هل جاء الوعيد بمسخ مستمعي الأغاني قردة وخنازير؟

السؤال: 398628

هناك حديث يقول: إن مستمع الأغانى وشارب الخمر يسخطهم الله تعالى قردة وخنازير، وهناك بعض الشيوخ قال: إن المقصود به المستحلون، وليس الذين يسمعون الأغانى، فهل هذا صحيح؟ وهل يوجد دعاء للحماية من المسخ إذا كنت أفعل ذنوب تعرض للمسخ؟ وهل المسخ كافر؟ وهل له توبة؟ وهل إن دخل الجنة يدخل بشكله البشرى أم بشكله المسخ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولا:

الحديث المقصود هو ما رواه البخاري (5590 ) عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن غَنْمٍ الأَشْعَرِيّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيّ، وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ - يَعْنِي الفَقِيرَ - لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا، فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ، وَيَضَعُ العَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ).

فسياق الحديث يشير إلى أن هذا يحدث بسبب إسراف الناس في المعاصي إلى حد الاستحلال لها بذرائع فاسدة.

قال ابن المنير رحمه الله تعالى:

" ( مِنْ أُمَّتِي)؛ فإن كونهم من الأمة، يبعد معه أن يستحلوها بغير تأويل ولا تحريف. فإن ذلك مجاهرة بالخروج عن الأمة؛ إذ تحريم الخمر معلوم ضرورة " انتهى من "المتواري" (ص 213).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" إنما ذاك إذا استحلوا هذه المحرمات بالتأويلات الفاسدة.

فإنهم لو استحلوها، مع اعتقاد أن الرسول حرمها: كانوا كفارا، ولم يكونوا من أمته.

ولو كانوا معترفين بأنها حرام، لأوشك أن لا يعاقبوا بالمسخ، كسائر الذين لم يزالوا يفعلون هذه المعاصي، ولما قيل فيهم: يستحلون ، فإن المستحل للشيء هو الذي يأخذه معتقدا حله.

فيشبه أن يكون استحلالهم الخمر، يعني به أنهم يسمونها بغير اسمها، كما جاء الحديث، فيشربون الأنبذة المحرمة ولا يسمونها خمرا، واستحلالهم المعازف باعتقادهم أن آلات اللهو مجرد سمع صوت فيه لذة، وهذا لا يحرم كألحان الطيور...

ومعلوم أن هذه التأويلات لا تغني عن أصحابها من الله شيئا بعد أن بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم، وبيّن تحريم هذه الأشياء بيانا قاطعا للعذر، هو معروف في مواضعه.

ثم رأيت هذا المعنى قد جاء في هذا الحديث: رواه أبو داود أيضا وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن غنم، عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( ليشربن ناس من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها، يُعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير ). هذا لفظ ابن ماجه: وإسنادهما واحد، وسيأتي إن شاء الله ذكره في غيره... " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (6/ 29–30).

وقال بدر الدين العيني رحمه الله تعالى:

" قوله (مِنْ أُمَّتِي) قال ابن التين: قوله (مِنْ أُمَّتِي) يحتمل أن يريد من تسمى بهم ويستحل ما لا يحل، فهو كافر إن أظهر ذلك، ومنافق إن أسره. أو يكون مرتكب المحارم تهاونا واستخفافا فهو يقارب الكفر.

والذي يوضح في النظر أن هذا لا يكون إلا ممن يعتقد الكفر ويتسم بالإسلام، أن الله عز وجل لا يخسف بمن تعود عليه رحمته في المعاد.

وقيل: كونهم من الأمة يبعد معه أن يستحلوها بغير تأويل ولا تحريف، فإن ذلك مجاهرة بالخروج عن الأمة إذ تحريم الخمر معلوم ضرورة " انتهى من "عمدة القاري" (21 / 176).

وما جاء في هذا الكلام من التعليل بقوله: " لأن الله عز وجل لا يخسف بمن تعود عليه رحمته في المعاد".

هذا تعليل فيه نظر، كما قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/51).

ويُخشى أن يصيب هذا المسخُ من يسرف في المعاصي، وإن لم يصل به الحال إلى الكفر؛ فقد ورد الوعيد بالمسخ على مخالفات لا يكفر بها المسلم، كما في حديث أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ - أَوْ: لاَ يَخْشَى أَحَدُكُمْ - إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ، أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ، أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ) رواه البخاري (691) ومسلم (427).

وإذا كان الأمر كذلك؛ فيكون كل ممسوخ له حكم بحسب نوع المخالفة التي وقع فيها، فإن كانت كفرا، كان كافرا، وإن كانت معصية ليست مكفرة، كان مسلما عاصيا.

فإذا كتب لمن ناله عقاب المسخ أن يدخل الجنة ؛ فإن هذا الدخول لا يكون إلا تطهيره من المعصية وآثارها، ومنها المسخ؛ فإن الداخل للجنة يدخلها على أحسن هيئة؛ لأنها دار السلام، أهلها سالمون من العيوب والنقائص، وجوههم ناعمة مستبشرة.

كما في قوله سبحانه وتعالى: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) القيامة/22 - 23.

وعَنْ صُهَيْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ) رواه مسلم (181).

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ، وَلاَ يَتْفِلُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمْ الأَلُوَّةُ، الأَنْجُوجُ عُودُ الطِّيبِ، وَأَزْوَاجُهُمُ الحُورُ العِينُ، عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ ) رواه البخاري (3327)، ومسلم (2834).

(الأَنْجُوجُ) هو العود الذى يتبخر به.

ثانيا:

والمخرج من هذا الوعيد بالمسخ، هو بأن يتقي المسلم المحرمات والإسراف فيها؛ فإن وقع في شيء من الذنوب، سارع إلى التوبة والاستغفار، فبهما تمحى آثار الذنوب والمعاصي.

قال الله تعالى: ( كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى * وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/81 – 82.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android