الأربعاء 15 شوّال 1445 - 24 ابريل 2024
العربية

كيف يدعو عيسى عليه السلام الكفار إلى الإسلام إذا كانوا سيموتون بريح نفسه؟

344085

تاريخ النشر : 23-07-2021

المشاهدات : 6671

السؤال

جاء في الحديث الشريف أنه عندما يأتي عيسى وينزل ، يموت كلّ كافر عندما يصل نفس عيسى إليه وأنّ أنفاسه تمتد مدّ بصره ، لكنني سمعت أيضًا أنّ العديد من النصارى سوف يعتنقون الإسلام بعد أن يكشف لهم عيسى حقيقة الإسلام. كيف يمكن أن يعتنقوا الإسلام إذا كانوا قد ماتوا بالفعل ؟ سمعت أنه سيدعو الناس إلى الإسلام بينما يرفضه كثيرون. كيف يمكن أن يرفضوا ذلك حيث أنّهم ماتوا بالفعل عند نزوله؟ في الحديث ، ادّعى الدجال أنّه قال لصحابة النبي محمد أنّه من الأفضل أن يتبعوه. كيف يمكن للدجال الذي يُعتبر بنفسه مخادعا أن يقدّم النصيحة الجيّدة للصحابة؟ سمعت أنّه سيكون هناك دمار في الأرض قبل مجيئه. أيّ أرض ستكون وفقًا للأدلّة والعقاب الذي سيحدث عندما يتمّ مسخ الناس إلى قردة وخنازير ، تبتلعهم الأرض ويُرشَقون بالحجارة. من هم الناس الذين سيواجهون هذه العقوبة؟

الحمد لله.

أولاً:

المراد بخبر " موت الكافر بريح نفس عيسى عليه السلام " 

عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، قَالَ: "ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ...

فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ، فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ...  رواه مسلم (2937).

وفي هذا الحديث إخبار بأن الكافر يموت بمجرد أن يصل إليه ريح نَفَس عيسى عليه السلام، والله تعالى أعطى لهذا النَّفَس القدرة على الوصول إلى أقصى ما يبصره عيسى عليه السلام.

قال أبو العباس القرطبي رحمه الله تعالى: "معناه: أن الكفار لا يقربونه، وإنما يهلكون عند رؤيته ووصول نفَسه إليهم، تأييدٌ من الله له وعصمة، وإظهارُ كرامةٍ ونعمةٍ" انتهى من "المفهم" (7/284).

والذي يظهر أن هذا الكرامة تكون لعيسى عليه السلام وقت نزوله، لا في كل وقت وحين، ويدل على هذا:

1-أن نزول نبي الله عيسى حدثٌ عظيمٌ، فكان من المناسب أن تصاحبه بعض الأمور الخارجة عن العادة، دلالةً وتأكيدًا وتثبيتًا لصدقه، كنزول ملكين كريمين معه، وموت كل من يجد نَفَسه من الكفار ذلك الوقت.

2-أن الدجال يهرب من عيسى بن مريم، فيلحق به ويقتله في فلسطين، كما في حديث النواس:  فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ  ، وفي حديث أبي هريرة مرفوعا في صحيح مسلم:  فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللهِ، ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللهُ بِيَدِهِ، فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ .

ولو كان الكافر يموت من نَفَسه كل وقت، لما كان ثمة حاجة لاستخدام الحربة في قتل الدجال، فيكفي أن يجد نفس نبي الله ليموت منه.

3-أن نبي الله عيسى يحتمي ومن معه من المؤمنين في جبل الطور بعد ظهور يأجوج ومأجوج، كما في الحديث:  فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ، وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ  ، ولو كان كل كافر يجد ريحه يموت، مطلقا في كل وقت؛ لما كان ثمة حاجة لهذا الانزواء منهم، إذ سيهلكون بمجرد الاقتراب منه إذا وجدوا ريح نَفَسه، وهو يصل إلى امتداد بصره.

فكل هذا يدل على أن هذه الكرامة تكون وقت نزوله فقط.

قال الملا علي القاري: " ويجوز كون هذه الكرامة لعيسى أولًا حين نزوله، ثم تكون زائلة حين يرى الدجال، إذ دوام الكرامة ليس بلازم". انتهى من "مرقاة المفاتيح" (8/3462)

وذكر الملا وجوهًا أخرى من الجمع بين الأحاديث، إلا أن ما ذكرناه هو أقربها، فكما أن نزوله واضعا يديه على أجنحة ملكين خاص بلحظة نزوله، فكذا هذه الكرامة أيضًا، فقد ذُكرا في مساق واحد.

وعليه؛ فلا إشكال بين موت من يجد ريح نفسه من الكفار وقت نزوله، وبين دعوته غير المسلمين إلى الإسلام بعد ذلك.

ثانيا:

لماذا قال الدجال في حديث الجساسة: (أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه )

في حديث الجساسة المشهور المتضمن قصة قوم تميم الداري مع الدجال الموجود في جزيرة، وفيه:  قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَبِيِّ الْأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ؟ قَالُوا: قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ، قَالَ: أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ، قَالَ لَهُمْ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ .

وقوله:  أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ ؛ أَنْ يُطِيعُوهُ  : لا إشكال فيه، فلا يلزم من كونه دجَّالا وكذَّابا ومخادعًا، أن يكون كل كلامه كله كذلك، فقد يصدق الكذوب، كما صدق الشيطان النصيحةَ لأبي هريرة في قصته المشهورة معه، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ).

وليس في سياق الكلام ما يدل على أنه قال ذلك على وجه النصيحة لهم، وإرشادهم أن يتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم؛ فالذين حدثوا الدجال، وحدثهم: هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، الذين آمنوا به ، وأطاعوه، وهو إنما "يخبر" عن حال العرب، وأنهم لو أطاعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكان خيرا لهم ، وفرق بين مقام الخبر المحض، ومقام الإرشاد والدعوة والاختيار.

قال التوربشتي: " فإن قيل: يشبه هذا القولُ قولَ من عرف الحق، والمخذولُ [يعني: الدجال] من البعد من الله بمكان لم يُر له فيه مساهم، فما وجه قوله هذا؟

قلنا: يحتمل أنه أراد به الخير في الدنيا، أي: طاعتهم له خير لهم، فإنهم إن خالفوه اجتاحهم واستأصلهم.

ويحتمل أنه من باب الصرفة، صرفه الله عن الطعن فيه، والنكير عليه، وتفوه بما ذكر عنه، كالمغلوب عليه، والمأخوذ عنه؛ لم يستطع أن يتكلم بغيره؛ تأييدا لنبيه - صلى الله عليه وسلم - والفضل ما شهدت به الأعداء. انتهى، من "الميسر في شرح مصابيح السنة" (4/1171).

ثالثا:

هل يحصل الدمار في الأرض قبل يوم القيامة؟

ثبت أن من علامات الساعة كثرة الزلازل والخسف والمسخ.

كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الهَرْجُ - وَهُوَ القَتْلُ القَتْلُ - حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ المَالُ فَيَفِيضَ  رواه البخاري (1036).

قال ابن حجر رحمه الله تعالى: "المراد بكثرتها: شمولها ودوامها" انتهى. "فتح الباري" (13/87).

وكما في الحديث المشهور:  لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ - يَعْنِي الفَقِيرَ - لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا، فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ، وَيَضَعُ العَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ  رواه البخاري (5590).

لكن هذا لا يعني دمار الأرض قبل قيام الساعة، وإنما المراد ظهور هذه العلامات في أنحاء من الأرض، علامة على اقتراب الساعة ليتأهب لها المؤمن، ولا يغفل عنها.

وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم (34618) ورقم (334348).

نسأل الله الكريم أن يعصمنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب