباني.
ثالثاً:
لا يسعنا في هذه الأسطر إلا أن نكتب بعض الأصول والمسائل المهمة في التجارة.
من الأصول المهمة معرفة شروط البيع ، والبيوع المحرمة، وأبواب الربا حتى لا تقع في الحرام.. فإن ما عدا هذا حلال. ومعرفة شروط الشركة، وأنواع الخيار، فإن التجارة الإلكترونية فرع في أحكامها عن التجارة الأصلية.
ينظر: شروط البيع ، والبيوع المحرمة، وأنواع الخيار، والربا من الملخص الفقهي للفوزان.
يشترط لصحة البيع شروط، منها ما يشترط في العاقدين، ومنها ما يشترط في المعقود عليه، إذا فقد منها شرط؛ لم يصح البيع: (الملخص الفقهي)
فيشترط في العاقدين:
1. التراضي منهما؛ فلا يصح البيع إذا كان أحدهما مكرها بغير حق؛ لقوله تعالى: (إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُم).
2. يشترط في كل من العاقدين أن يكون جائز التصرف؛ بأن يكون حرأ مكلفا رشيدًا؛ فلا يصح البيع والشراء من صبي وسفيه ومجنون ومملوك بغير إذن سيده، إلا في الشيء اليسير جداً.
3. يشترط في كل من العاقدين أن يكون مالكا للمعقود عليه، أو قائما مقام مالكه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام: "لا تبع ما ليس عندك"، رواه ابن ماجه والترمذي وصححه؛ أي لا تبع ما ليس في ملكك من الأعيان.
أما إذا كان المبيع مما ينضبط بالوصف، ويغلب على الظن وجوده في وقت التسليم ، فتبايعا على أن يوفر له المبيع في موعده ، فهذا هو بيع السلم ، وهو جائز. انظر: فتوى: (254814).
ويشترط في المعقود عليه في البيع (الثمن والمثمن):
1. أن يكون مما يباح الانتفاع به مطلقا؛ فلا يصح بيع ما يحرم الانتفاع به؛ كالخمر، والخنزير، وآلة اللهو، والميتة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حرم بيع الميتة والخمر والأصنام"، متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا حرم شيئا؛ حرم ثمنه". فلا بد أن يكون نافعاً، ونفعه مباحاً، ويكون مباح النفع (مطلقاً)، فلا يصح بيع ما يباح النفع به لحاجة، كالكلب، أو للضرورة، كالميتة.
2. ويشترط في المعقود عليه في البيع من ثمن ومثمن: أن يكون مقدورًا على تسليمه؛ لأن ما لا يُقدر على تسليمه شبيه بالمعدوم، فلم يصح بيعه؛ فلا يصح بيع جمل شادر، ولا طير في الهواء، ولا بيع مغصوب من غير غاصبه، أو قادر على أخذه من الغاصب.
3. يشترط في الثمن والمثمن: أن يكون كل منهما معلوما عند المتعاقدين؛ لأن الجهالة غرر، والغرر منهي عنه؛ فلا يصح شراء ما لم يره، أو رآه وجهله، ولا بيع حمل في بطن ولبن في ضرع منفردين.
انظر: "الملخص الفقهي" للفوزان (2/9-11).
رابعاً:
ذكر الفقهاء أن مدار المعاملات المحرمة على: الرّبا، والظلم، والغرر، وما أدى إلى التنازع. انظر: "الشرح الممتع" (9/ 53)، (8/ 200)، (9/ 79).
فيحرم بيع الإنسان على بيع أخيه المسلم؛ كأن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة: أنا أعطيك مثلها بتسعة، أو أعطيك خيرًا منها بثمنها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يبع الرجل على بيع أخيه"، متفق عليه.
وكذا يحرم شراؤه على شرائه؛ كأن يقول لمن باع سلعته بتسعة: أشتريها منك بعشرة.
انظر: "الملخص الفقهي" للفوزان (2/14).
