هذا النذر من باب منع النفس من الوقوع في المعصية، فهذا النذر يسميه أهل العلم "نذر اللجاج والغضب" وهو في حكم اليمين، وإذا كان قد نذر طاعة معينة، من صيام، أو صدقة، أو نحو ذلك= فهو مخير بين أن يفعل ما نذره، أو أن يخرج كفارة يمين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " والنذر نوع من اليمين، وكل نذر فهو يمين، فقول الناذر: لله علي أن أفعل. بمنزلة قوله: أحلف بالله لأفعلن؛ موجب هذين القولين التزام الفعل معلقا بالله. والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : (النذر حلف) فقوله: إن فعلت كذا فعلي الحج لله. بمنزلة قوله: إن فعلت كذا فوالله لأحجن " انتهى. "مجموع الفتاوى" (35 / 258).
وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى: " إذا أخرج النذر مخرج اليمين، بأن يمنع نفسه أو غيره به شيئا، أو يحث به على شيء، مثل أن يقول: إن كلمت زيدا، فلله علي الحج، أو صدقة مالي، أو صوم سنة= فهذا يمين، حكمه أنه مخير بين الوفاء بما حلف عليه، فلا يلزمه شيء، وبين أن يحنث، فيتخير بين فعل المنذور، وبين كفارة يمين، ويسمى نذر اللجاج والغضب " انتهى. "المغني" (13 / 461).
وسُئلت "اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء": " إنني أقسمت على نفسي منذ عدة سنوات، بألا أفعل شيئا معينا، وأنني لو فعلت هذا الفعل فيجب علي أن أتبرع بمبلغ كبير من المال، وهذا من باب ردع النفس الأمارة بالسوء، ولكني حنثت في ذلك القسم أكثر من مرة، وتبرعت بذلك المبلغ من المال، وبعد ذلك أكدت القسم بقسم آخر مثله، وبمبلغ كبير جدا، فماذا يجب علي، والمبلغ الأخير فوق طاقتي؟
الجواب: يلزمك عما ذكرت كفارة يمين، إذا كان قصدك من النذر منع نفسك من عمل شيء ما، وكفارة اليمين: إطعام عشرة مساكين لكل مسكين كيلو ونصف من الطعام الذي يؤكل في بلدكم، أو كسوة العشرة لكل مسكين ثوب، أو عتق رقبة مؤمنة، مخير بين هذه الأمور، فإن لم تستطع واحدا منها فإنك تصوم ثلاثة أيام؛ لأن هذا النذر يجري مجرى اليمين، والله سبحانه وتعالى يقول: ( قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ )، وتحلة الأيمان هي الكفارة على النحو الذي ذكرناه لك.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
بكر أبو زيد ، عبد العزيز آل الشيخ ، صالح الفوزان ، عبد الله بن غديان ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى. (23 / 202 – 203).
والنذر الذي يقصد به اليمين حكمه حكم سائر الإيمان إن تكرر بأن ينذر ثم يحنث ولا يكفّر، ثم ينذر ويحنث مرة أخرى فإنه تكفيه كفارة واحدة.
قال ابن مفلح رحمه الله تعالى: " ومن لزمته أيمان قبل التكفير فكفارة، اختاره الأكثر...
ومثله الحلف بنذور مكررة، أو بطلاق مكفَّر، قاله شيخنا.
ونقل ابن منصور: فيمن حلف نذورًا كثيرة مسماةً، إلى بيت الله؛ أن لا يكلم أباه أو أخاه: فعليه كفارة يمين " انتهى. "الفروع" (10 / 455).
وقال الشيخ منصور البهوتي رحمه الله تعالى: " (ومن لزمته أيمان موجبها واحد، ولو على أفعال) نحو: والله لا دخلتُ دار فلان، والله لا أكلت كذا، والله لا لبست كذا، وحنث في الكل (قبل تكفير، فكفارة واحدةٌ) نصا [أي : نص عليه الإمام أحمد] ؛ لأنها كفارات من جنس، فتداخلت؛ كالحدود من جنس، وإن اختلفت محالها، كما لو زنى بنساء أو سرق من جماعة.
(وكذا حلف بنذور مكررة) أن لا يفعل كذا، وفعله، أجزأه كفارة واحدة؛ لأن الكفارة للزجر والتطهير، فهي كالحدود " انتهى. ""دقائق أولي النهى" (6 / 390).
وعلى هذا ؛ فأنت مخير بين أن تخرج 500 ريال عن هذين النذرين، أو تكفر عنهما كفارة يمين واحدة، وما دمت قد أخرجت 500 ريال ، فقد أبرأت ذمتك من النذر ، ولا شيء عليك بعد هذا .
والنصيحة لك أن تجاهد نفسك في ترك المعصية، طاعة لله تعالى؛ وليس خوفا من إخراج النقود.
سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: " فضيلة الشيخ: أنا شاب نذرت على نفسي أن أترك المعصية ونذرت سبع مرات، كلما أنذر أعود لتلك المعصية، فأنذر على نفسي تركها، هل علي ذنب، وهل له كفارة، وهل يجوز لي الحج قبل الكفارة؟
فأجاب: أنصح أخانا ألا يجعل الحامل له على ترك المعصية النذر؛ لأنه يعتاد هذا، حتى لا يدع المحرم إلا بنذر، والله عز وجل يقول في كتابه: ( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ )، يعني: أطيعوا طاعة معروفة بدون يمين ولا حاجة للقسم، كذلك لا حاجة للنذر، اجعل عندك عزيمة قوية لتستطيع أن تدع هذه المعصية بدون نذر، هذا هو الأفضل والأولى، ولكن إذا نذرت ألا تفعل المعصية ثم فعلتها؛ فعليك أن تستغفر الله وتتوب من هذه المعصية، ولا تعود إليها " انتهى. "اللقاء الشهري" (5 / 16 ترقيم الشاملة).
والله أعلم.