0 / 0
2622/ذو الحجة/1446 الموافق 18/يونيو/2025

هل يجوز إخراج كفارة اليمين تحوطا لأن يكون عليه يمين لم يكفرها وإلا فهي صدقة؟

السؤال: 565065

عندي سؤال، أنا طوال حياتي حلفت كثيرا، ونقضت حلفي، وربما لديّ كفارات أخرى لا أعلم عددها، ولا أعلم إن كان في ذمتي، فهل يجوز أن أخرج كفارات إطعام، وأنوي بها أن تكون كفارة، وأن لم يكن عليّ كفارة فهي صدقة؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولاً:

ينبغي للمسلم أن يحفظ لسانه عن كثرة الأيمان .

قال الله تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ المائدة/ 89.

قال البغوي رحمه الله: " أَرَادَ بِهِ تَرْكَ ‌الْحَلِفِ، أَيْ: لَا تَحْلِفُوا" انتهى من "تفسير البغوي" (3/ 93).

وقال القاسمي رحمه الله:

"‌والحكمة ‌في ‌الأمر ‌بتقليل ‌الأيمان: ‌أنّ ‌من ‌حلف ‌في ‌كل ‌قليل ‌وكثير ‌بالله، ‌انطلق ‌لسانه ‌بذلك. ‌ولا ‌يبقى ‌لليمين ‌في ‌قلبه ‌وقع. فلا يؤمَن إقدامه على اليمين الكاذبة. فيختل ما هو الغرض الأصلي في اليمين" انتهى من "تفسير القاسمي" (2/ 129).

وقال تعالى: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) القلم/ 10.

قال ابن قدامة رحمه الله: "ويكره الإفراط في ‌الحلف بالله تعالى، لقول الله تعالى: ولا تطع كل حلاف مهين وهذا ‌ذم ‌له ‌يقتضي ‌كراهة ‌فعله" انتهى من "المغني" (13/ 439).

ثانياً:

من حلف أيماناً كثيرة على أمور متعددة، فعند جمهور العلماء تلزمه كفارات بقدر الأيمان التي حنث فيها، وقد سبق بيان ذلك مفصلا في الفتوى: (89677).

ومن حلف أيمانا كثيرة لا يستطيع تذكرها، فإنه يقدر ذلك تقديرا ويعمل بغلبة ظنه، ويخرج كفارات بقدر ذلك التقدير وبه تبرأ ذمته.

وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:

ما حكم من حلف أيمان كثيرة، ولكنه لا يعلم عدد هذه الأيمان، وحالته المادية متوسطة؟ فماذا عليه أن يفعل إذا أراد أن يكفر عن أيمانه السابقة؟

فأجاب:

يتحرى، ويعمل بظنه، ويكفر عنها كلها، إذا كانت على أفعال متعددة، مثل: والله ما يسافر، والله ما يكلم فلانًا، والله ما يأكل طعام فلان، على أفعال، يتحرى إذا كان ما يضبطها يتحرى ويعمل بظنه، ويكفر عنها.

أما إذا كان يعلمها؛ يكفر عنها كلها، أما إذا كان شك فيها والتبس عليه الأمر يتحرى، إذا غلب على ظنه أنها سبع، سبع، غلب على ظنه أنها عشر، عشر، وهكذا" انتهى

ثالثاً:

وإذا كان تقديرك أنّ هذه الأيمان كثيرة جدا، ولا تستطيعين تقديرها، أو كان من المشقة الكبيرة التكفير عنها، فإنّ بعض أهل العلم يرى أنّ من حلف أيمانا كثيرة، ثم حنث فيها ولم يكفر، ففيها جميعا كفارة واحدة. وهو قول الإمام أحمد بن حنبل، وهو المعتمد في مذهب الحنابلة.

فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "إذا أقسمت مراراً فكفارة واحدة. وروى عبد الرَّزَّاق عن معمر عن الزهري، عن سالم قال: ربما قال ابن عمر البعض بنيه: "لقد حفظتُ عليك في هذا المجلس أحد عشر يميناً، ولا يأمره بتكفير". قال عبد الرزاق: يعني تكفيه كفارة واحدة.

وسئل الإمام أحمد: "قلت من يحلف على أمور شتى، أو على شيء واحد مراراً، وفي مجلس أو في مجالس؟

قال: ما لم يكفّر؛ فهو كفارة واحدة" انتهى من "مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه" (5/ 2439).

قال ابن قدامة رحمه الله:

"وإن ‌حلف أيماناً على أفعال فقال: والله لا أكلت، والله لا شربت، والله لا لبست، ففيه روايتان:

إحداهما: يجزئه عن الجميع ‌كفارة واحدة، اختارها أبو بكر والقاضي؛ لأنها كفارات من جنس واحد، فتداخلت، كالحدود.

والثانية: يجب في كل يمين ‌كفارة، وهو ظاهر قول الخرقي؛ لأنها أيمان لا يحنث في إحداهن بالحنث في الأخرى، فوجبت في كل يمين كفارتها، كالمختلفة الكفارة. قال أبو بكر: المذهب الأول" انتهى من "الكافي في فقه الإمام أحمد" (4/ 195).

وقال ابن النجار رحمه الله:

"ومن لزمته أيمان مُوجَبُها واحد، ولو على أفعال على الأصح، كقوله: والله لا أكلت، والله لا شربت، والله لا أعطيت، والله لا أخذت، قَبْل تكفيرٍ: ‌فكفارة ‌واحدة. نص على ذلك في رواية ابن منصور" انتهى من "شرح منتهى الإرادات" (11/ 106).

وجاء في "نيل المآرب بشرح دليل الطالب" (2/ 426):

"ومن حنث، ‌ولو ‌في ‌ألف ‌يمينٍ ‌بالله تعالى، ولم يكفر: فكفارةٌ واحدة ولو على أفعال مختلفةٍ، كقوله: والله لا أكلت. والله لا شربت. والله لا لبست" انتهى.

لكن الذي ينبغي عليكِ، على كل حال: أن تحفظي أيمانك فيما تستقبلين من أمرك، ولا تكثري الحلف، صادقة ولا كاذبة، بارة، ولا حانثة.

رابعاً:

يجوز لكِ أن تعلقي النية عند عدم التأكد، أو التردد، هل بقي عليك كفارات أوْ لا، عند إخراج الكفارات؛ فتنوين: أنه إن كان في ذمتك كفارة، فهي هذه. وإلا، فهي صدقة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وتصح النية المترددة ، كقوله إن كان غدا من رمضان فهو فرض ، وإلا فهو نفل ؛ وهو إحدى الروايتين عن أحمد " انتهى من "الاختيارات" (ص 95).

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

"امرأة عليها قضاء من رمضان، ولكنها شكت هل هي أربعة أيام أم ثلاثة، والآن صامت ثلاثة أيام فماذا يجب عليها؟

فأجاب رحمه الله تعالى:

"إذا شك الإنسان فيما عليه من واجب القضاء، فإنه يأخذ بالأقل؛ فإذا شكَّت المرأة أو الرجل هل عليه قضاء ثلاثة أيام أو أربعة، فإنه يأخذ بالأقل لأن الأقل متيقن، وما زاد مشكوك فيه، والأصل براءة الذمة.

ولكن مع ذلك؛ الاحوط أن يقضي هذا اليوم الذي شك فيه، لأنه إن كان واجب عليه فقد حصلت براءة ذمته بيقين، ‌وإن ‌كان ‌غير ‌واجب ‌فهو ‌تطوع، والله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا" انتهى من "فتاوى نور على الدرب للعثيمين" (11/ 2 بترقيم الشاملة).

وقال رحمه الله:

"الصواب في هذه المسألة: إذا قال إن كان غداً من رمضان، فصومه فرض، وإلا فنفل= أنه ينعقد؛ لقوله النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير (فإن لك على ربك ما استثنيتي) وهذا في العبادة، وكما علمتم أنه يجوز الاستثناء في الدعاء أيضاً.

فالصواب جواز ذلك" انتهى من "تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة" (3/ 164 بترقيم الشاملة).

والله أعلم.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
هل يجوز إخراج كفارة اليمين تحوطا لأن يكون عليه يمين لم يكفرها وإلا فهي صدقة؟ - الإسلام سؤال وجواب