الجمعة 10 شوّال 1445 - 19 ابريل 2024
العربية

عقد لها أخوها الذي لا يصلي في غيبة أبيها

330072

تاريخ النشر : 09-01-2020

المشاهدات : 10298

السؤال

تزوجت في أحد مساجد النرويج قبل ثلاث سنوات ولم يكن والدي حاضراً؛ لأنه يعيش في بلد آخر ولم يكن له علم بالموضوع إطلاقا لأني فقدت التواصل معه منذ زمن بعيد، وفي هذه الحالة سألت إن كان يمكن لأخي الغير متدين الذي لا يصلي ولا يصوم ولا يخرج الزكاة ويتعاطى الدخان والهروين والكوكين... أن يكون وليي، فأفتى الإمام الذي تولى تزويجي أن ذلك ممكن، وتم الزواج على هذا النحو وعندي الآن طفلين. فما رأيكم؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

يشترط لصحة النكاح أن يعقده الولي أو وكيله ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :   لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7557).

وقوله صلى الله عليه وسلم :  أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل  رواه أحمد ( 24417)، وأبو داود (2083)، والترمذي (1102)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (2709).

وولي المرأة هو : أبوها ، ثم أبوه وإن علا ، ثم ابنها وابنه وإن سفل (هذا إن كان لها ولد) ، ثم أخوها لأبيها وأمها ، ثم أخوها لأبيها فقط ، ثم أولادهم وإن سفلوا ، ثم العمومة ، ثم أولادهم وإن سفلوا ، ثم عمومة الأب، ثم السلطان. "المغني" (9/355)

وليس للولي الأبعد أن يزوج مع وجود الولي الأقرب ، وإمكان حضوره أو توكيله .

وإذا زوج الأبعد عند غياب الولي الأقرب ، فهذا محل خلاف بين أهل العلم ، فمنهم من قال : إن غاب غيبة منقطعة ، جاز للأبعد تزويجها ، ومنهم من قال : إن لم تمكن مراجعة الولي الأقرب وخيف فوات الخاطب الكفء زوجها الأبعد ، ومنهم من قال : لا يزوجها الولي الأبعد بحال ، بل يزوجها السلطان .

وينظر: "الموسوعة الفقهية" (31/322).

قال في "زاد المستقنع" : " فإن عضل الأقرب ، أو لم يكن أهلا ، أو غاب غيبة منقطعة ، لا تقطع إلا بكلفة ومشقة : زوج الأبعد " .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " قوله: أو غاب غيبة منقطعة لا تقطع إلا بكلفة ومشقة زوج الأبعد ، أي: غاب عن بلد المرأة المخطوبة أبوها مثلا، أو أخوها، أو وليها، غيبة منقطعة، وفسرها بقوله: لا تقطع إلا بكلفة ومشقة فإنه يزوج الأبعد.

والمؤلف ـ رحمه الله ـ قيد الغيبة بالتي لا تقطع إلا بكلفة ومشقة، وهذا يختلف باختلاف الأزمان، ففيما سبق كانت المسافات بين المدن لا تقطع إلا بكلفة ومشقة، والآن بأسهل السبل، فربما لا يحتاج إلى سفر، فيمكن يخاطب بالهاتف، أو يكتب الأب بالفاكس وكالة ويرسلها بدقائق، فالمسألة تغيرت.

وقيده بعض أهل العلم بما إذا غاب غيبة يفوت بها الخاطب، يعني ـ مثلا ـ قال الخاطب: أنا لا أنتظر إلى يومين أو ثلاثة أو عشرة أيام، أو شهر، أعطوني خبرا في خلال يوم، وإلا فلا.

فبعض العلماء يقول: إذا كانت الغيبة يفوت بها الخاطب الكفء فإنه تسقط ولايته...

والذي ينبغي أن يقال: إن كانت مراجعته ممكنة فإنه لا يزوِّج الأبعد ؛ والسبب في هذا أننا لو قلنا بتزويج الأبعد في هذه الحال مع إمكان المراجعة ؛ لأدى ذلك إلى الفوضى ، وصار كل إنسان يريد امرأة يذهب إلى ابن عمها إذا غاب أبوها ـ مثلاً ـ في سفر حج ، أو نحوه ، ثم يقول : زوجني ، فيحصل بذلك فوضى ما لها حد ، فالصواب أنه يجب مراعاة الولي الأقرب لا سيما في الأبوة فلا يُزوج إلا إذا تعذر .

فمثلا لو فرضنا أن الأب سافر إلى بلاد أوروبية، ولا نعلم عنه خبرا فهنا نقول: ما نفوت مصلحة البنت من أجل أن نطلب هذا الرجل؛ لأننا يمكن أن نبقى شهرين أو ثلاثة أو سنة ما نعلم عنه، والمذهب ـ أيضا ـ خلاف كلام المؤلف، فالمذهب إذا غاب مسافة قصر زوج الأبعد، وعلى هذا فلو كان ـ مثلا ـ الولي في الزلفى وهي في عنيزة ، لا نراجع أباها، ويزوجها الأبعد؛ لأنهم يعتبرون أن من بينه وبين موليته مسافة قصر تسقط ولايته، ولكن كل هذا فيه نظر، فالصواب أنه متى أمكن مراجعة الولي الأقرب فهو واجب، وإذا لم يمكن، وكان يفوت به الكفء فليزوجها الأبعد " انتهى من "الشرح الممتع" (12/89-91).

فإن كان يمكنك الاتصال بأبيك ليحضر أو ليوكل غيره، فعقد أخيك لك لا يصح.

وإن كان لا يمكنك الاتصال بأبيك لعدم معرفة مكانه وهاتفه، صح تزويج أخيك لك.

