للأب الحق في رؤية أولاده إذا كانوا في حضانة الأم، ومنعه من رؤيتهم فيه قطع للرحم وتعويد للأبناء على عدم بر الأب، وهذا لا يجوز.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (17 / 317):
" لكل من أبوي المحضون إذا افترقا حق رؤيته وزيارته، وهذا أمر متفق عليه بين الفقهاء...
ولا يمنع أحد الأبوين من زيارتها – أي البنت - عند الآخر، لأن المنع من ذلك فيه حمل على قطيعة الرحم ... " انتهى.
لكن كون هذا الأب يحرض أولاده على عقوق أمهم ويغتابها ويبهتها، كل هذا لا شك أنه إضرار بالأم، والقاعدة الفقهية تنص على : أن الضرر يزال.
عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ - رضي الله عنه - : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قالَ : لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ رواه الحاكم (2 / 57 - 58)، وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم، وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1 / 498).
فهنا مصلحتان مطلوبتان، وهما: تحقيق صلة الرحم، ودفع الضرر، فمتى أمكن تحقيق المصلحتين معًا، وجب ذلك، ولم يفوت منهما واحدة.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" الشريعة مبناها على تحصيل المصالح بحسب الإمكان، وأن لا يفوت منها شيء، فإن أمكن تحصيلها كلها حصلت، وإن تزاحمت ولم يمكن تحصيل بعضها إلا بتفويت البعض قدم أكملها وأهمها وأشدها طلبا للشارع " انتهى. "مفتاح دار السعادة" (2/905).
وبناء على هذا؛ فإذا أمكن الجمع بين المصلحتين فهذا هو الواجب ، وذلك بأن تمكنيه من رؤية أولاده على حال لا يستطيع أن يتكلم بالكلام السيء ، كأن يزورهم عندك في البيت مع وجود أحد من محارمك معك، ونحو هذا.
ولمزيد الفائدة يحسن مطالعة جواب السؤال رقم: (112013).
ولكننا نعلم أن هذا الحل غير واقعي، وغير ممكن في الغالب ، وإذا كان الأمر كذلك فمن حقك منع الأولاد من الاتصال بوالدهم ، ويكون الوالد باعتدائه عليك هو المتسبب في إسقاط حق نفسه ، وإذا كان هناك قضاء شرعي ، فالقاضي الشرعي ينصف المظلوم ، ويلزم الظالم بالكف عن ظلمه وعدوانه .
وإذا لم يوجد هذا القضاء ، فاعلمي أنك لن تستطيعي منعهم من الاتصال بوالدهم ، مهما فعلت ، لأن الهاتف صار في يد كل أحد ، ومن السهل التواصل معه ، وإذا تمكنت من منعهم اليوم ، فلن تستطيعي ذلك غدا ، فمحاولتك لذلك أو إصرارك عليه، ربما يفسد العلاقة بينك وبين أولادك ويجعلها دائما علاقة متوترة .
ونحن نعلم مدى الألم الذي تشعرين به ، ولكننا نخشى أن يكون منعك الأولاد من الاتصال به يؤدي إلى مزيد من الكلام والمشاكل ، فنكون قد سكبنا البنزين على النار ، بدلا من إطفائها .
فالذي ننصحك به في هذه الحالة ، هو ما يلي :
- نوصيك بالصبر ، فإن عاقبة الصبر حميدة ، وسينصر الله تعالى الصابر على من ظلمه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: واعلم أن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسرا رواه الإمام أحمد (2804) وصححه أحمد شاكر ، كما صححه الألباني ، "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (2382) .
- وإذا أمكنك أن توسطي أحدًا من العقلاء ليقوم بنصحه، ويتناسى الماضي ، فقد يكون ذلك مفيدا في حل هذه المشكلة .
- اهتمي بتربية أولادك ، وسيظهر الله لهم كذب الافتراءات التي تقال عنك بتصرفاتك وسلوكياتك ، فالكذاب – في الغالب- لابد أن يفضحه الله تعالى .
- أجتنبي مواضع الشبهات ، فإن أولادك سنهم صغير ، قد يفهمون الأمور على غير حقيقتها ، فابتعدي عن مواضع الشبهات ، حتى لا يقوى في نفوسهم ما يقال عنك ، وكوني قدوة صالحة لهم .
نسأل الله تعالى أن ييسر لكم أموالكم ، وأن يصلح أحوالكم .
والله أعلم.
