الثلاثاء 7 شوّال 1445 - 16 ابريل 2024
العربية

أوجه إبطال نسبة الولد لله من قوله تعالى: "بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ "

382330

تاريخ النشر : 19-09-2022

المشاهدات : 10593

السؤال

في قوله تعالى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) الأنعام/101، أجد أن الله عز وجل نفى أن يكون له ولد بعلة عدم وجود الصاحبة، ولكن إن سألنا: هل يلزم الله إن أراد أن يتخذ ولداً أن يكون له صاحبة؟ فإن الجواب سيكون: لا، لأن هذا من لوازم المخلوق لا من لوازم الخالق، وقياس الله تعالى بخلقه في هذا هو قياس تمثيل يستوي فيه الأصل والفرع، لا قياس أولى بحيث يجاب عنه بقوله تعالى: "ولله المثل الأعلى"، فإن المخلوق هو من يلزمه أن يتخذ صاحبة كي يكون له ولد، فإن كان الجواب نعم يلزم الله تعالى ذلك، فكيف نفر من كوننا نقيس قياس تمثيل يستوي فيه الأصل والفرع؟ وإن كان الجواب: لا، لا يلزم الله تعالى ذلك، فكيف نجيب على أن لازم هذا أن القول عبث، فإنه سبحانه وتعالى إن لم تلزمه الصاحبة لكي يتخذ ولداً، ثم يذكر في الآية:"أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة" سيكون عبثاً؟

الحمد لله.

أولا:

لا يصح معارضة الأصول المحكمة بالقياس على الفروع

اعلم يا عبد الله ، قبل كل شيء: "أن القياس عند أهله: إلحاق الفروع الحادثة، بالأصول المحكمة، فأما إبطال الأصول بالفروع ، فذلك هو الجهل الأكبر"، على تعبير الإمام الكبير محمد بن جرير الطبري، رحمه الله. انظر: "تهذيب الآثار" (5/98).

وإذا كان هذا تقرير الإمام للقياس الفقهي، وأنه لا يصح معارضة الأصل المحكم به؛ فكيف يكون فيما ذكرت من القياس العقدي ونحوه.

إن قياس الأولى، عند من يقول به من أهل العلم: إنما يراد به تقرير جهة من جهات استحقاق الله لما يوصف به من الكمال؛ وهو: أن كل كمال، لا نقص فيه بوجه من الوجوه ، يتصف به المخلوق، فالخالق أحق أن يتصف به؛ لأن واهب الكمال، لا يكون إلا كاملا، وواهب الجمال، لا يكون إلا جميلا.

فإما إذا كان هناك أصل مقرر محكم بتنزيه الله عن صفة من الصفات، أو أمر من الأمور؛ فهذا التنزيه هو نقص في حق رب العالمين، بلا أدنى ريب ولا مرية، ولا يحتاج في ذلك إلى قياس أولى أو أدنى، ولا ندخل فيه بالظن ولا الهوى، ولا الرأي، فذلك كله هو الجهل الأكبر، إن أفضى إلى إثبات ما نفاه الله عن نفسه، أو نفي ما أثبته الله تعالى لنفسه.

ونفي الصاحبة والولد عن رب العالمين، ثابت ثبوتا لا مرية فيه، معلوم من دين الإسلام بالضرورة.

وليس هذا فحسب، بل بين الله أعظم بيان أنه منزه عن ذلك تنزيها تاما، مطلقا، وأن نسبة ذلك إليه جل جلاله: نقص، وسب يتنزه رب العالمين عنه.

قال الله جل جلاله:وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا  مريم/88-95

وروى البخاري (7378)، ومسلم (2804) عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِنَّهُ يُشْرَكُ بِهِ، وَيُجْعَلُ لَهُ الْوَلَدُ، ثُمَّ هُوَ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ.

فإذا تقرر عند ذلك يا عبد الله ، وتقرر عندك أن نسبة الولد إلى الله جل جلاله، من أعظم النقص والمسبة التي نزه الله نفسه عنها ، وأنه من أبطل الباطل، وأكذب الفِرَى على رب العالمين، تكاد الأرض والجبال ألا تحتمله؛ بل تكاد السموات السبع العظام أن تنشق وتنفطر لقالة السوء هذه؛ إذا تقرر ذلك في نفسك، وأسلمت وجهك وقلبك لرب العالمين، وسلمته له خبره عن نفسه؛ فأرح خاطرك؛ فلا أولى، ولا أدنى، ولا قياس، ولا التباس يا عبد الله.

