هل الدعاء على ابن أبي لهب: ( اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبَكَ) يفيد أن الأسد من الكلاب؟

السؤال: 433557

كيف أجمع بين الأسد ليس من فصيله الكلاب بل من فصيله القطط، السنوريات، والرسول صلى الله عليه وسلم دعا فقال: (اللهم سلط عليه كلبا من كلابك)، فأرسا الله أسدا"؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

هذا خبر مشهور عند أهل السير، وروي بأسانيد لا تخلو من ضعف.

من ذلك ما رواه الحارث بن أبي أسامة كما في "بغية الباحث" (2 / 562)، قال: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو نَوْفَلٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ لَهَبُ بْنُ أَبِي لَهَبٍ يَسُبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبَكَ )، قَالَ: فَخَرَجَ يُرِيدُ الشَّامَ فِي قَافِلَةٍ مَعَ أَصْحَابِهِ، قَالَ: فَنَزَلَ مَنْزِلًا قَالَ: فَقَالَ: وَاللَّهِ، إِنِّي لَأَخَافُ دَعْوَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَالُوا لَهُ: كَلَّا، قَالَ: فَحَوَّطُوا الْمَتَاعَ حَوْلَهُ وَقَعَدُوا يَحْرُسُونَهُ، قَالَ: فَجَاءَ السَّبُعُ فَانْتَزَعَهُ فَذَهَبَ بِهِ ).

ومن طريقه رواه الحاكم في "المستدرك" (2/539)، قال: أخبرني أبو بكر بن أبي نصر المزكي بمرو، حدثنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا العباس بن الفضل الأنصاري... فذكره.

وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي.

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" وهو حديث حسن أخرجه الحاكم من طريق أبي نوفل بن أبي عقرب، عن أبيه " انتهى. "فتح الباري" (4/39) .

ولعل الحافظ رحمه الله حسَّنه بمجموع طرقه ، لأن في إسناد الحاكم العباس بن الفضل الأنصاري وهو ضعيف.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

" العباس بن الفضل الأنصاري الموصلي المقرئ، صاحب أبي عمرو بن العلاء.

قال يحيى بن معين: ليس بشيء.

وقال عبد الله بن أحمد: سألت ابن معين عنه، فقال: ليس بثقة.

فقلت: لم يا أبا زكريا؟ قال: حدث عن سعيد، عن قتادة، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس: إذا كان سنة مائتين.. حديث موضوع...

وأما حديثه عن يونس، وخالد، وشعبة، فصحيح، ما أرى به بأسا.

وقال البخاري: العباس بن الفضل نزل الموصل، منكر الحديث.

وقال النسائي: متروك " انتهى. "ميزان الإعتدال" (2 / 385).

ورواه عبد الرزاق في "التفسير" (3 / 248)، وغيره:

" عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ) قَالَ: تَلَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ) فَقَالَ ابْنُ أَبِي لَهَبٍ - حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: اسْمُهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي لَهَبٍ - كَفَرْتُ بِرَبِّ النَّجْمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( احْذَرْ لَا يَأْكُلُكَ كَلْبُ اللَّهِ ).

قال عبد الرزاق: قال مَعْمَر: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَمَا يَخَافُ أَنْ يُسَلِّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ كَلْبَهُ )، فَخَرَجَ ابْنُ أَبِي لَهَبٍ مَعَ أُنَاسٍ فِي سَفَرٍ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ سَمِعُوا صَوْتَ الْأَسَدِ، فَقَالَ: مَا هَذَا إِلَّا يُرِيدُنِي؟ فَاجْتَمَعَ أَصْحَابُهُ حَوْلَهُ، وَجَعَلُوهُ فِي وَسَطِهِمْ، حَتَّى إِذَا نَامُوا جَاءَ الْأَسَدُ فَأَخَذَ بِهَامَتِهِ " انتهى.

وهذا إسناد رواته ثقات، لكنه مرسل.

وهذا الحديث – إن صح – فإنه يدل على أن اسم الكلب يشمل الحيوانات المفترسة ، ومنها : "الأسد" ، وهو كذلك في لغة العرب .

ومن ذلك : تفسير جمع من العلماء لحديث حفصة رضي الله عنها قالت : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لاَ حَرَجَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ: الغُرَابُ، وَالحِدَأَةُ، وَالفَأْرَةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ ) رواه البخاري (1828) ومسلم (1199).

حيث فسروا: ( الكَلْبُ العَقُورُ ) بما يشمل الحيوانات المفترسة.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" قوله: ( وَالكَلْبُ العَقُورُ ) الكلب معروف...

وفي الكلب بهيمية سبعية، كأنه مركب ، وفيه منافع للحراسة والصيد كما سيأتي في بابه...

واختلف العلماء في المراد به هنا؟ وهل لوصفه بكونه عقورا مفهوم أو لا؟

فروى سعيد بن منصور بإسناد حسن عن أبي هريرة، قال: ( الكلب العقور: الأسد )، وعن سفيان، عن زيد بن أسلم: أنهم سألوه عن الكلب العقور؟ فقال: " وأي كلب أعقر من الحية ". وقال زفر: المراد بالكلب العقور هنا الذئب خاصة.

وقال مالك في "الموطأ": كل ما عقر الناس، وعدا عليهم وأخافهم، مثل الأسد والنمر والفهد، والذئب هو العقور.

وكذا نقل أبو عبيد عن سفيان. وهو قول الجمهور ...

واحتج أبو عبيد للجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم سلط عليه كلبا من كلابك )، فقتله الأسد. وهو حديث حسن، أخرجه الحاكم: من طريق أبي نوفل بن أبي عقرب، عن أبيه.

واحتج بقوله تعالى: ( وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ ) فاشتقها من اسم الكلب ، فلهذا قيل لكل جارح: عقور... " انتهى. "فتح الباري" (4 / 39).

وجاء في "القاموس المحيط" (ص 131):

" الكَلْب: كُلُّ سَبُعٍ عَقورٍ، وغَلَبَ على هذا النَّابحِ" انتهى.

فالحاصل:

أنه لا يوجد تعارض بين إطلاق الكلب على الأسد، وبين ما هو مشتهر عند المختصين بعلوم الحيوان من كون الأسد من فصيلة السنوريات.

لأن وجه التسمية متباين؛ فإطلاق الكلب على الأسد: هو من جهة اشتراكهما في صفة الافتراس، أو حيث تعرفه العرب، وتتعارف عليه، وتسميه في لغتها؛ والنبي صلى الله عليه إنما يتكلم بلسان عربي مبين .

أما إدخال الأسد في السنوريات فهو من جهة التشريح وعلم الأحياء، وتلك أمور اصطلاحية ، لا يلزم أن تكون موافقة للغة، ولا أن القرآن نزل بأعرافها، واصطلاحاتها؛ فالقرآن: كتاب عربي، مبين؛ وليس كتابا في "علم الحيوان". فتنبه لهذا.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android