هذا الحديث ليس له إسناد صحيح إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكن معناه مقبول، ليس فيه ما ينكر، تشهد له قاعدة أن الجزاء من جنس العمل.
هل غض البصر يورث حلاوة الإيمان في القلب؟
السؤال: 543328
ما صحة الحديث الوارد عند الحاكم وأحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه (من غض البصر عما حرم الله وهو قادر على النظر ابتغاء ما عند الله عز وجل أعقب الله في قلبه حلاوة الإيمان).
لأني سمعت به، وبحثت عنه كثيرا على الإنترنت ولم أجده
ملخص الجواب
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أولا:
لم نقف على حديث لابن مسعود بهذا المتن، لا عند الحاكم في "المستدرك" ولا عند الإمام أحمد في "المسند"، وإنما يرويه الطبراني بلفظ مشابه.
فروى الطبراني في "المعجم الكبير" (10 / 214)، قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ التُّسْتَرِيُّ قَالَ: قَرَأْنَا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ الضَّرِيرِ الْمُقْرِئِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا هُرَيْمُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ النَّظْرَةَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومٌ، مَنْ تَرَكَهَا مَخَافَتِي أَبْدَلْتُهُ إِيمَانًا يَجِدُ حَلَاوَتَهُ فِي قَلْبِهِ ).
وهذا إسناده ضعيف؛ لأنّ فيه عبد الرّحمن بن إسحاق الواسطي، وهو ضعيف الحديث.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
"عبد الرحمن بن اسحق الواسطي أبو شيبة، عن النعمان بن سعد: ضعفوه " انتهى. "المغني في الضعفاء" (2 / 375).
ثم إن إسناده مضطرب، حيث روي عن هشيم، عن عبد الرحمن بن إسحاق هذا، من حديث حذيفة رضي الله عنه.
رواه الحاكم في "المستدرك" (4 / 313 — 314)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (1 / 195): عن إِسْحَاق بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْقُرَشِيّ، حدثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( النَّظْرَةُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومَةٌ، فَمَنْ ترَكَهَا مِنْ خَوْفٍ، أَثَابَهُ جلّ وعزّ إِيمَانًا يَجِدُ حَلَاوَتَهُ فِي قَلْبِهِ ).
وقال الحاكم: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ " انتهى.
وتعقبه الذهبي بقوله: " إسحاق واه، وعبد الرحمن هو الواسطي ضعفوه " انتهى.
وروي عن هشيم عن عبد الرحمن من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
رواه القضاعي في "مسند الشهاب" (1/ 196)، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ التُّجِيبِيُّ، أنبأنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، حدثنا إِبْرَاهِيمُ، يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ، حدثنا أَرْطَاةُ بْنُ حَبِيبٍ، حدثنا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( النَّظْرَةُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ الشَّيْطَانِ فَمَنْ تَرَكَهَا مَخَافَتِي أَعْقَبْتُهُ عَلَيْهَا إِيمَانًا يَجِدُ طَعْمَهُ فِي قَلْبِهِ ).
فالحاصل؛ أنه حديث مضطرب الإسناد، مداره على عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي، وهو ضعيف الحديث.
وقد روي هذا المتن من طرق أخرى كلها ضعيفة.
فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد في "المسند" (36 / 610)، قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُبَارَكٍ. وَعَتَّابٌ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ - هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ -، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَنْظُرُ إِلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَوَّلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ يَغُضُّ بَصَرَهُ، إِلَّا أَحْدَثَ اللهُ لَهُ عِبَادَةً يَجِدُ حَلَاوَتَهَا ).
وهذا إسناد ضعيف؛ فيه:
عبد الله بن زحر، وقد ضُعِّف.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
"عبيد الله بن زحر: عن علي بن يزيد. مختلف فيه، وهو إلى الضعف أقرب، ضعفه أحمد بن حنبل، وقال النسائي: لا بأس به " انتهى. "المغني في الضعفاء" (2 / 415).
وعلي بن يزيد ضعيف الحديث.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
"علي بن يزيد الألهاني: عن القاسم أبي عبد الرحمن، ضعفوه، وتركه الدارقطني" انتهى. "المغني في الضعفاء" (2 / 457).
ثم إن هذه النسخة كلها: عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ. نص على ضعفها جمع من أئمة الحديث.
قال المزي رحمه الله تعالى:
"… قال يحيى بن معين: علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة: هي ضعاف كلها...
وَقَال الغلابي، عن يحيى بن معين: أحاديث عبيد اللَّه بن زحر وعلي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة: مرفوعة ضعيفة…
وَقَال إبراهيم بْن يعقوب الجوزجاني: رأيت غير واحد من الأئمة ينكر أحاديثه الّتي يرويها عنه عبيد اللَّه بن زحر وابن أبي العاتكة …
وقال محمد بن إبراهيم الكناني الأصبهاني: قلت لأبي حاتم: ما تقول في أحاديث علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة؟ قال: ليست بالقوية، هي ضعاف " انتهى. "تهذيب الكمال" (5 / 311).
فالحاصل؛ أن الأحاديث في هذا الباب ضعيفة الإسناد، كما نص ابن القطان الفاسي، حيث قال رحمه الله تعالى:
"وقد جاء حديث ثواب الكف عمّا زاد من النظر على نظر الفجأة، وإن لم يصح، ننص عليه؛ لئلا يظن من يقف عليه غفلتنا عنه، فلذلك نذكره على علّاته، وهو:
حديث يرويه ابن المبارك: عن يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ نَظَرَ إِلَى مَحَاسِنَ امْرَأَةٍ، فَغَضَّ طَرْفَهُ فِي أَوَّلِ نَظْرَةٍ، رَزَقَهُ اللَّهُ عِبَادَةً يَجِدُ حَلَاوَتَهَا فِي قَلْبِهِ ).
وفي كلّ مَن بين أبي أمامة وابن المبارك في هذا الإِسناد مقال، ومنهم من لا يُقبل ما يرويه أصلا، وأمرهم عند المحدثين بَيِّنٌ.…
وكذلك:
حديث عصمة بن محمد، عن موسى بن عقبة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ عَبد يُكِفُّ بَصَرَهُ عَنْ مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا نَظَرَ؛ إلَاّ أَدْخَلَ اللَّهُ قَلْبَهُ عِبَادَةً يَجِدُ حَلاوَتَهَا ).
وهو أيضا ضعيف؛ لأن عصمة هذا منكر الحديث، ذكر الحديثين أبو أحمد بن عدي" انتهى. "إحكام النظر" (ص372).
ثانيا:
لكن هذه الأحاديث رغم ضعف أسانيدها، إلا أن معناها صحيح في الجملة، وليس فيه ما ينكر. وقد قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
" والحديث الضعيف لا يُدفع، وإن لم يحتج به، ورب حديث ضعيف الإسناد، صحيح المعنى " انتهى. "التمهيد" (1 / 58).
فنصوص الشرع متظاهرة على أن الجزاء من جنس العمل.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" قالوا : وقد دل الكتاب والسنة في أكثر من مائة موضع على أن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر ، كما قال تعالى ( جَزَاءً وِفَاقًا ) أي: وفق أعمالهم ، وهذا ثابت شرعا وقدرا " انتهى. " عون المعبود مع حاشية ابن القيم " (12 / 176).
ومن ترك التلذذ بالمحرمات طلبا لمرضاة الله تعالى؛ فإنه يرجى له أن يبدله الله تلذذا وحلاوة يجدها في إيمانه وعباداته.
والله أعلم.
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