نعم هناك أدلة تدل على تقديم الأب على الابن في النكاح ، واستدل بها جمهور العلماء ، ولكنها ليست نصا صريحا في المسألة ، وإنما هي استنباطات من الآيات القرآنية ، مع الاستدلال بشيء من النظر والتعليل ، وهي اجتهادات مقبولة ، ولذلك أخذ بها جمهور العلماء ، فمن ذلك :
1 ـ أنّ الولد موهوب لأبيه، كما قال تعالى: (وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى) [سورة الأنبياء / 90].
وقول زكريَّا عليه السلام: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَة) سورة آل عمران / 38.
وقول إبراهيم عليه السلام: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاق) [سورة إبراهيم/ 39] ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك) رواه ابن ماجه (2291) ، وصححه الألباني في "الإرواء" (838).
وولاية الموهوب له، على الهبة: أولى من العكس . انظر: المغني (7/ 11).
2ـ أنّ الأب أكمل نظراً، وأشدّ شفقة على ابنته، ممّا يحمله على طلب الحظّ لها أكثر من غيره.
انظر: "المبسوط" للسرخسي (4/ 401) ، و"التكملة الثانية للمجموع" (16/155) .
وقد يكون الابن ضعيف الشخصية أو النظر؛ لصغر سنه ولضعف خبرته، لا يقدر أحيانًا على مخالفة أمه، فربما خدع الخاطبُ أمَّه بكلامه، وأغراها بالوعود، فتنخدع، وتضغط على ابنها للموافقة، وهو لا يملك حيلة ولا قوة، فيقع بعد ذلك ما لا تُحمد عقباه، كما هو مشاهد في الواقع.
3- أنّ الأب يلي ولده في صغره، وفي سفهه وجنونه، فيليه في سائر ما يثبت عليه من الولاية، ولذلك اختص بولاية المال، وجاز له أن يشتري لها من ماله، وله من مالها، إذا كانت صغيرة، بخلاف غيره. انظر: "المغني" (7/ 11).
4ـ أنّ في الولاية نوعاً من الاحتكام، واحتكام الأصل على فرعه أولى من العكس؛ بخلاف الميراث؛ فإنّه لا يعتبر له نظر، ولهذا يرث الصغيرُ المجنونُ، وليس فيه احتكام ولا ولاية على الموروث، بخلاف ولاية النِّكاح .انظر: "المغني" (7/ 11).
5ـ أنّ الأب من قومها، والابن ليس كذلك، فهو ينسب إلى أبيه، فاستحقّ الأب الولاية؛ لقوّة قرابته. انظر: "بدائع الصنائع" (2/ 250).
وذهب الشافعية إلى أن الابن لا ولاية له في النكاح، واستدلوا:
1 ـ أنّ الولاية في النِّكاح تثبت للأولياء لدفع العار عن النَّسب، ولا نسب بين الابن وأمّه، فالقرابة بينهما لا ينسب أحدهما بسببها إلى الآخر، ولا يُنسبان أيضاً إلى من هو أعلى منهما، فلم يكن له ولاية عليها، كابن الأخت والأخ للأمّ. انظر: "مغني المحتاج" (3/ 151).
2- أنّ الولاية في النِّكاح إنّما شرعت طلباً لحظّ المرأة والإشفاق عليها، والابن يعتقد أنّ تزويجه أمّه عار عليه، فلا يطلب لها الحظّ؛ لأنّ طبعه ينفر من ذلك، فلا يستحقّ ولاية نكاحها. انظر: "تكملة المجموع شرح المهذب" (16/ 156)، "مغني المحتاج" (3/ 151).
وللاستزادة: انظر: "بحث الولاية في النكاح" - رسالة ( ماجستير )- د. عوض العوفي (2/ 80، 86-95).
والله أعلم.