هذا الخبر رواه الثعلبي في تفسيره "الكشف والبيان" (8 / 121 — 123): عن مُحَمَّد بْن الأَشْرَس، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْمَدِينِيُّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الْقَاسِم بن الْحَسَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: ( لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَخْلُقَ الْخَيْلَ قَالَ لِرِيحِ الْجَنُوبِ: إِنِّي خَالِقٌ مِنْكِ خَلْقًا أَجْعَلُهُ عَزًّا لأَوْلِيَائِي، وَمَذَلَّةً عَلَى أَعْدَائِي ...
فَلَمَّا عرض الله تعالى على آدم من كل شئ، فَقَالَ لَهُ: اخْتَرْ مِنْ خَلْقِي مَا شِئْتَ، فَاخْتَارَ الْفَرَسَ، فَقِيلَ لَهُ: اخْتَرْتَ عِزَّكَ وَعِزَّ وَلَدِكَ خَالِدًا مَا خَلَدُوا وَبَاقِيًا مَا بَقُوا … ).
وهذا إسناد ضعيف جدا، ففيه أبو جعفر المديني، والقاسم بن الحسن، لم نقف حالهما.
ومحمد بن الأشرس قد ضُعِّف.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" محمد بن أشرس السلمي، عن إبراهيم بن رستم: ضعيف بمرة، وله عن مكي بن إبراهيم، واتهمه بعضهم وتركه محمد بن يعقوب بن الأخرم" انتهى. "المغني في الضعفاء" (2 / 557).
والحسن بن زيد ضُعِّف أيضا، ووصف بأنه يروي عن أبيه أخبارا منكرة، وبه حكم ابن الجوزي على الحديث بأنه موضوع مكذوب.
قال رحمه الله تعالى:
" هذا حديث موضوع بلا شك.
قال يحيى: الحسن بن زيد ضعيف الحديث. وقال ابن عديّ: يروي أحاديث معضلة، وأحاديثه عن أبيه منكرة " انتهى. "الموضوعات" (2 / 224).
ورواه أبو الشيخ في "العظمة" (5/1778)، قال: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبَانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدَكٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ قَيْسٍ الرَّحَبِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: ( لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ عز وجل أَنْ يَخْلُقَ الْخَيْلَ قَالَ لِلرِّيحِ الْجَنُوبِ: إِنِّي خَالِقٌ مِنْكِ خَلْقًا، أَجْعَلُهُ عِزًّا لِأَوْلِيَائِي، وَمَذَلَّةً لِأَعْدَائِي، وَجَمَالًا لِأَهْلِ طَاعَتِي …
قَالَ: فَجَمَعَ مَا خَلَقَ مِنْ شَيْءٍ، فَعَرَضَهُ عَلَى آدَمَ عليه السلام، ثُمَّ سَمَّاهُ بِاسْمِهِ فَقَالَ: يَا آدَمُ اخْتَرْ مِنْ خَلْقِي مَا شِئْتَ. فَاخْتَارَ آدَمُ عليه السلام الْفَرَسَ فَقَالَ الرَّبُّ تَعَالَى: "اخْتَرْتَ عِزَّكَ وَعِزَّ وَلَدِكَ خَالِدًا مَعَهُمْ مَا خَلَدُوا … ).
وفي إسناده حسين بن قيس: وهو ضعيف الحديث.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" حسين بن قيس الرحبي عن عكرمة: ضعفوه " انتهى. "المغني في الضعفاء" (1/175).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" الحسين بن قيس الرّحبيّ، أبو عليّ الواسطيّ ...: متروك " انتهى. "تقريب التهذيب" (ص 168).
وعبد الله بن زياد، لم نعرف من هو.
قال محقق كتاب "العظمة":
" لم أجد ترجمته، وقد ذكر الخطيب رجلا اسمه عبد الله بن زياد بن سمعان، ولكنه مدائني، قدم بغداد في أيام المهدي، انظر "تاريخ بغداد" (9/455) وهو متروك " انتهى.
والظاهر أنه غيره، فعبد الله بن سمعان يزعم أنه يحدث عن مجاهد ونافع مولى ابن عمر، كما في "تاريخ بغداد" (11/123).
ثم هو موقوف على ابن عباس، فعلى فرض صحة الإسناد إليه، فيحتمل أن يكون من الأخبار الإسرائيلية التي كان يحدث بها من أسلم من أهل الكتاب ككعب الأحبار.
ورواه أبو الشيخ أيضا في "العظمة" (5/1777)، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا بِسْطَامُ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ عَطِيَّةَ قَالَ: قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: ( بَلَغَنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ الْفَرَسَ قَالَ لِلرِّيحِ الْجَنُوبِ: "إِنِّي خَالِقٌ مِنْكِ خَلْقًا أَجْعَلُهُ عِزًّا لِأَوْلِيَائِي، وَجَمَالًا لِأَهْلِ طَاعَتِي …
فَلَمَّا عُرِضَ الْخَلْقُ عَلَى آدَمَ عليه السلام قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " يَا آدَمُ اخْتَرْ مِنْ خَلْقِي مَنْ أَحْبَبْتَ، فَاخْتَارَ الْفَرَسَ فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: "اخْتَرْتَ عِزَّكَ وَعِزَّ وَلَدِكَ بَاقِيًا مَا بَقَوْا … ).
وفي إسناده من هو مجهول.
فبسطام بن جعفر لم نقف على من وثقه، إلا ذكر ابن حبان له في "الثقات" (8 / 155)، وقال محقق الكتاب: " لم نظفر به ".
وزيد بن عطية مجهول.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" زيد بن عطية الخثعمي أو السلمي: مجهول" انتهى. "تقريب التهذيب" (ص224).
ثم الخبر موقوف على وهب بن منبه، قال: بلغني.
ووهب مشهور برواية أخبار أهل الكتاب.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" وروايته للمسند قليلة، وإنّما غزارة علمه في الإسرائيليّات، ومن صحائف أهل الكتاب " انتهى. "سير أعلام النبلاء" (4 / 545).
الخلاصة:
هذا الخبر لا تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل وصف بأنه موضوع.
وقد ورد بأسانيد ضعيفة من قول ابن عباس رضي الله عنه، ومن قول وهب بن منبه رحمه الله تعالى، وعلى فرض صحته إليهما، فالظاهر أنه يكون من أخبار بني إسرائيل التي لا تفيد علما.
والله أعلم.