من المعلوم أن تكاليف الشرع أُمر بها الإنس والجن، الذين لهم العقل والقدرة على فهم ما أرسل به رسل الله عليهم الصلاة والسلام.
والإنس والجن هم الذين يوصف مؤمنهم ومحسنهم بالإيمان ، ويوصف عاصيهم بالكفر والفسوق والعصيان .
وأما الحيوانات والبهائم: فهي غير مكلفة، وما أشرت إليه من وصف بعض الحيوانات بالفسوق، كمثل ما ورد في حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( خَمْسٌ فَوَاسِقُ، يُقْتَلْنَ فِي الحَرَمِ: الفَأْرَةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالحُدَيَّا، وَالغُرَابُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ ) رواه البخاري (3314) ومسلم (1198).
وروى البخاري (1831) ومسلم (2239) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِلْوَزَغِ: فُوَيْسِقٌ ).
فالفسوق في لغة العرب أصله الخروج عن الاستقامة.
قال ابن الأثير رحمه الله تعالى:
" أصل الفسوق: الخروج عن الاستقامة، والجور، وبه سمي العاصي فاسقا، وإنما سميت هذه الحيوانات فواسق على الاستعارة ، لخبثهن " انتهى. "النهاية في غريب الحديث" (3 / 446).
وهذه الحيوانات خرجت بطبعها عن سائر الحيوانات بالخبث والإيذاء والإفساد.
قال النووي رحمه الله تعالى:
" وأما تسمية هذه المذكورات فواسق: فصحيحة جارية على وفق اللغة.
وأصل الفسق في كلام العرب: الخروج، وسمي الرجل الفاسق لخروجه عن أمر الله تعالى وطاعته، فسميت هذه فواسق لخروجها بالإيذاء والإفساد عن طريق معظم الدواب " انتهى. "شرح صحيح مسلم" (8 / 114).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وسماهن فواسق؛ لأنهن يفسقن: أي يخرجن على الناس ويعتدين عليهم، فلا يمكن الاحتراز منهن، كما لا يحترز من السباع العادية " انتهى. "مجموع الفتاوى" (11 / 609).
فكل واحد من هذه الحيوانات له نوع إيذاء وإفساد.
قال بدر الدين العيني رحمه الله تعالى:
" وسميت هذه الخمس فواسق: لخروجها عن الحرمة التي لغيرهن، وأن قتلهن للمحرم وفي الحرم مباح، فالغراب ينقر ظهر البعير وينزع عينه إذا كان مسيرا، ويختلس أطعمة الناس، والحدأة كذلك تختلس اللحم والفراريج، والعقرب تلدغ وتؤلم، والفأرة تسرق الأطعمة وتفسدها وتقرض الثياب وتأخذ الفتيلة من السراج وتضرم بها البيت، والكلب العقور يجرح الناس " انتهى. "عمدة القاري" (10 / 183).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" ووقع في حديث أبي سعيد عند ابن ماجه: ( قيل له: لم قيل للفأرة فويسقة؟ فقال لأن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ لها وقد أخذت الفتيلة لتحرق بها البيت )، فهذا يومئ إلى أن سبب تسمية الخمس بذلك لكون فعلها يشبه فعل الفساق " انتهى. "فتح الباري" (4 / 37).
ويحسن للأهمية مطالعة جواب السؤال رقم (289055).
والحاصل:
أن تسمية بعض الحيوانات بـ "الفاسق" ليس معناه أنها عاصية ، ولكن ذلك بسبب خبثها وإيذائها للناس، فطبعها مخالف لطبع سائر الحيوانات .
والله أعلم