318

هل كان النبي صلى الله عليه وسلم غنيا أم فقيرا؟

السؤال: 537054

الرسول صلى الله عليه وسلم ورد أنه كان يمتلك مائة شاة، ويذبح ما يزيد، فلماذا ورد أنه كان يمر الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار على طعام؟

ملخص الجواب

النبي صلى الله عليه وسلم مرت به أحوال مختلفة، ففي بداية مقامه بالمدينة كانت الأموال قليلة مع ضيق في العيش، لكن مع ازدياد الفتوح وتوسع دولة النبي صلى الله عليه وسلم، أغناه الله تعالى فازدادت الأموال وحصلت سعة في العيش.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

روى الإمام أحمد في "المسند" (26/309)، وأبو داود (142)، وابن حبان "الإحسان" (3/ 332)، والحاكم في "المستدرك" (4/110)، وغيرهم : عن إِسْمَاعِيل بْن كَثِيرٍ أَبي هَاشِمٍ الْمَكِّيّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ، عَنْ أَبِيهِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ، قَالَ:

"كُنْتُ وَافِدَ بَنِي الْمُنْتَفِقِ - أَوْ فِي وَفْدِ بَنِي الْمُنْتَفِقِ - إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ نُصَادِفْهُ فِي مَنْزِلِهِ، وَصَادَفْنَا عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَأَمَرَتْ لَنَا بِخَزِيرَةٍ فَصُنِعَتْ لَنَا، قَالَ: وَأُتِينَا بِقِنَاعٍ - وَالْقِنَاعُ: الطَّبَقُ فِيهِ تَمْرٌ -.

ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (هَلْ أَصَبْتُمْ شَيْئًا؟ أَوْ أُمِرَ لَكُمْ بِشَيْءٍ؟)

قَالَ: قُلْنَا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ.

قَالَ: فَبَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُلُوسٌ، إِذْ دَفَعَ الرَّاعِي غَنَمَهُ إِلَى الْمُرَاحِ، وَمَعَهُ سَخْلَةٌ تَيْعَرُ، فَقَالَ: (مَا وَلَّدْتَ يَا فُلَانُ؟)

قَالَ: بَهْمَةً.

قَالَ: فَاذْبَحْ لَنَا مَكَانَهَا شَاةً، ثُمَّ قَالَ: (لَا تَحْسِبَنَّ، وَلَمْ يَقُلْ: لَا تَحْسَبَنَّ، أَنَّا مِنْ أَجْلِكَ ذَبَحْنَاهَا، لَنَا غَنَمٌ مِائَةٌ لَا نُرِيدُ أَنْ تَزِيدَ، فَإِذَا وَلَّدَ الرَّاعِي بَهْمَةً، ذَبَحْنَا مَكَانَهَا شَاةً).

قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي امْرَأَةً، وَإِنَّ فِي لِسَانِهَا شَيْئًا - يَعْنِي الْبَذَاءَ - قَالَ: (فَطَلِّقْهَا إِذًا)، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لَهَا صُحْبَةً، وَلِي مِنْهَا وَلَدٌ، قَالَ: (فَمُرْهَا) يَقُولُ: (عِظْهَا، فَإِنْ يَكُ فِيهَا خَيْرٌ فَسَتَفْعَلْ، وَلَا تَضْرِبْ ظَعِينَتَكَ كَضَرْبِكَ أُمَيَّتَكَ)، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي، عَنِ الْوُضُوءِ، قَالَ: (أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا ).

وقال الحاكم: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ" ووافقه الذهبي، وصحح إسناده محققو المسند، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".

وهذا الخبر يظهر منه أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم مايؤكل ويطبخ، وما يكفي لاطعام الضيوف، وهذا قد يظهر منه معارضة لظاهر الأحاديث الدالة على ماكان عليه بيت النبوة من قلة الزاد بحيث تمر الأشهر ولا يطبخ شيء في بيت النبي صلى الله عليه وسلم.

كما في حديث عُرْوَةَ: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ: " ابْنَ أُخْتِي، إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَارٌ.

فَقُلْتُ: مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟

قَالَتِ: الأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‌جِيرَانٌ ‌مِنَ ‌الأَنْصَارِ، كَانَ لَهُمْ مَنَائِحُ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَبْيَاتِهِمْ فَيَسْقِينَا" رواه البخاري (6459)، ومسلم (2972).

وفي رواية للبخاري (6458)، ومسلم (2972): عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانَ يَأتِي عَلَيْنَا ‌الشَّهْرُ مَا نُوقِدُ فِيهِ نَارًا، إِنَّمَا هُوَ التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إِلَّا أَنْ نُؤْتَى بِاللُّحَيْمِ".

والجمع بين هذه الأخبار بأن يقال: إنّ النبي صلى الله عليه وسلم مدة مقامه بالمدينة مرت عليه أحوال: ففي السنوات الأولى كانت هناك شدة في العيش وكان بين المهاجرين فقر، حتى التمر لم يكن بتلك الكثرة، ثم مع توالي الفتوح بدأ المال يزداد، فبفتح خيبر مثلا كثر التمر.

روى البخاري (4242): عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها، قالَتْ: " لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ قُلْنا: الآنَ نَشْبَعُ مِنَ التَّمْرِ".

ثم توالت الفتوح وازداد المال من الأنعام وغيرها، فحصلت سعة للمسلمين وللنبي صلى الله عليه وسلم.

ووفد بني الْمُنْتَفِق الذي منه لقيط بن صبرة رضي الله عنه، يذكره أهل العلم في حوادث سنة الوفود؛ السنة التاسعة والعاشرة، أي في آخر حياته صلى الله عليه وسلم.

قال ابن قتيبة رحمه الله تعالى:

" لأنّه ‌قبضه ‌غنيا ‌موسرا، بما أفاء اللّه عز وجل عليه، وإن كان لم يضع درهما على درهم.

ولا يقال لمن ترك مثل بساتينه بالمدينة، وأمواله، ومثل فدك: إنّه مات فقيرا، واللّه عز وجل يقول: ( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى ، وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى ).

والعائل: الفقير كان له عيال أو لم يكن -والمعيل: ذو العيال، كان له مال أو لم يكن.

فحال النّبيّ صلى الله عليه وسلم عند مبعثه وحاله عند مماته؛ يدلّان على ما قال الله عز وجل؛ لأنّه بعث فقيرا، وقُبِض غنيا " انتهى. "تأويل مختلف الحديث" (ص248).

وقال القرطبي رحمه الله تعالى:

"لا يقال: فقد كانت حالة رسول الله صلى الله عليه وسلم الفقر الشديد المدقع، كما دلت عليه أحاديث هذا الباب وغيرها، ألا ترى أنه يطوي الأيام، ولا يشبع يومين متواليين، ويشد على بطنه الحجر من الجوع والحجرين، ولم يكن له سوى ثوب واحد، فإذا غسله انتظره إلى أن يجف، وربما خرج وفيه بقع الماء، ومات ودرعه مرهونة في شعير لأهله، ولم يخلف دينارا ولا درهما، ولا شاة، ولا بعيرا، ولا حالة في الفقر أشد من هذه، وعلى هذا فلم يكن حاله الكفاف، بل: الفقر. فلم يجبه الله تعالى في الكفاف؛ لعلمه بأن الفقر أفضل له.

لأنَّا نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع له حال الفقر والغنى والكفاف، فكانت أول أحواله الفقر؛ مبالغة في مجاهدة النفس، وفطامها عن مألوفات عاداتها، فلما حصلت له ملكة ملكها، وتخلص له خلاصة سبكها= خيره الله تعالى في أن يجعل له جبال تهامة ذهبا تسير معه حيث سار، فلم يلتفت إليها، وجاءته فتوحات الدنيا، فلم يعرج عليها، بل صرفها وانصرف عنها، حتى قال: ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود فيكم . وهذه حالة الغني الشاكر.

ثم اقتصر من ذلك كله على قدر ما يَرُدُّ ضروراتِه وضرورات عياله، ويرد حاجتهم، فاقتنى أرضه بخيبر، وكان يأخذ منها قوت عياله، ويدخره لهم سنة، فاندفع عنه الفقر المدقِع، وحصل الكفافُ الذي دعا به، ثم إنه لما احتضر، وقف تلك الأرض على أهله ليدوم لهم ذلك الكفاف الذي ارتضاه لنفسه، ولتظهر إجابة دعوته حتى في أهله من بعده.

وعلى ذلك المنهج: نهج الخلفاء الراشدون، على ما تدل عليه سيرهم وأخبارهم.

وعلى هذا؛ فأهل الكفاف هم صدر كتيبة الفقراء، الداخلين الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام؛ لأنَّهم وسطهم، والوسط: العدل. وليسوا من الأغنياء كما قررناه، فاقتضى ذلك ما ذكرناه، والله تعالى أعلم. " انتهى "المفهم" (7 / 130 - 131).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

"كان في أكابر الأنبياء والمرسلين والسابقين الأولين من كان غنيا: كإبراهيم الخليل وأيوب وداود وسليمان وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف...

وفيهم من كان فقيرا: كالمسيح عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا وعلي بن أبي طالب وأبي ذر الغفاري ...

وقد كان فيهم من اجتمع له الأمران: الغنى تارة والفقر أخرى؛ وأتى بإحسان الأغنياء، وبصبر الفقراء؛ كنبينا صلى الله عليه وسلم. وأبي بكر وعمر " انتهى. "مجموع الفتاوى" (11 / 124).

وسُئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:

" الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان عنده المال مما أفاء الله؟

الجواب:

تارةً وتارةً، تارة يجتمع المال، مثلما حصل بعدما أجلى بني النَّضير حصل له مالٌ كثيرٌ، فكان يعزل نفقته لسنةٍ، والباقي يجعله في الكُراع والسلاح، عدّة في سبيل الله، وربما كثر عليه الضيوف والوفود فأعطاهم؛ فقلَّ ما عنده عليه الصلاة والسلام " انتهى. من "فتاوى الدروس من موقع الشيخ".

والخلاصة:

صحاح الأخبار التي نصت على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلاقى شدة في العيش والقوت، لا تعارض الأخبار التي فيها ذكر شيء من أملاك النبي صلى الله عليه وسلم وماله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم مرت به أحوال ففي بداية مقامه بالمدينة كانت الأموال قليلة وكان ضيق في العيش، لكن مع ازدياد الفتوح وتوسع دولة النبي صلى الله عليه وسلم، أغناه الله تعالى فازدادت الأموال وحصلت سعة في العيش.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android