كل ما هنالك، مما يناسب مقامك، وتلقيك لكتاب رب العالمين، وتسليمك له: أن تسأل عن معنى أمر خفي عنك، أو تطلب وجه الدلالة على ذلك المقام؛ فإن تبين لك، وفهمته؛ وإلا، ففيما بين لك الله في كتابه غنية وكفاية، وعسى الله أن يمن عليك بعلم ما لم تعلم، وفهم ما لم تكن تفهم؛ فـ:

خُذ ما تَراهُ وَدَع شَيئاً سَمِعتَ بِهِ * في طَلعَةِ الشَمسِ ما يُغنيكَ عَن زُحَلِ!!

ثانيا:

وجه إبطال دعوى نسبة الولد في آية الأنعام: (أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة)

نسب المشركون والنصارى إلى الله تعالى البنين والبنات من الملائكة والجن، وعيسى عليه السلام، فأبطل الله دعواهم في هذه الآية الكريمة من ثلاثة وجوه. قال سبحانه: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌالأنعام/100، 101.

فالوجه الأول: أنه بديع السموات والأرض، أي خالقهما ومنشئهما على غير مثال سابق، وهذا يستلزم أن كل ما فيهما مخلوق، فالملائكة والجن وعيسى مخلوقون، وبطل كونهم أولادا لله.

الثاني: أن الولد إنما ينشأ عن ولادة، والولادة تقتضي وجود من تلد، وهي الزوجة والصاحبة، فنفى الله وجود الصاحبة.

لا يقال: إن الله قادر أن يكون له ولد دون صاحبة، فهذا خطأ، فالذي يُتصور صدوره عن الله-مع بطلان ذلك-: أن ينفصل منه جزء، وهذا لا يصح أن يسمى ولدا. أو أن يكون له –تعالى- صاحبة، فتلد منه ولدا.

فنفي الصاحبة ليس عبثا، بل نفي للولادة الحقيقية التي لا تكون إلا بذلك.

الثالث: أنه خلق كل شيء (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) وهذا يشمل الجن والملائكة وعيسى وغيره.

فتضمنت الآيات على إيجازها ثلاثة أوجه لإبطال دعوى المشركين والنصارى.

وكل وجه من هذه الوجوه كاف في إبطال شبهتهم، لكن من كمال القرآن تنويع الأدلة ووجوه البيان.

وقد اكتفى القرآن بذكر وجهين فقط في سورة البقرة. قال تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُالبقرة/ 116، 117.

ثم في آية الأنعام نكتة مهمة، وهي أن النصارى مضطربون في دعواهم البنوة، فإن أرادوا البنوة المجازية واستدلوا عليها بأن عيسى ولد بلا أب، كان بيانه تعالى أنه بديع السموات والأرض كاف في الرد عليهم.

وإن أرادوا الولادة الحقيقة التي تنشأ من اتصال متجانسين، كان الرد عليهم بعدم وجود الصاحبة.

ولا بد من استحضار القول المردود عليه عند النظر في الجواب.

قال فخر الدين الرازي، رحمه الله في تفسيره (13/ 92):

" إن الله تعالى سلم للنصارى: أن عيسى حدث من غير أب ولا نطفة، بل إنه إنما حدث ودخل في الوجود لأن الله تعالى أخرجه إلى الوجود من غير سبق الأب.

إذا عرفت هذا فنقول: المقصود من الآية أن يقال:

إنكم إما أن تريدوا بكونه ولدا لله تعالى، أنه أحدثه على سبيل الإبداع، من غير تقدم نطفة ووالد.

وإما أن تريدوا بكونه ولدا لله تعالى، ما هو المألوف المعهود من كون الإنسان ولدا لأبيه.

وإما أن تريدوا بكونه ولدا لله، مفهوما ثالثا مغايرا لهذين المفهومين.

أما الاحتمال الأول: فباطل، وذلك لأنه تعالى، وإن كان يحدث الحوادث في مثل هذا العالم الأسفل ، بناء على أسباب معلومة، ووسائط مخصوصة؛ إلا أن النصارى يسلمون أن العالم الأسفل محدث، وإذا كان الأمر كذلك، لزمهم الاعتراف بأنه تعالى خلق السموات والأرض من غير سابقة مادة ولا مدة، وإذا كان الأمر كذلك وجب أن يكون إحداثه للسماوات والأرض إبداعا، فلو لزم من مجرد كونه مبدِعا لإحداث عيسى عليه السلام، كونُه والدا له؛ لزم من كونه مبدعا للسماوات والأرض، كونه والدا لهما. ومعلوم أن ذلك باطل بالاتفاق، فثبت أن مجرد كونه مبدعا لعيسى عليه السلام لا يقتضي كونه والدا له، فهذا هو المراد من قوله: (بديع السماوات والأرض) وإنما ذكر السماوات والأرض فقط ولم يذكر ما فيهما لأن حدوث ما في السماوات والأرض ليس على سبيل الإبداع، أما حدوث ذات السماوات والأرض فقد كان على سبيل الإبداع، فكان المقصود من الإلزام حاصلا بذكر السماوات والأرض، لا بذكر ما في السماوات والأرض، فهذا إبطال الوجه الأول.

وأما الاحتمال الثاني: وهو أن يكون مراد القوم من الولادة، هو الأمر المعتاد المعروف من الولادة في الحيوانات، فهذا أيضا باطل ويدل عليه وجوه:

الوجه الأول: أن تلك الولادة لا تصح إلا ممن كانت له صاحبة وشهوة، وينفصل عنه جزء ويحتبس ذلك الجزء في باطن تلك الصاحبة، وهذه الأحوال إنما تثبت في حق الجسم الذي يصح عليه الاجتماع والافتراق والحركة والسكون والحد والنهاية والشهوة واللذة، وكل ذلك على خالق العالم محال. وهذا هو المراد من قوله: (أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة).

والوجه الثاني: أن تحصيل الولد بهذا الطريق، إنما يصح في حق من لا يكون قادرا على الخلق والإيجاد والتكوين دفعة واحدة، فلما أراد الولد وعجز عن تكوينه دفعة واحدة عدل إلى تحصيله بالطريق المعتاد. أما من كان خالقا لكل الممكنات قادرا على كل المحدثات، فإذا أراد إحداث شيء قال له: كن فيكون، ومن كان هذا الذي ذكرنا صفته ونعته، امتنع منه إحداث شخص بطريق الولادة وهذا هو المراد من قوله: (وخلق كل شيء)...

فثبت بما ذكرنا أنه لا يمكن إثبات الولد لله تعالى بناء على هذين الاحتمالين المعلومين، فأما إثبات الولد لله تعالى بناء على احتمال ثالث فذلك باطل؛ لأنه غير متصور ولا مفهوم عند العقل، فكان القول بإثبات الولادة بناء على ذلك الاحتمال الذي هو غير متصور، خوضا في محض الجهالة، وأنه باطل، فهذا هو المقصود من هذه الآية.

ولو أن الأولين والآخرين اجتمعوا على أن يذكروا في هذه المسألة كلاما يساويه في القوة والكمال لعجزوا عنه، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله" انتهى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: " وكل من قال: إن لله ولدا، لزمه أن يكون له صاحبة بأي وجه فسر الولادة، وأن يكون له ولد حادث، ولهذا قال تعالى (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الأنعام: 100 - 101]؛ فاستفهم تعالى استفهام إنكار، ليبين امتناع أن يكون له ولد، إذ لم تكن له صاحبة، فإن الولد لا يكون إلا من أصلين، وهذا مما ينبغي أن يُتفطن له .." انتهى، من "الجواب الصحيح" (4/469).

وقال أيضا: " فقوله تعالى: أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة ، بيان أن التولد لا يكون إلا بين اثنين؛ وهو سبحانه لا صاحب له فكيف يكون له ولد. وهذا القدر لما كان مستقرا في فطر الناس، كان عامة ما يسمونه تولداً ونتاجاً إنما يكون عن أصلين ...

ثم قال تعالى: وخلق كل شيء ، وذلك بيان: أنه إذا كان خالقاً لجميع الأشياء، فكيف يكون فيها ما هو متولد عنه؟ والجمع بين الخلق والتوليد ممتنع، كما يمتنع الجمع بين التولد والتعبد. كما قال تعالى: وقالوا اتخذ الرحمن ولدا * لقد جئتم شيئا إدا * تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا * أن دعوا للرحمن ولدا * وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا * إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا ...

وكذلك قوله تعالى: وهو بكل شيء عليم كما، قال في الآية الأخرى: لقد أحصاهم وعدهم عدا ، فإن إحاطة العلم والعد بهم : فيه بيان أنه لا يكون منهم إلا ما يعلمه، لا ينفردون عنه بشيء، كما ينفرد الولد عن والده، والشريك عن شريكه. وقوله في الآية الأخرى: بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ، بيان لكونه سبحانه يخلق الأشياء بكلمته، وأنها منقادة له، فإذا قال له: كن، كانت؛ وهذا مناف للتوليد، بل خلق المسيح عليه السلام بكلمة (كن) .وقد عُلم في الشاهد أن من يدبر الأشياء بمجرد كلمته، ليس كالذي يحتاج إلى أن تولد منه الأشياء، فكيف يوصف بالتولد، وهو سبحانه في جميع ما يقضيه إنما يقول له: كن فيكون؟" انتهى، مختصرا من "درء تعارض العقل والنقل" (7/374).

فبان بذلك بلاغة القرآن العظيم، وحسن بيانه، وتنويع الجواب ليصادف الاحتمالات الموجودة لدى المبطلين.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب