أولاً:
لا يجوز لك أن تحادث هذه الفتاة، أو تراسلها؛ لأنها أجنبية عنك، وإذا أردت خطبتها، فكان عليك أن تسلك المسلك الشرعي، وأن تأتي البيوت من أبوابها، وتخطبها قبل أن يخطبها غيرك من قِبَل أوليائها.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" رقم (8593) 17/67:
"لا تجوز المراسلة بينك وبين شاب غير مَحْرَم لك، بما يعرف بركن التعارف، لأن ذلك مما يثير الفتنة ويفضي إلى الشر والفساد" انتهى .
وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله :
إذا كان الرجل يقوم بعمل المراسلة مع المرأة الأجنبية وأصبحا متحابين هل يعتبر هذا العمل حراماً ؟ .
فأجاب :
لا يجوز هذا العمل؛ لأنه يثير الشهوة بين الاثنين ، ويدفع الغريزة إلى التماس اللقاء والاتصال، وكثيرا ما تُحْدِثُ تلك المغازلة والمراسلة فتنًا، وتغرس حب الزنى في القلب ، مما يوقع في الفواحش أو يسببها ، فننصح من أراد مصلحة نفسه حمايتها عن المراسلة والمكالمة ونحوها ، حفظا للدين والعرض ، والله الموفق . انتهى من " فتاوى المرأة المسلمة " ( 2/578 ، 579 ) .
انظر: فتوى رقم: (45668).
ثانياً:
اعلم ـ رحمك الله ـ أن العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة الأجنبية ليست سبيلاً للخطبة، ولا طريقًا للزواج، بل هي باب من أبواب الفتنة.
قال الله تعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) الأحزاب/32.
فنهى الله نساء النبي صلى الله عليه وسلم عن مجرد اللين في الكلام، خشية أن يطمع فيهن من في قلبه مرض، فالعلة ليس في مجرد سماع الصوت؛ بل في طمع القلب لما حرمه الله، فكيف بمن يتبادل الرسائل العاطفية، والضحكات، والهمسات، وربما صورًا وكلمات تحمل عاطفةً وشوقًا؟
أتظن قلبك أقوى من قلوب الصحابة الذين تربوا على الوحي؟
فإن كان الله قد حذّر أطهر نساء الأمة من مجرد اللين في الخطاب، فما بالك بمن جعل من المحادثة المتكررة عادةً، ومن الرسائل ستارًا يغطي ضعف القلب وغفلته؟
ثم سل نفسك بصدق:
هل ترضى أن يراسل رجل أختك أو ابنتك أو قريبتك بحجة "النية الطيبة"؟
إن قلت: لا أرضى، فكيف ترضاه لبنت الناس؟
وإن قلت: أرضى، فاعلم أنك قد سُلبتَ غيرةَ المؤمن التي هي عنوان الرجولة والإيمان.
يا من تخشى الله .. كم من فتاة تعلّق قلبها برجلٍ ، ثم تركها مكسورةً بين أهلها، لا يدرون سرّ حزنها، ولا سبب رفضها للخُطّاب!
وكم من بيتٍ تفكّك لأن علاقةً كهذه بدأت بـ"نية الخطبة"، وانتهت بدموع الندم!
فأنت تظلم أسرتها، وتفسد علاقتها بوليّها، وربما تحملها على عصيان أهلها ورفض الخطبة بغير سببٍ شرعي.
فكم من بيتٍ تهدّم، وكم من فتاةٍ حُرمت الاستقرار، بسبب رجلٍ لم يتقِ الله في مراسلتها، وقال: "أحبها وأريدها بالحلال"!!
فإياك أن تحمل يوم القيامة ذنوبَ هذه الفتاة، وآلامَ أهلها، ومظالمَ القلوب التي جرحتها باسم الحب.
تب إلى الله قبل أن يأتي يوم لا تنفع التوبة فيه.. واعلم أن الحياة دين؛ وكما تدين تدان.
ثالثاً: اعلم ـ رحمك الله ـ أن هذه الفتاة قد خُطبت لرجلٍ آخر، وقد قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( َلا يَخْطُبْ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ ، أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ) رواه البخاري (5142) ومسلم (1412).
فكيف ترضى أن تراسل من هي في حكم المخطوبة، وأن تتحدث إليها سرًّا وقد علمت أن وليّها وافق على رجلٍ تقدّم إليها ؟
إن في بقائك على تواصل معها تعديًا صريحًا على حدود الله، وإفسادًا بين القلوب، وعبثًا بعلاقةٍ لا تحل لك شرعًا، ولا تليق بمؤمنٍ يخاف مقام ربه.
فاتقِ الله، واقطع هذه العلاقة فورًا، واستغفر ربك، وادع الله وارجُ أن يطهّر قلبك من هذا التعلّق المحرّم.. فمن ترك شيئًا لله، عوّضه الله خيرًا منه.
وربّ حُبٍّ تنزعه اليوم من قلبك، يعوّضك الله به سكينةً وسرورًا في غدك. (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق/ 2-3].
رابعاً:
نعم يحرم على ولي المرأة أن يجبرها على الزواج بمن لا ترغب به ولا ترضاه.
ولكن لا دخل لك في هذا .. وليس هذا من شأنك .. فكفاك إفساداً لقلبها..
أما دعاؤك بأن الله تعالى يصرفها عن خطيبها ويجعلها لك، فهذا اعتداء في الدعاء لا يجوز.
وانظر: فتوى: (331219).
فالواجب عليك أن تقطع علاقتك بهذه الفتاة ، وأن تحذف رقمها، ومعرفاتها الخاصة بها: من قوائمك. واقطع كل سبيل للتواصل بينكما.
ثم دع عنك أن أهلها أجبروها، أو لم يجبروها؛ فهذا ليس من شأنك أنت، وليست لك صفة لتتكلم فيه، أو تبحث عنه؛ فدع ذلك لأهله، وأوليائه.
ولا يدري الإنسان ما الخير له؟ (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة/216 . فلا تدري إذا تزوجتها أيكون ذلك خيرا لك أم لا ؟
فقد يكون الله تعالى صرفها عنك لمصلحتك ، وإرادةً للخير لك .انظر: فتوى رقم: (131768).
واعلم أن النساء كثير، والخير أكثر.. وأكثر من دعاء الله تعالى؛ فهو القريب السميع المجيب.
نسأل الله أن يبدلك خيراً منها امرأة تملأ قلبك وعقلك، وتعينك على طاعة الله، في عيش طيب مبارك، وأن يتمم زواج المرأة على خير، ويكتب لها التوفيق والوئام والعيش الطيب المليء بالإيمان.
والله أعلم.