ثانيا:

قد ذكرت أن أخاك لا يصلي، وتارك الصلاة كافر على القول الراجح، فلا تصح ولايته.

وينظر في تكفير تارك الصلاة: جواب السؤال رقم (5208)

وأما من لم يكفر تارك الصلاة، فإنه يحكم عليه بالفسق، وولاية الفاسق محل خلاف بين العلماء ، فمذهب الشافعية والحنابلة أنها لا تصح ، وذهب فقهاء الأحناف إلى صحة ولاية الفاسق ، وهو مشهور مذهب المالكية. إلا أنهم كرهوا ولايته .

وينظر : نهاية المحتاج 6/238 ، الإنصاف 8/73 ، حاشية ابن عابدين 3/55 ، حاشية الدسوقي 2/230 ، منح الجليل 3/289 .

ثالثا:
مسألة تكفير تارك الصلاة، ثم ما يترتب على ذلك الحكم من الفسوخ، أو العقود، أو المعاملات: هي من كبار المسائل، التي حصل فيها الخلاف بين أهل العلم والاجتهاد.

وينظر للأهمية جواب السؤال رقم (285977)

والعامي: ليس من وظيفته أن يحكم، أو يقضي، أو يفتي، أو يختار في تلك المسائل الكبار، بل ولا غيرها من مسائل الاجتهاد، بل هذه وظيفة العالم، والعامي: وظيفته أن يسأل من عنده من أهل العلم، ثم يعمل بفتواه .

وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : هل يعذر الجاهل بما يترتب على المخالفة؟ كمن يجهل أن ترك الصلاة كفر؟

فأجاب :

" الجاهل بما يترتب على المخالفة غير معذور إذا كان عالمًا بأن فعله مخالف للشرع كما تقدم دليله ، وبناء على ذلك فإن تارك الصلاة لا يخفى عليه أنه واقع في المخالفة إذا كان ناشئًا بين المسلمين فيكون كافرًا وإن جهل أن الترك كفر .

نعم ، إذا كان ناشئًا في بلاد لا يرون كفر تارك الصلاة وكان هذا الرأي هو الرأي المشهور السائد بينهم ، فإنه لا يكفر ، لتقليده لأهل العلم في بلده ، كما لا يأثم بفعل محرم يرى علماء بلده أنه غير محرم لأن فرض العامي التقليد لقوله تعالى : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) . والله الموفق" انتهى، من مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (2/138) .

وينظر جواب السؤال رقم  (215535)

وعلى ذلك؛ فإذا كنت قد سألت إمام المسجد الذي عندكم ، أو مدير المركز الإسلامي، وأفتاك بصحة ولاية أخيك عليك في النكاح، وعقد هو لك ذلك العقد، أو حكم بصحته: فإن نكاحك صحيح، ولا يلزمك تجديده الآن، فإن النكاح الفاسد، المختلف فيه: متى حكم به الحاكم، صح، ومضى، ولم يُنْقض، وترتبت عليه عامة آثاره.

ومثل الحاكم والقاضي: مدير المركز الإسلامي في بلاد الغرب، أو نحوه من إمام المسجد، ومن يرجع إليه المسلمون في ذلك المكان، في أمر دينهم.

وينظر جواب السؤال رقم (208700)

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجل تزوج بامرأة وليها فاسق ، يأكل الحرام ، ويشرب الخمر ، والشهود أيضا كذلك ، وقد وقع به الطلاق الثلاث فهل له بذلك الرخصة في رجعتها ؟

فأجاب: إذا طلقها ثلاثا وقع به الطلاق ، ومن أخذ ينظر بعد الطلاق في صفة العقد ولم ينظر في صفته قبل ذلك ، فهو من المتعدين لحدود الله ، فإنه يريد أن يستحل محارم الله قبل الطلاق وبعده . والطلاق في النكاح الفاسد المختلف فيه [يقع] عند مالك وأحمد وغيرهما من الأئمة ، والنكاح بولاية الفاسق يصح عند جماهير الأئمة . والله أعلم " انتهى من "مجموع الفتاوى"  (32/101)

وسئل عمن تزوج بولاية أجنبي ، مع وجود ولي المرأة معتقدا أن الأجنبي حاكم عليها ، ودخل بها واستولدها ثم طلقها ثلاثا ، ثم أراد ردّها قبل أن تنكح زوجا غيره ، فهل له ذلك لبطلان النكاح الأول بغير ولي ، أم لا ؟ وهل يترتب إسقاط الحد ووجوب المهر ويلحق النسب والإحصان ؟

فأجاب : لا يجب في هذا النكاح حد إذا اعتقد صحته ، بل يلحق به النسب ويجب فيه المهر ، ولا يحصل الإحصان بالنكاح الفاسد ، ويقع الطلاق في النكاح المختلف فيه إذا اعتقد صحته" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/84).

وقال البهوتي رحمه الله : " فلو زوجت امرأة نفسها ، أو زوجت غيرها ، كأَمَتها وبنتها وأختها ونحوها ، أو وكلت امرأة غير وليها في تزويجها ، ولو بإذن وليها في الصور الثلاث المذكورة : لم يصح النكاح ، لعدم وجود شرطه ...

فإن حكم بصحته حاكم : لم يُنْقَضْ ، أو كان المتولي العقد حاكماً يراه : لم ينقض .

وكذلك سائر الأنكحة الفاسدة : إذا حكم بها من يراها ، لم ينقض؛ لأنه يسوغ فيها الاجتهاد ، فلم يجز نقض الحكم بها ..." انتهى من "كشاف القناع" (5/49) .

وينظر جواب السؤال رقم (125363) ورقم (263481) ورقم (174434).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب