236

كيف يطلب المشركون الرزق من الأوثان مع اعترافهم بأن الله هو الرزاق الوحيد؟

السؤال: 547329

يقول الله جل وعلاء: "إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ"، ويقول أيضا: "قل من يرزقكم من السماء والأرض..... فسيقولون الله"، أريد أن أفهم أن المشركين كيف يطلبون الرزق من الأوثان وهم مع ذلك معترفون بأن الله هو الرزاق الوحيد؟

ملخص الجواب

الآيتان واردتان في نوعين من الشرك، وصنفين من المشركين، فلذلك تنوع الخطاب واختلف بحسب ما يقتضيه كل نوع

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولًا:

قد أنزل الله تعالى الكتب وأرسل الرسل؛ ليبيِّن أن حجج الإشراك به باطلة كلها، ومن أهم ما اعتنى به القرآن وبيَّنه الرسول عليه الصلاة والسلام: الحجج العقلية على بطلان الشرك، أي: أن العقل السليم لا يقبل الشرك، ولا أعمالَ المشركين، بل: العقل يحكم ويقضي بفساد حجج الشرك، وتناقض عباداتهم مع المعقول والمحسوس.

فلا مطمع  لعاقلٍ سليم العقل في تقرير الشرك وشرحه وبيانه، بحيث يقبله العقلاء ويقرُّونه، ولا مطمع في فهم حجة المشركين فهمًا يوافق الفطرة السليمة والعقل المستقيم، هذا غير ممكن، فجميع حجج المشركين داحضة باطلة عقلًا، وعقائدهم وأعمالهم متناقضة، غير متناسبة، ويحكم العقل بتناقضها، وقد جاء القرآن ليبين هذا ويشرحه.

بل صاحِبُ الذهن السليم والفطرة المستقيمة، مهما قرأ القرآن وتدبره؛ تبيَّن له ما صرَّفه الله تعالى فيه من أنواع الأدلة العقلية على فساد الإشراك بالله، وأنه متناقض في العقل، غير متناسب مع الحسّ ولا الفطرة.

يقول الله تعالى عن الأصنام التي يطلب المشركون منها حوائجهم: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ.

قال السعدي رحمه الله: "أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ فلا تسمع ولا تبصر ولا تعقل شيئًا، أفتُتَّخذ هذه آلهةً من دون رب العالمين؟ فتبًّا لعقول المشركين، ما أضلَّها وأفسدَها، حيث ضلَّت في أظهر الأشياء فسادًا، وسوَّوا بين الناقص من جميع الوجوه، فلا أوصافَ كمالٍ، ولا شيءَ من الأفعال، وبين الكامل من جميع الوجوه، الذي له كل صفة كمال، وله من تلك الصفة أكملها وأعظمها"، انتهى من "تفسيره" (ص437).

هذا؛ ولم يكن للمشركين جواب على حجج الأنبياء، بل كانوا ينقطعون ولا يجيبون، أو يحيدون، أو يضربون صفحًا عن الحجج كلها، ويعاندون، وهذا تصرف المقرّين بفساد ما يحتجون به، وصدق حجج الأنبياء.

قال الله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ. [سورة الشعراء].

قال ابن كثير: "اعترفوا بأن أصنامهم لا تفعل شيئًا من ذلك، وإنما رأوا آباءهم كذلك يفعلون"، انتهى من "تفسيره" (6/ 146).

ففيم بقاؤهم يدعون ويطلبون النفع والضر ممن اعترفوا عليها أنها: لا تستجيب، ولا تنفع، ولا تضر؟!

الجواب: لا تطمعْ في إجابة يعقلها أو يفهمها عاقل، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ.

ومن المعلوم أن قوم إبراهيم عليه السلام قد ظلوا بعد إقرارهم هذا على حالهم، يشركون بالله، ويعبدون الأصنام، وظلَّ إبراهيمُ عليه السلام يعظهم ويجادلهم، تارة مع أبيه، وتارة مع الجمهور، وتارة مع الملك، فلما أكثرَ عليهم النصحَ والإنكار؛ ألقوه في النار!

هذا وهم معترفون بفساد حجتهم.

والمقصود: أنّ عامة الحجج على المشركين الواردة في الكتاب العزيز؛ تقرر معنىً ظاهراً محكماً: أنَّ شرككم هذا لا يُعقَل، وأنَّ شرككم هذا متناقض: أفلا تعقلون، فأنى تصرفون، أفلا تتذكرون، أنَّى يؤفكون، فجميع حجج المشركين باطلة متناقضة، غير معقولة، فلا يُطلب لها استقامة معنًى.

ثانيًا:

الشرك أنواع مختلفة، ليس شيئًا واحدًا، فهو متنوع تنوع الأهواء والآراء والشياطين، فللشرك سبلٌ متعددة، وللحق والتوحيد سبيل واحدة، إذ ليس للآراء ولا الأهواء فيه مدخل، بل هو منزَّل من ربك بالحق، قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.

فالشرك أنواع، ولأهل كل نوع منه حجة داحضة فاسدة، وجدال بالباطل.

والوارد في السؤال: آيتان منزَّلتان في قومَين من المشركين، فالأوَّلون هم قوم إبراهيم عليه السلام الصابئة عبدة الكواكب، والآخرون هم كفار قريش.

ففي قوم إبراهيم عليه السلام، قول الله تعالى:

وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [سورة العنكبوت].

وفي قوم محمد صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ، فإن الله أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتج على قومه، فقال تعالى: قُلْ، أي: يا قل يا محمد لقومك.

ولا يلزم أن يكون الشرك في قوم إبراهيم هو نوع الشرك نفسه في قريش، بل؛ لم يكن الشرك في كل قوم من هؤلاء واحدًا فيما بينهم أيضًا، فتعدّدت في القوم الواحد منهم: الآراء والأهواء؛ فتنوع الشرك فيهم.

وطريقة القرآن في إبطال الشرك وحجج المشركين، قد بيَّنت أن حجج المشركين ترجع إلى معنيين فاسدين:

الأول: أن معبودهم قد شارك الله تعالى في شيء من صفات الربوبية، وإن كانوا – مع ذلك – يقرون أن اللهَ أعظمُ من هذا المعبود، وهو الخالق لهذا المعبود وربُّه.

والثاني: أن معبودهم يقربهم من الله، ويشفع لهم عنده.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

"فالكفار المشركون؛ مقرُّون أن الله خالق السموات والأرض، وليس في جميع الكفار من جُعل لله شريكًا مساويًا له في ذاته وصفاته وأفعاله، هذا لم يقله أحدٌ قطُّ، لا من المجوس الثنوية، ولا من أهل التثليث، ولا من الصابئة المشركين الذين يعبدون الكواكب والملائكة، ولا من عباد الأنبياء والصالحين، ولا من عباد التماثيل والقبور وغيرهم.

فإن جميع هؤلاء، وإن كانوا كفارًا مشركين متنوعين في الشرك؛ فهم مقرون بالرب الحق، الذي ليس له مثل في ذاته وصفاته وجميع أفعاله، ولكنهم مع هذا: مشركون به في ألوهيته؛ بأن يعبدوا معه آلهة أخرى يتخذونها شفعاء أو شركاء، أو في ربوبيته؛ بأن يجعلوا غيره ربَّ بعضِ الكائنات دونه، مع اعترافهم بأنه ربُّ ذلك الربِّ، وخالقُ ذلك الخالق"، انتهى من "مجموع الرسائل" (1/ 35).

1- فأما قوم إبراهيم عليه السلام: فظاهر القرآن أنهم كانوا من نوع المشركين الذين اعتقدوا أن معبوداتهم تشارك الله تعالى في شيء من صفات الربوبية، فلذلك كانوا يعبدون الله ويطلبون حوائجهم منه تعالى، وكذلك كانوا يعبدون معه: الكواكب ويطلبون حوائجهم منها، كما قال ابن تيمية رحمه الله: "كان قومه يعبدون الكواكب مع اعترافهم بوجود رب العالمين، وكانوا مشركين يتخذ أحدهم له كوكبا يعبده، ويطلب حوائجه منه"، انتهى من "الرد على المنطقيين" (ص305).

وقال تعالى: قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وقال تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ.

قال الشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله عن الاستثناءين السابقين، وهما: إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وإِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي : "الاستثناء في هاتين الآيتين يدل على أن القوم كانوا يعبدون الله تعالى، ويعبدون غيره، إذ الأصل في الاستثناء الاتصال"، انتهى من "رفع الاشتباه"، ضمن "مجموع آثاره" (3/620)، وانظر للفائدة جواب السؤال: (352146).

وعليه؛ فالمناسب من الحجج لهذا النوع من الشرك؛ قولُ إبراهيم عليه السلام: إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، فقرَّر لهم أن هذه الأصنام لا تملك الرزق، فهي لا تشارك الله في شيء من صفات الربوبية، ثم يأمرهم أن يطلبوا الرزق من الله وحده، لأنه المالك وحده، والمدبر وحده، فلا رب سواه.

2- وأما مشركو العرب؛ فقد كان شائعًا فيهم النوع الثاني من الشرك، فكانوا يتقربون من الأصنام فيعبدونها لتشفع لهم وتقربهم إلى الله بزعمهم، كما في قول الله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى.

وطريقة القرآن في رد هذا النوع من الشرك هي: إظهار إقرار المشركين أن هؤلاء الشفعاء ليس لهم من صفات الربوبية شيء، وإن كانوا يكذِّبون هذا بأعمالهم، بعبادتهم وطلبهم من (الشفعاء) بزعمهم.

يقول د سعود العريفي: "يمكن القول: إنه لا يكاد يخلو عابدٌ لغير الله تعالى من اعتقاد بعض معاني الربوبية فيه، ولو (النفع والضر) على أقل تقدير، حتى ولو عبده على سبيل التقرب والتزلف.

فإن اعتقاده أنه يملك إجابته، ويملك له منفعةً أو يدفع عنه مضرةً، على أي وجه كان ذلك: شركٌ في الربوبية دون شك، وإن لم يعتقد مساواته لرب العالمين في الخلق والملك والتدبير، فكان غالب ما في القرآن من البراهين على بطلان الشرك في الألوهية، منصبًّا على الاستدلال بعدم اتصاف الشركاء بالربوبية ... فكان للمبالغة في نفي ذلك عن الآلهة المتَّخذة من دون الله مع كون عابديها غالبًا لا يعتقدونه فيها: دلالةٌ زائدةٌ على مجرد إثبات عدم استحقاقها للعبادة، وهي: أنها لا تصلح عبادتها أصلا ولا تصح، وأن ذلك قبيح ممتنع في العقول السليمة والفطر المستقيمة .."، انتهى مختصرًا، من "الأدلة العقلية النقلية على أصول الاعتقاد" (ص446).

ومثاله: قول الله تعالى في الحجة على مشركي العرب أيضًا: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ، قال الطبري رحمه الله:

"يقول تعالى ذكره، لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: ولئن سألتَ يا محمد هؤلاء المشركين بالله من قومك ..."، حتى قال رحمه الله: "وقوله: قُلِ الحَمْدُ لِلهِ يقول: وإذا قالوا ذلك، فقل: الحمد لله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ يقول: بل أكثر هؤلاء المشركين بالله لا يعقلون ما لهم فيه النفع من أمر دينهم، وما فيه الضرّ، فهم لجهلهم يحسبون أنهم لعبادتهم الآلهة دون الله، ينالون بها عند الله زُلْفة وقربة، ولا يعلمون أنهم بذلك هالكون، مستوجبون الخلود في النار"، انتهى من "تفسيره" (18/ 439).

