حفظ
  • قائمة جديدة
المزيد
    حفظ
    • قائمة جديدة
35523/ذو القعدة/1446 الموافق 21/مايو/2025

ما صحة الحديث الذي يندب المرأة لمراضاة زوجها وإن كان ظالما لها؟

السؤال: 564701

لدي إشكال في حديث: (ألا أخبركم بنسائكم في الجنة التي إذا ظلمت أو ظلمت قالت: لا أذوق غمضا حتى ترضي)
أريد أن أعرف كيف تكون هي المظلومة، ولكن هي من تعتذر، أليس هذا كثير عليها؟ وقد قرأت خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سامح رجلا أذاه لكن لم يستطع أن يرضي عنه، فكيف نكلف بما لم يستطع فعله الرسول صلى الله عليه وسلم؟

ملخص الجواب

هذا الحديث ليس له إسناد صحيح، وتحمّل المرأة لتجاوز زوجها، وصبرها على غضبه وكتم غيظها، هذا كله من الأعمال الفاضلة التي يرجى عليها عظيم الأجر في الجنة، ولا يعني ذلك أن للزوج أن يتساهل في ايذاء زوجته، أو يتعمد التقصير في حقها، بل هو مأمور شرعا بإحسان معاملة زوجته.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولا:

هذا الخبر روي عن عدد من الصحابة:

روي من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه:

رواه أبو يعلى الموصلي كما في "إتحاف الخيرة" (4 / 11)، و"المطالب العالية" (8 / 247)، والطبراني في "المعجم الكبير" (19 / 140) وفي "المعجم الأوسط" (6 / 11): عَنْ سَعِيد بْن خُثَيْمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ السَّرِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، الْوَدُودُ الْوَلُودُ ‌الَّتِي ‌إِذَا ‌ظَلَمَتْ ‌أَوْ ‌ظُلِمَتْ قَالَتْ: لَا أَذُوقُ غَمْضًا حَتَّى تَرْضَى.

وقال الطبراني في "الأوسط": " لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الشَّعْبِيِّ إِلَّا السَّرِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَلَا عَنْ سَرِيٍّ إِلَّا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الضَّبِّيُّ، تَفَرَّدَ بِهِ سَعِيدُ بْنُ خُثَيْمٍ، وَلَا يُرْوَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ " انتهى.

وهذا إسناد ضعيف؛ لأن السَّريّ بن إسماعيل: متروك الحديث.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

"‌السري ‌بن إسماعيل عن الشعبي، قال القطان: استبان لي كذبه في مجلس واحد. وقال النسائي: متروك. وقال غيره: ليس بشيء " انتهى. "المغني في الضعفاء" (1 / 252 – 253).

وقال الهيثمي رحمه الله تعالى:

" رواه الطبراني في "الكبير"، و"الأوسط"، وفيه السري بن إسماعيل، وهو متروك " انتهى. "مجمع الزوائد" (4 / 312).

وقال البوصيري رحمه الله تعالى:

" هذا إسناد ضعيف، السّريّ بن إسماعيل ضعّفه أحمد بن حنبل وابن معين وأبو حاتم والسّاجيّ وأبو داود والنّسائيّ وابن عدي وغيرهم " انتهى. "إتحاف الخيرة المهرة" (4 / 11).

وورد من حديث ابن عباس رضي الله عنه:

رواه النسائي في "السنن الكبرى" (8 / 251)، وابن أبي الدنيا في "النفقة على العيال" (2 / 723)، وفي "مداراة الناس" (ص147)، والطبراني في "المعجم الكبير" (12 / 59): عَنْ خَلَف ابْن خَلِيفَة، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْوَدُودُ، الْوَلُودُ، الْعَؤُودُ عَلَى زَوْجِهَا، الَّتِي ‌إِذَا ‌آذَتْ ‌أَوْ ‌أُوذِيَتْ، جَاءَتْ حَتَّى تَأْخُذَ بَيْدَ زَوْجِهَا، ثُمَّ تَقُولُ وَاللهِ لَا أَذُوقُ غَمْضًا حَتَّى تَرْضَى.

وخلف ‌بن خليفة، اختلط، ولا يعرف هل هذا الخبر سُمِع منه قبل الاختلاط أم بعده.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

" ‌خلف ‌بن خليفة الأشجعي: عن محارب بن دثار صدوق. شيخ كذبه ابن عيينة في كونه رأى عمرو بن حريث. فالله أعلم. وقال محمد بن سعد: ثقة، تغير قبل موته واختلط " انتهى. "المغني في الضعفاء" (1 / 212).

ولخص حاله الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، بقوله:

" خلف ‌بن ‌خليفة بن صاعد الأشجعي، مولاهم، أبو أحمد الكوفي، نزل واسط ثم بغداد: صدوق اختلط في الآخر، وادعى أنه رأى عمرو ابن حريث الصحابي، فأَنْكر عليه ذلك ابنُ عيينة وأحمد " انتهى. "تقريب التهذيب" (ص194).

وخلف بن خليفة قد تابعه عمرو بن خالد، عند الطبراني في "المعجم الكبير" (12 / 59)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (11 / 172): عَنْ عَمْرو بْن خَالِدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ … فذكره بإسناده ومعناه.

لكن عمرا بن خالد هذا متهم بالكذب والوضع.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

"عمرو ‌بن ‌خالد القرشي الواسطي عن زيد بن علي عن آبائه: كذبه أحمد والدارقطني، وقال وكيع: كان في جوارنا، يضع الحديث، ثم تحول إلى واسط " انتهى. "المغني في الضعفاء" (2 / 483).

فلذا قال البيهقي رحمه الله تعالى عقب الحديث: " إلاّ أنّ هذا إسناد ضعيف بمرة " انتهى.

وقال الهيثمي رحمه الله تعالى:

" رواه الطبراني، وفيه عمرو بن خالد الواسطي، وهو كذاب " انتهى. "مجمع الزوائد" (4 / 313).

وورد من حديث أنس رضي الله عنه:

رواه الطبراني في "المعجم الصغير" (1 / 89)، وفي "المعجم الأوسط " (2 / 206): عن إِبْرَاهِيم بْن زِيَادٍ الْقُرَشِيّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ فِي الْجَنَّةِ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: كُلُّ وَدُودٍ وَلُودٍ ‌إِذَا ‌غَضِبَتْ ‌أَوْ ‌أُسِيءَ ‌إِلَيْهَا قَالَتْ: هَذِهِ يَدِي فِي يَدِكَ، لَا أَكْتَحِلُ بِغَمْضٍ حَتَّى تَرْضَى.

ثم قال الطبراني رحمه الله تعالى:

" لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ إِلَّا إِبْرَاهِيمُ هَذَا، وَلَا يُرْوَى عَنْ أَنَسٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ " انتهى.

قال الهيثمي رحمه الله تعالى:

" رواه الطبراني في "الصغير"، و"الأوسط"، وفيه إبراهيم بن زياد القرشي قال البخاري: لا يصح حديثه.

فإن أراد تضعيفه فلا كلام، وإن أراد حديثا مخصوصا فلم يذكره، وأما بقية رجاله فهم رجال الصحيح " انتهى. "مجمع الزوائد" (4 / 312).

وقد ذكره العقيلي في "الضعفاء الكبير" (1 / 53).

وقال الذهبي رحمه الله تعالى:

" إبراهيم بن زياد القرشي: قال البُخاري: لا يصح إسناده. قلت: ولا يعرف من ذا " انتهى. "ميزان الاعتدال" (1 / 71).

فالحاصل؛ أن هذا الخبر ليس له إسناد صحيح، فأسانيده لا تخلو من متروك، أو متهم، أو مجهول، أو مختلط لا يُدرى متى سُمع منه الخبر.

ثانيا:

على أنه إذا قدر أن هذا الحديث صحيح ثابت، أو حسن، ولو لغيره، كما ذهب إليه بعض أهل العلم؛ فليس في الحديث إشكال من حيث المعنى، ولا فيه تكليف للمرأة أن تعتذر هي لزوجها، وإن كان مخطئا؛ بل فيه ذكر لمنزلة عالية من منازل النساء، وعدها عليها الكريم في الجنة، وهي المتحببة إلى زوجها، التي لا تنتصف منه، ولا تنتصر منه إذا ظلمها، بل تعفو، وتصفح، وتبدأ هي بالسلام، وإرضاء زوجها، والتحبب إليه، وإن كان هو المخطئ.

ومنزلة العفو، والصفح، وكظم الغيظ، والصبر على الأذى، كل هذه من منازل الصالحين، التي وعد الله أهلها بالجنان، حتى ولو لم يكن ذلك بين الأزواج.

قال الله تعالى: وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ 133 ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ [آل عمران: 133-134].

وقال تعالى: وَجَزَٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ 40 وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعۡدَ ظُلۡمِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَا عَلَيۡهِم مِّن سَبِيلٍ 41 إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظۡلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبۡغُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ 42 وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ 43 [الشورى: 40-43].

فانظر كيف جمعت هذه الآيات الكريمة بين المقامين، وجعلتهما من مقامات أهل الإيمان:

مقام العدل، ومقابلة السيئة بمثلها، والانتصار من الظالم. وهذه منزلة المقتصدين.

ثم ندبت إلى منزلة أعلى منها، وهي الصبر على إساءة المسيء وأذاه.

بل جاء الحث والندب، على الصبر على الأذى، وكظم الغيظ فحسب؛ بل على مقابلة الإساءة بالإحسان. قال الله تعالى: وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ 34 وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٖ 35 وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ [فصلت: 34-36].

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) أي: من أساء إليك، فادفعه عنك بالإحسان إليه كما قال عمر رضي الله عنه: ما عاقبتَ من عصى الله فيك، بمثل أن تطيع الله فيه.

وقوله عز وجل: ( الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ )، وهو الصديق إذا أحسنت إلى من أساء إليك، قادته تلك الحسنة إليه، إلى مصافاتك ومحبتك، والحنو عليك، حتى يصير كأنه ولي لك حميم؛ أي: قريب إليك، من الشفقة عليك، والإحسان إليك.

‌‌ثم قال: ( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا ) أي: وما يقبل هذه الوصية ويعمل بها، إلا من صبر على ذلك، فإنه يشق على النفوس ( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ )، أي: ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والآخرة " انتهى. "تفسير ابن كثير" (6/529).

ولا شك أن تحمّل المرأة لتجاوز زوجها، وصبرها على غضبه وكتم غيظها، هذا كله من الأعمال الفاضلة التي يرجى عليها عظيم الأجر من الجنة ومحبة الله تعالى وعونه، وهي أولى بأن تندب إلى العفو عن زوجها، والإحسان إليه، لما بنيهما من وثيق الرباط، ولما في إصلاح ما بين الزوجين من المصالح العظيمة، والمقاصد الجليلة المعتبرة في الشرع الحنيف.

ثالثا:

وأما قولك: " وقد قرأت خبر عن النبي أنه سامح رجلا اذاه لكن لم يستطتع ان يرضي عنه فكيف نكلف بما لم يستطع فعله الرسول؟ ".

فلعلك تقصدين قصة وحشي قاتل حمزة رضي الله عنهما.

كما عند البخاري (4072): عن جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، قالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيارِ، فَلَمَّا قَدِمْنا حِمْصَ، قالَ لِي عُبَيْدُ اللَّهِ: هَلْ لَكَ فِي وَحْشِيٍّ، نَسْأَلُهُ عن قَتْلِ حَمْزَةَ؟ [فكان مما قال لهما]: " … فَأَقَمْتُ بِمَكَّةَ حَتَّى فَشا فيها الإِسْلَامُ، ثُمَّ خَرَجْتُ إلى الطَّائفِ، فَأَرْسَلُوا إلى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَسُولًا، فَقِيلَ لِي: إِنَّهُ لَا يَهِيجُ الرُّسُلَ. قالَ: فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ على رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَآنِي قالَ: آنْتَ وَحْشِيٌّ؟" قُلْتُ: نَعَمْ. قالَ: أَنْتَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ؟ قُلْتُ: قَدْ كانَ مِنَ الأَمْرِ ما بَلَغَكَ. قالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ وَجْهَكَ عَنِّي؟ ".

فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما طلب منه أن يغيب عن بصره حتى لا يراه؛ لأن المصيبة بقتل حمزة كانت عظيمة، وسيتذكرها كلما رأى وحشيا، فكان الأفضل أن يغيب وحشي عن بصر النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

"وقوله: ( هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ وَجْهَكَ عَنِّي ؟ ) في هذا إشكال على من قل علمه، فإنه يقول: إذا كان الإسلام يجب ما قبله، فما وجه هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهو قول يشبه موافقة الطبع، وأين الحلم؟

والجواب: أن الشرع لا يكلف نقل الطبع، إنما يكلف ترك العمل بمقتضاه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كلما رأى وحشيا ذكر فعله فتغيظ عليه بالطبع، وهذا يضر وحشيا في دينه، فلعله أراد اللطف في إبعاده " انتهى. "كشف المشكل" (4/177).

وقال ابن الملقن رحمه الله تعالى:

"وقوله لوحشي: (  فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ وَجْهَكَ عَنِّي؟ ) فيه ما كان عليه من الرفق، وأن المرء يكره أن يرى قاتل وليه." انتهى. "التوضيح" (21/181).

وهذا أمر يختلف عن مسألة إظهار الزوجة عدم الرضا عن زوجها، فإن هذا التصرف منها يلقي بين قلبها وقلب زوجها بمرور الأيام النفرة والتباغض والتخاصم، وأما الصبر على أذى الزوج ومقابلة الاساءة بالاحسان، فكثيرا ما يولد المحبة ويحسّن من تصرفات الزوج.

رابعا:

حث المرأة على الصبر على زوجها ومراضاته، لا يعني أن للزوج أن يتساهل في ايذاء زوجته، أو يتعمد التقصير في حقها، بل هو مأمور شرعا بإحسان معاملة زوجته.

قال الله تعالى:

وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا النساء/19.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" وقوله: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ )، أي: طيِّبوا أقوالكم لهن، وحسِّنوا أفعالكم، وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ )، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي )، وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة؛ دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقته، ويضاحك نساءه " انتهى. "تفسير ابن كثير" (2 / 242).

وظلمه لها يعرضه لخطر العقوبة، فإن ظلمها فعليه أن يسارع لطلب عفوها.

عن أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ رواه البخاري (6534).

قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:

" فالمؤمن يعتني بزوجته ويكرمها، ويحسن عشرتها ولا يظلمها، هذا هو الواجب عليه، ألا يظلمها لا في نفسها، ولا في مالها، ولا في عرضها، فإذا ظلمها، خَصْمه الله، خصم الظالمين الرَّب عز وجل، هو الذي يجازيهم بما يستحقون، كما قال عز وجل: ( وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا )، قال سبحانه: ( وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ )، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: ( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطى بي ثم غدر- يعني عاهد ثم غدر- ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه، ولم يعطه حقه )، خرجه البخاري في الصحيح، كما قد يقع مما مضى من بعض الناس يسرق بنات الناس، أو أولاد الناس، ويبيعهم على أنهم عبيد وهو كاذب، ورجل استأجر أجيرا ولم يعطه حقه، وهكذا يكون خصما لمن ظلم امرأته بغير حق، أو ظلم عبده بغير حق، أو خادمه بغير حق، أو ولده بغير حق، أو جيرانه بغير حق، أو غيرهم من المسلمين، فالله خصمه يوم القيامة، ومن كان الله خصمه فهو مخصوم، فالواجب على كل مسلم أن يحذر ظلم زوجته، أو ظلم أهل بيته من أولاد، ذكور أو إناث، من أخوات، من خادمات ومن غير ذلك... " انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (21 / 197 – 199).

الخلاصة:

حديث: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، الْوَدُودُ الْوَلُودُ ‌الَّتِي ‌إِذَا ‌ظَلَمَتْ ‌أَوْ ‌ظُلِمَتْ قَالَتْ: لَا أَذُوقُ غَمْضًا حَتَّى تَرْضَى إسناده لا يصح.

لكن نصوص الشرع العامة تحث المسلم والمسلمة على العفو والتجاوز، فبالعفو والتغافل والتراضي تثبت المحبة والمودة، والزوج مأمور شرعا باحسان معاملة زوجته وعدم ظلهما، فالظلم عاقبته خطيرة، فعلى كل من الزوج والزوجة إذا ظلم أحدهما الآخر أن يبادر لطلب العفو والمسامحة.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

خيارات تنسيق النص

خط النص

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android