من هم أهل الكتاب الذين يفرحون بما أنزل الله من القرآن؟

السؤال: 499325

قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ) -سورة الرعد- ٦٢، لم أسمع ولم أقرأ قط أن اهل الكتاب فرحوا بما أنزل على رسول الله عليه الصلاة والسلام، الرجاء شرح هذا إذا أمكن مع جزيل شكري.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

المراد بأهل الكتاب في الآية الكريمة: هم الذين آمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم وبما أنزل إليه، كما ذكر ذلك جمهور المفسرين، وتسمية من آمن من أهل الكتاب وصفهم ونسبتهم إلى أهل الكتاب باعتبار ما كانوا عليه قبل الإيمان برسالة النبي صلى الله عليه و سلم، فهؤلاء فرحوا بما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم يجدون ما أنزل عليه مصدقا لما كان معهم من الكتاب من البشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم وبيان فضل موسى وعيسى عليهما السلام وغير ذلك.
ونظير هذه الآية قوله تعالى: ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِهِۦ هُم بِهِۦ يُؤۡمِنُونَ [القصص: 52]

وقوله: الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به [البقرة: 121] ،

وقوله: وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله [آل عمران: 199].

فالمراد بأهل الكتاب الذين يفرحون بما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم هم من آمن به وصدقه.

قال الطبري رحمه الله:

"القول في تأويل قوله تعالى: ‌والذين ‌آتيناهم ‌الكتاب ‌يفرحون ‌بما ‌أنزل ‌إليك، ومن الأحزاب من ينكر بعضه، قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به، إليه أدعو وإليه مآب [الرعد: 36].

يقول تعالى ذكره: والذين أنزلنا إليهم الكتاب، ممن آمن بك واتبعك، يا محمد: يفرحون بما أنزل إليك [الرعد: 36]. "تفسير الطبري" (13/ 555).

وقال القرطبي رحمه الله:

قوله تعالى: (‌والذين ‌آتيناهم ‌الكتاب ‌يفرحون ‌بما ‌أنزل ‌إليك) أي بعض من أوتي الكتاب يفرح بالقرآن، كابن سلام وسلمان، والذين جاءوا من الحبشة، فاللفظ عام، والمراد الخصوص.

وعن مجاهد أيضا: أنهم مؤمنو أهل الكتاب.

وقيل: هم جماعة أهل الكتاب من اليهود والنصارى، يفرحون بنزول القرآن، لتصديقه كتبهم. "تفسير القرطبي" (9/325- 326).

وقال الزمخشري رحمه الله:

(‌وَالَّذِينَ ‌آتَيْناهُمُ ‌الْكِتابَ ‌يَفْرَحُونَ ‌بِما ‌أُنْزِلَ ‌إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ):

(وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ): يريد من أسلم من اليهود، كعبد الله بن سلام وكعب وأصحابهما، ومن أسلم من النصارى، وهم ثمانون رجلا: أربعون بنجران، واثنان وثلاثون بأرض الحبشة، وثمانية من أهل اليمن، هؤلاء: (يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ).

(وَمِنَ الْأَحْزابِ): يعنى ومن أحزابهم، وهم كفرتهم الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعداوة، نحو كعب بن الأشرف وأصحابه، والسيد والعاقب أسقفي نجران، وأشياعهما.

(مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ): لأنهم كانوا لا ينكرون الأقاصيص، وبعض الأحكام والمعاني، مما هو ثابت في كتبهم، غيرُ محرف، وكانوا ينكرون ما هو نعت الإسلام، ونعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك مما حرّفوه وبدّلوه من الشرائع" انتهى من "تفسير الزمخشري" (2/ 533).

وقال ابن كثير رحمه الله:

"يقول تعالى: والذين آتيناهم الكتاب: وهم قائمون بمقتضاه.

يفرحون بما أنزل إليك أي: من ‌القرآن، لما في كتبهم من الشواهد على صدقه والبشارة به، كما قال تعالى: الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون [البقرة: 121]" انتهى من "تفسير ابن كثير" (4/ 467).

ثانياً:

ذهب بعض المفسرين -وهم قلة- إلى أن المراد بالكتاب في الآية الكريمة: القرآن، وأن المراد بالذين يفرحون هم المؤمنون من الصحابة، واعترض عليه بعض المفسرين.

قال ابن جزي رحمه الله:

"‌وَالَّذِينَ ‌آتَيْناهُمُ ‌الْكِتابَ ‌يَفْرَحُونَ ‌بِما ‌أُنْزِلَ ‌إِلَيْكَ يعني من أسلم من اليهود والنصارى كعبد الله بن سلام والنجاشي وأصحابه، وقيل: يعني المؤمنين. والكتاب على هذا ‌القرآن" "تفسير ابن جزي" (1/ 406):

وقال البغوي رحمه الله:

"قوله عز وجل: والذين آتيناهم الكتاب يعني: ‌القرآن، وهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يفرحون بما أنزل إليك من القرآن، ومن الأحزاب يعني: الكفار الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم اليهود والنصارى" "تفسير البغوي - طيبة" (4/ 322).

قال الشوكاني رحمه الله:

"وقيل: المراد بالكتاب ‌القرآن، والمراد بمن يفرح به المسلمون، والمراد بالأحزاب المتحزبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين واليهود والنصارى، والمراد بالبعض الذي أنكروه ما خالف ما يعتقدونه على اختلاف اعتقادهم.

واعترض على هذا: بأن فرح المسلمين بنزول ‌القرآن معلوم فلا فائدة من ذكره" انتهى من "فتح القدير" للشوكاني (3/ 104).

ومما سبق يتبين أن المعنى المراد بأهل الكتاب في الآية الكريمة محل السؤال: الذين آمنوا منهم فهو من العام الذي أُريد به الخاص. وهو قول جمهور المفسرين.

وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بالكتاب في الآية الكريمة القرآن الكريم، وأن الذين يفرحون هم المؤمنون من الصحابة.

وعلى كلا القولين؛ يزول ما حصل لديك من إشكال، فليس المراد بأن الذين يفرحون هم عموم أهل الكتاب، وتتمة الآية تبين ذلك (وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ).

"فعن مجاهد قوله: (‌ومن ‌الأحزاب ‌من ‌ينكر ‌بعضه)، قال: من أهل الكتاب.

وقال ابن زيد في قوله: (‌ومن ‌الأحزاب ‌من ‌ينكر ‌بعضه) ، قال: الأحزاب: الأممُ، اليهودُ والنصارى والمجوس؛ منهم من آمنَ به، ومنهم من أنكره" انظر: "تفسير الطبري" (16/ 474).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (222827)، ورقم: (22182).

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android