وبعد؛

فلا بِدعَ ولا غرابة أن "يسأل" المشركون، كل المشركين، شيئا من رزق أو خير، أو نفع أو ضُرٍّ، من دون الله جل جلاله، من أوثانهم، وأصنامهم، وإن كانوا يقولون، أو يعلمون: أن الله جل جلاله: هو الخالق الرازق، القابض، الباسط؛ فليس ذلك بأعجب أحوالهم، فكل عملهم وحالهم مع أوثانهم: باطل، لا حجة لهم فيه، ولا هو منطقي في نفسه.

والقرآن كما يدل على بطلان عقائدهم، وأقوالهم في نفسها؛ يدل كذلك على تناقض حالهم، وفعالهم، ومقالهم؛ واضطراب أمرهم كله.

وإلى ذلك التناقض العجيب، يشير الأثر الإلهي المروي في كتب "الرقاق":

إِنِّي وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ فِي نَبَأٍ عَظِيمٍ، ‌أُخْلَقُ ‌وَيُعْبَدُ غَيْرِي ، وَأَرْزُقُ وَيُشْكَرُ غَيْرِي.

[وهذا قد رواه الطبراني في "مسند الشاميين" (974) والبيهقي في "شعب الإيمان" (4243)، من حديث أبي الدرداء مرفوعا. وهو ضعيف الإسناد منقطع. انظر: "السلسلة الضعيفة" (2371)].

والقرآن قد أخبر أن هؤلاء المشركين يعلمون، ويقرون بأن الله جل جلاله: هو من أنزل الماء من السماء، ليحيوا به، وتحيا به الأرض. قال تعالى: وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِ مَوۡتِهَا لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ [العنكبوت: 63].

ومع ذلك، فهم يكفرون برب العالمي، ويشركون به، وينسبون الفضل في ذلك إلى غيره، وقد نعى الله عليهم ذلك الكفر، وعابهم به:

عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ، فِي إِثْرِ السَّمَاءِ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: (هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي ‌مُؤْمِنٌ ‌بِي ‌وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ) رواه البخاري (846) ومسلم (71).

فلا غرابة أن يسألوا شيئا من رزق، أو خير، من آلهتهم الباطلة، أو يلجؤوا إليهم في حوائجهم، بل ما زال ذلك حال الجهال في كل زمان، حتى في زماننا؛ يطلبون الولد، والخير، من أنصابهم، وقبورهم!!

ولهذا كان العبد الصالح، الحنيفي، الموحد، زيد بن عمرو بن نفيل، يتعجب من حالهم، حتى قبل أن ينزل الوحي من السماء على نبينا الخاتم، صلى الله عليه وسلم:

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ ‌زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلِ بَلْدَحٍ، قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْوَحْيُ، فَقُدِّمَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سُفْرَةٌ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ ‌زَيْدٌ: إِنِّي لَسْتُ آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ، وَلَا آكُلُ إِلَّا مَا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ. وَأَنَّ ‌زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَعِيبُ عَلَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ، وَيَقُولُ:

(‌ الشَّاةُ ‌خَلَقَهَا اللهُ، وَأَنْزَلَ لَهَا مِنَ السَّمَاءِ الْمَاءَ، وَأَنْبَتَ لَهَا مِنَ الْأَرْضِ، ثُمَّ تَذْبَحُونَهَا عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللهِ. إِنْكَارًا لِذَلِكَ وَإِعْظَامًا لَهُ ). رواه البخاري في "صحيحه" (3826).

فالحاصل:

أن الآيتين المذكورتين في السؤال: واردتان في نوعين من الشرك، وصنفين من المشركين، فلذلك تنوع الخطاب واختلف بحسب ما يقتضيه كل نوع.

وإذا قدر أنها غير مقسمة على أقوام من المشركين؛ فأحوالهم المشركين، وفعالهم: باطلة في نفسها، متناقضة، لا تستقيم على منطق سليم؛ متقسمة كالعبد الواحد، بين شركاء متشاكسين، كما ضرب الله تعالى المثل لحالهم.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android