هذا النذر يدور بين النذر بفعل واجب أو فعل مستحب، وذلك أن لبس النقاب لا يخرج حكمه عند أهل العلم بين الوجوب والاستحباب، والذي نختاره في الموقع الوجوب.
وسبق بيان ذلك بأدلته في الموقع فيرجع إليه: (11774).
وعلى القول بالوجوب: فإن من نذر أمرا واجباً بأصل الشرع، انعقد نذره، ولزمه الوفاء به، وصار وجوبه عليه بسببين : الأول : إيجاب الشرع له . والثاني : النذر.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"ولنا: أن النذر يمين، فينعقد في الواجب، موجِبا للكفارة، كاليمين بالله تعالى" انتهى من "المغني" (13/ 645).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"ما وجب بالشرع: إذا نذره العبد، أو عاهد الله عليه، أو بايع عليه الرسول، أو الإمام، أو تحالف عليه جماعة= فإن هذه العهود والمواثيق تقتضي له وجوبا ثانيًا، غير الوجوب الثابت بمجرد الأمر الأول؛ فتكون واجبة من وجهين، بحيث يستحق تاركها من العقوبة ما يستحقه ناقض العهود والميثاق؛ وما يستحقه عاصي الله ورسوله. هذا هو التحقيق.
ومن قال من أصحابنا: إنه إذا نذر واجبًا، فهو بعد النذر، كما كان قبل النذر؛ بخلاف نذر المستحب= فليس كما قال؛ بل النذر: إذا كان يوجب فعل المستحب، فإيجابه لفعل الواجب أولى. وليس هذا من باب تحصيل الحاصل؛ بل هما وجوبان، من نوعين؛ لكل نوع حكمٌ غيرُ حكم الآخر" انتهى من "مجموع الفتاوى" (35/ 345).
قال البهوتي رحمه الله:
"وينعقد النذر في واجب، كـ: لله عليّ صوم رمضان، ونحوه، قال في "المبدع": إنه ينعقد موجِبا لكفارة يمين إن تركه، كما لو حلف: لا يفعله، ففعله: فإن النذر كاليمين. انتهى".
ثم نقل بعده كلام شيخ الإسلام السابق نقله. ثم قال:
"فيُكّفِّرُ إن لم يصمه، كحلفه عليه، أي: كحلفه: ليصومن رمضان، فيُكَفِّر إن لم يصمه.
وعند الأكثر: لا ينعقد النذر في واجب؛ لأنّ النذر التزام، ولا يصح التزام ما هو لازم، كـ: لله عليّ صوم أمس، ونحوه من المحال؛ لأنه لا يتصور انعقاده، ولا الوفاء به، أشبه اليمين على المستحيل" انتهى من "كشاف القناع" (14/ 475).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"إذا نذر الواجب: صح النذر، وصار المنذور واجبا من وجهين: من جهة النذر، ومن جهة الشرع، ويترتب على ذلك وجوب الكفارة إذا لم يحصل الوفاء" انتهى من "القول المفيد على كتاب التوحيد" (1/ 235).
وبناء على ما سبق: فإنّ نذرها أن تلبس النقاب، كان يجب عليها الوفاء به عند تحقق ما علقته عليه، فإذ لم تفعل، فعليها كفارة يمين ؛ لأجل النذر الذي أخلت به، ثم ينحل نذرها، ويبقى لبس النقاب على أصل حكمه في الشرع.
ثانياً:
على القول بأن لبسه مستحب: فيلزمكِ الوفاء بهذا النذر، ولبس النقاب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ رواه البخاري (6202).
قال ابن قدامة رحمه الله:
"نذر التبرر: كنذر الصلاة والصيام والصدقة والاعتكاف والحج والعمرة، ونحوها من القُرَب، على وجه التقرُّب؛ سواء نذره مطلقاً، أو علقه بشرط يرجوه، فقال: إِن شفى الله مريضي، أو سلَّم الله مالي فلله عليّ كذا؛ فمتى وُجد شرطه، انعقد نذره ولزمه فعله" انتهى من "المقنع في فقه الإمام أحمد" (ص472).
فإذا تركت لبس النقاب، بعد حصول الشرط الذي علقت عليه اللبس؛ حنثت في نذرك، ولزمك كفارة يمين، لأجل الحنث في النذر، وينحل نذرك، على ما سبق ذكره.
ثم إن كنت تعتقدين استحباب لبس النقاب؛ استحب لك لبسه؛ فإن اكتفيت بلبس الخمار والجلباب الشرعي، ولم تغطي وجهك، لأنك لا تعتقدين وجوب ذلك: فلا حرج عليك.
وإن كنت تعتقدين وجوبه، كما هو المفتى به عندنا: وجب عليك لبسه، حتى مع انحلال النذر؛ لأنه، والحالة هذه: واجب بأصل الشرع.
والله أعلم.