خامساً:
الربا نوعان:
النوع الأول: ربا القرض: وهو أن تقترض شيئا (عُملة أو ثوبا أو خضارا) على أن تردّه بأكثر منه. (فهذا محرم بالإجماع في أي شيء ولو علف أو طوب).
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (3/ 241):
"أجمع المسلمون نقلا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف ربا، ولو كان قبضة من علف- كما قال ابن مسعود- أو حبة واحدة" انتهى.
وقال ابن تيمية رحمه الله: "وقد اتفق العلماء على أن المقرض متى اشترط زيادة على قرضه كان ذلك حرامًا" انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/334).
وانظر نقل الإجماع: "الإجماع" لابن المنذر (ص 120، 121)، المغني (4/ 211).
ومنه ما يُسمى في البنوك بالفوائد عند القرض، فهو من الربا، فكل زيادة على الدَّين الذي حلّ أجله وعجز عنه المدين مقابل تأجيله فهي من الربا المحرم شرعاً، وكذلك الفائدة المشروطة في ابتداء العقد. انظر: "قرار مجمع الفقه الإسلامي" رقم: 10 (10/2).
وكل قرض جر نفعا فهو ربا.
والإيداع في البنوك يكيَّف على أنه "قرض"، فأي هدية تحصل عليها من البنك فهي ربا. انظر: فتوى رقم: (297611)
لا يجوز شراء أسهم الشركات والمصارف إذا كان في بعض معاملاتها ربا. انظر: "المجمع الفقهي الإسلامي للرابطة"- قرار رقم: 78 (4/14).
سادساً:
عند دراسة مسائل النوازل، وخاصة تلك المتعلقة بالشركات والبنوك والمصارف، من الضروري فحص الشروط والعقود والأحكام المنصوص عليها بدقة، ومقارنتها بالواقع العملي. ففي كثير من الأحيان، نجد أن ما هو مكتوب في العقود لا يتطابق مع ما يحدث فعلاً في الواقع.
قال د. محمد بن محمد المختار الشنقيطي: "هذه الأسهم لي أكثر من 15 سنة وقد جمعت بحوثها، سواء المالية والتجارية، أريد أن أخرج بقول واضح، فوجدت أن الذي في الكتب شيء، والذي في الساحة شيء آخر". انتهى من "شرحه على الزاد" (حول مسألة الأسهم).
البطاقات التي تبيعها البنوك، ويحق لمن يحملها أن يقترض دون فائدة أو زيادة، فإذا تأخر صاحبها عن التسديد، فإن البنك يأخذ نسبة مقابل التأخير، فهذه البطاقة ربوية لا يجوز إصدارها ولا العمل بها. كما أفتت به اللجنة الدائمة (17289) ، (17611).
البطاقة الائتمانية نوعان: مغطاة، وغير مغطاة.
1. المغطاة: لا يستطيع العميل استخدام البطاقة إلا بمقدار ما أودعه مسبقًا في حساب البطاقة.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي- جدة، رقم: 139 (5/15):
"يجوز إصدار بطاقات الائتمان المغطاة، والتعامل بها، إذا لم تتضمن شروطه دفع الفائدة عند التأخر في السداد. يجوز شراء الذهب أو الفضة أو العملات بها" انتهى.
2. غير المغطاة: يستطيع العميل استخدام البطاقة بالدَّين، والبنك يسدد للتاجر أو الجهة، ثم يطالب العميل بالسداد لاحقًا (دين من البنك للعميل)؛ هذه البطاقة، كما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي- جدة (108) 2/12:
"لا حرج فيها شرعاً إذا لم تتضمن شرط زيادة ربوية، ويجوز أخذ البنك عمولة من التاجر على مشتريات العميل، شريطة أن يكون بيع التاجر بالبطاقة يمثل السعر الذي يبيع به بالنقد. وكل زيادة على الخدمات الفعلية من الربا المحرم.
ولا يجوز شراء الذهب والفضة وكذا العملات النقدية بالبطاقة غير المغطاة" انتهى.
سابعاً:
النوع الثاني من الربا : ربا البيوع: وهو خاص بستة أنواع، ويقاس عليها ما شابهها: نوعان:
أ- ربا الفضل . ب- ربا النسيئة.
ربا الفضل:
هو بيع ربوي بجنسه متفاضلاً (أي: مع زيادة أحدهما على الآخر) مثل: دولار أمريكي بدولارين أمريكيين.
· ربا النسيئة:
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة - 1 (13/330). الفتوى رقم: (18612):
"ربا النسيئة مأخوذ من النسأ، وهو التأخير، وهو نوعان:
- قلب الدين على المعسر، وهذا هو ربا الجاهلية، فيكون للرجل على الرجل مال مؤجل، فإذا حل قال له صاحب الدين: إما أن تقضي، وإما أن تربي، فإن قضاه وإلا زاد الدائن في الأجل وزاد في الدين مقابل التأجيل، فيتضاعف الدين في ذمة المدين.
- ما كان في بيع جنسين اتفقا في علة ربا الفضل، مع تأخير قبضهما أو قبض أحدهما، كبيع الذهب بالذهب أو بالفضة، أو الفضة بالذهب مؤجلا أو بدون تقابض في مجلس العقد".
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ رواه مسلم (1587).
هذه الأمور الستة ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، فيجري فيها تحريم الربا. وقال العلماء: كل ما يشابهها يقاس عليها، ويجري فيه الربا .
إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في الحديث ستة أصناف، والعلماء لم يقفوا عندها فقط، بل بحثوا عن العِلَّة (الوصف المشترك بينها) في كل صنف، ثم قالوا: كل ما شارك هذه الأصناف في علتها، يُلحق بها، ويجري فيه الربا. فوجدوا أن العلة في الذهب والفضة واحدة، والعلة في بقية الأصناف الأربعة علة واحدة.
1. الذهب والفضة:
العلة فيهما: أنهما أثمان (وسيط للتبادل وقيمة للأشياء).
لذلك قال العلماء: كل ما صار نقدًا ويقوم مقام الذهب والفضة (مثل العملات الورقية: الدولار، اليورو، الريال...) فإنه يأخذ حكمها.
يعني: بيع الدولار بالدولار (من نفس البلد) يشترط أن يكون مِثلًا بمثل ويدًا بيد. وبيع الدولار باليورو، يجوز التفاضل لكن يشترط أن يكون يدًا بيد (تسليم في الحال).
وقد صدر من مجمع الفقه الإسلامي قرار يتعلق بالنقود الورقية ، جاء فيه : " أنها نقود اعتبارية ، فيها صفة الثمنية كاملة ، ولها الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة : من حيث أحكام الربا، والزكاة ، والسَّلَم ، وسائر أحكامهما " انتهى من "قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي" (ص: 14).
ينظر: فتوى رقم: (129043).
2. البر والشعير والتمر والملح:
العلة فيها: أنها أقوات تُكال أو تُوزن (أي أطعمة أساسية للناس، وكانت تُكال بالصاع أو تُوزن).
لذلك ألحق العلماء بها:
كل مكيل أو موزون من الأقوات (كالذرة، الأرز، العدس...).
ثامناً:
الضوابط الثلاثة في الربا:
الضابط الأول:
بيع ربوي بجنسه (متحد في الجنس والعلة)، يشترط فيه شرطان: التماثل والتقابض.
مثال: ريال سعودي بريال سعودي، صاع تمر بصاع تمر.
يجب التماثل؛ فلا يجوز ريال بريالين، ولا صاع تمر بصاعين تمر. ويجب أيضا التقابض في مجلس العقد (التسليم في الحال).
الضابط الثاني:
بيع ربوي بربوي آخر، مختلف في الجنس، لكن العلة واحدة، يشترط فيه شرط واحد وهو: التقابض فقط.
مثال: ذهب بفضة... ريال بدولار... ريال بذهب .. بر بشعير: يجوز التفاضل (الزيادة)، لكن لا يجوز التأجيل.
وعليه: فلا يجوز بيع الذهب الكترونيا، لأنه ليس هناك تقابض.
لأن شراء الذهب عبر الإنترنت لا يحصل يداً بيد لأنك ترسل لهم القيمة ثم يرسلون لك الذهب بعد مدة. انظر: إجابة رقم: (260161)، (34325)، (72210).
الضابط الثالث:
بيع ربوي بربوي، آخر مختلف في العلة [(عملة أو ذهب أو فضة) مقابل سلعة]: لا يشترط لا تماثل ولا تقابض.
مثال: ريال بتمر... دولار بأرز... ذهب بشعير.
الحكم: يجوز البيع نقدًا أو مؤجّلًا (بالدَّين).
ويمكن تلخيص الضوابط السابقة في المعادلات التالية:
جنس واحد = تماثل + تقابض.
جنس مختلف + علة واحدة = تقابض فقط.
مختلف في العلة = يجوز النقد والدين والتفاضل (لا يشترط لا تماثل ولا تقابض).
وانظر: ضوابط الربا للمشيقح.
تاسعاً:
إذا اشتريت شيئًا فلا يجوز لك أن تبيعه قبل قبضه.
والمعتبر في كيفية القبض إلى العرف، والخلاف الحاصل بين الفقهاء فيما يكون قبضاً ، إنما مرجعه إلى اختلاف الأعراف، وتنوع الأموال .
إذا كان المعقود عليه في التعاقد الإلكتروني سلعة إلكترونية، فيتحقق قبضها بالنقل والتحويل من جهاز البائع، إلى جهاز المشتري كالأفلام والصور والبرامج .
انظر: إجابة رقم: (238814)، " فتاوى اللجنة الدائمة" – 1 (16/247)، التجارة الالكترونية وأحكامها في الفقه الإسلامي.
الحوالات جائزة بمقابل في حدود الأجر الفعلي، أو دون مقابل. فإذا كانت بمقابل، فهي وكالة بأجر .
وإذا كان المطلوب في الحوالة دفعها بعملة مغايرة، فإن العملية تتكون من صرف وحوالة ، وتجري عملية الصرف قبل التحويل، وذلك بتسليم العميل المبلغ للبنك، وتقييد البنك له في دفاتره، بعد الاتفاق على سعر الصرف المثبت في المستند المسلم للعميل، ثم تجري الحوالة بالمعنى المشار إليه .
انظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة رقم: 84 (1/9). (ص: 137).
عاشرًا:
الشركة:
1. يشترط في عقد الشراكة أن يكون نصيب كل شريك من الربح محددًا بنسبة مشاعة معلومة، مثل: الثلث أو الربع ...الخ. فلا يصح أن يكون الربح مقدرا بالمال: كألف أو ألفين ريال.
2. ويتحمّل كل واحد من الخسارة على قدر ما يملك في الشركة من رأس مال؛ فمن له نصف الشركة؛ فعليه نصف الخسارة،... وهكذا. وإن كان من شخص المال، ومن الآخر العمل (شركة المضاربة): فالخسارة من رأس المال، وليس على العامل شيء.
حادي عشر:
إذا كنت تَعْرِض عبر الإنترنت سلعًا أو بضائع مملوكة لمؤسسة، وهذه البضائع موجودة عند المؤسسة، وكان سعر السلعة لدى المؤسسة مثلاً (20) ريالاً، وأنت تبيعها بسعر أعلى تختاره أنت، كأن تبيعها بـ(25) ريالاً، ويقوم المشتري بتحويل المبلغ كاملاً إلى حساب المؤسسة مباشرة (المالك الأصلي)، ثم تقوم المؤسسة بتحويل فرق السعر إليك (وهو 5 ريالات) باعتباره أجرتك على البيع، فلا حرج في ذلك، لأنك في هذه الحالة وكيل عن المؤسسة، وتستحق الأجرة مقابل الوكالة، وهي مثل قول المالك لآخر : بع هذا بكذا، فما زاد فهو لك، والراجح جواز ذلك، والله أعلم، لقول ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : "لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ بِعْ هَذَا بِكَذَا وَكَذَا، فَمَا زَادَ فَلَكَ". رواه الإمام عبد الرزاق في "مصنفه" (7/30) رقم (15842)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (4/ 302) رقم (20397)، وراه البخاري معلقاً بصيغة الجزم في "باب أَجْرِ السَّمْسَرَةِ من صحيح البخاري"(3/120). وقال البخاري بعدها:
"وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ إِذَا قَالَ بِعْهُ بِكَذَا فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهْوَ لَكَ ، أَوْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ: فَلاَ بَأْسَ بِهِ
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ " انتهى.
والأثر عن ابن عباس صحيح كما فيما صح من آثار الصحابة في الفقه (2/ 923).
قال الإمام عبد الرزاق في "مصنفه" (7/30): "أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَأَيُّوبَ، وَابْنِ سِيرِينَ: كَانُوا لاَ يَرَوْنَ بِبَيْعِ الْقِيمَةِ بَأْسًا، أَنْ يَقُولَ: بِعْ هَذَا بِكَذَا وَكَذَا، فَمَا زَادَ فَلَكَ" انتهى.
وكذا رواه عبد الرزاق بسنده عن الحسن البصري والشعبي. رحم الله الجميع.
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/86) : " إذا قال : بع هذا الثوب بعشرة , فما زاد عليها فهو لك: صح , واستحق الزيادة ، وقال الشافعي : لا يصح .
ويدل لصحة هذا : أن ابن عباس كان لا يرى بذلك بأسا , ولأنه يتصرف في ماله بإذنه , فصح شرط الربح له , كالمضارب والعامل في المساقاة " انتهى .
وانظر: فتوى: (121386).
ثاني عشر:
هناك رسالة دكتوراه بعنوان: (التجارة الالكترونية وأحكامها في الفقه الإسلامي)، د. سلطان بن إبراهيم الهاشمي، توصل الباحث إلى نتائج ، منها:
١. خيار المجلس: يحق لكل من العاقدين فسخ العقد ما داموا في مجلس العقد ولم يتفرقوا بأبدانهم، أو أن يخير أحدهما الآخر فيلزم العقد.
٢. رجحنا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء والصحابة والتابعين في إثبات خيار المجلس للعاقدين، ما داموا في مجلس العقد ولم يتفرقوا.
٣. ينتهي خيار المجلس في التعاقد الإلكتروني المباشر عند اختيار لزوم العقد، أو عند التفرق وفق ما يقتضيه العرف، مثل انقطاع الاتصال، أو الانصراف بعد إتمام العقد.
٤. في التعاقد الإلكتروني غير المباشر، ينتهي خيار المجلس بمجرد اطلاع الموجِب على القبول، وعدم الرد منه.
٥. خيار العيب: هو ما يوجب نقصان الثمن عند التجار عند وجود عيب في المبيع.
٦. اتفق الفقهاء على أن المشتري إذا وجد عيبًا في المبيع، ولم يكن عالمًا به، له الخيار بين الإمساك بالبيع أو فسخه.
7. الأسماء الشخصية الإلكترونية، أسماء النطاقات، والعلامات التجارية عبر الوسائط الإلكترونية: تُعد منفعة ومالًا شرعيًا يمكن التملك به.
8. اختلف الفقهاء في صحة بيع الغائب، ورجحنا صحة بيع الغائب مع الوصف، أو على صفة تكفي في صحة السلم.
9. المبيع عبر الوسائط الإلكترونية غالبًا يمكن تخريجه فقهًا على بيع الغائب على الصفة، وبعض المبيعات يمكن تخريجها على بيع الأنموذج.
١0. رؤية المبيع بالصور لا تعتبر رؤية حقيقية كالرؤية بالعين المجردة، بسبب احتمال الغش، التضليل، التكبير أو التصغير، وإخفاء العيوب، وإنما هي زيادة في الوصف وتقريب للرؤية الحقيقية.
١1. رسوم المزادات الإلكترونية تشمل رسوم الإدراج والقيمة النهائية، وقد خُرجت القيمة النهائية على أنه أجرة عمل للسمسار بحسب قول المالكية.
والله أعلم.