"الأول" من أسماء الله الحسنى .
قال تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) الحديد/ 3 .  
و"الأول" هو : الذي ليس قبله شيء . 
روى مسلم في صحيحه (2713) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَقُولُ: " اللهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى ، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ ، اللهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْء ٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ ) .  
والعمل بمقتضى هذا الاسم يكون بمعرفة سبق فضله سبحانه ورحمته، فيحسن العبد الظن بربه ، ويلجأ إليه في كافة أمره ، ويقر بفقره وحاجته إلى ربه ، وغنى ربه ، مع واسع كرمه وفضله ، فيتحقق للعبد فقر اختياري ، وعبودية خاصة ، قال ابن القيم رحمه الله:
" عبوديته باسمه (الأَول) : تقتضى التجرد من مطالعة الأسباب ، والوقوف عليها ، والالتفات إِليها، وتجريد النظر إِلى مجرد سبق فضله ورحمته، وأَنه هو المبتدئ بالإِحسان من غير وسيلة من العبد، إِذ لا وسيلة له فى العدم قبل وجوده ، وأَى وسيلة كانت هناك ، وإِنما هو عدم محض، وقد أَتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً ؟!
فمنه سبحانه الإِعداد ، ومنه الإِمداد ، وفضله سابق على الوسائل ، والوسائل من مجرد فضله وجوده ، لم تكن بوسائل أُخرى . 
فمن نزَّل اسمه الأَول على هذا المعنى أَوجب له فقراً خاصاً ، وعبودية خاصة . 
وعبوديته باسمه (الآخر) : تقتضي أيضا عدم ركونه ووثوقه بالأسباب ، والوقوف معها ؛ فإنها تنعدم لا محالة وتنقضي بالآخرية ، ويبقى الدائم الباقي بعدها ؛ فالتعلق بها تعلق بعدم وينقضي، والتعلق بالآخر سبحانه تعلق بالحي الذي لا يموت ولا يزول ؛ فالمتعلق به حقيق أن لا يزول ولا ينقطع ، بخلاف التعلق بغيره مما له آخر يفنى به .
كذا نظر العارف إليه بسبق الأولية حيث كان قبل الأسباب كلها ، وكذلك نظره إليه ببقاء الآخرية حيث يبقى بعد الأسباب كلها ؛ فكان الله ولم يكن شيء غيره ، وكل شيء هالك إلا وجهه !!  
فتأمل عبودية هذين الاسمين ، وما يوجبانه من صحة الاضطرار إلى الله وحده ، ودوام الفقر إليه دون كل شيء سواه ، وأن الأمر ابتدأ منه ، وإليه يرجع ؛ فهو المبتدىء بالفضل حيث لا سبب ولا وسيلة ، وإليه تنتهي الأسباب والوسائل ؛ فهو أول كل شيء وآخره . 
وكما أنه رب كل شيء وفاعله وخالقه وبارئه ، فهو إلهه وغايته التي لا صلاح له ولا فلاح ولا كمال إلا بأن يكون وحده غايته ونهايته ومقصوده . 
فهو الأول الذي ابتدأت منه المخلوقات ، والآخر الذي انتهت إليه عبوديتها وإرادتها ومحبتها . فليس وراء الله شيء يقصد ويعبد ويُتأله ، كما أنه ليس قبله شيء يُخلق ويُبرأ . 
فكما كان واحدا في إيجادك ، فاجعله واحدا في تألهك إليه ؛ لتصح عبوديتك . 
وكما ابتدأ وجودك ، وخلقك منه ؛ فاجعله نهاية حبك وإرادتك ، وتألهك إليه ، لتصح لك عبوديته باسمه ( الأول والآخر ) . 
وأكثر الخلق تعبدوا له باسمه الأول ؛ وإنما الشأن في التعبد له باسمه الآخر ؛ فهذه عبودية الرسل وأتباعهم ، فهو رب العالمين ، وإله المرسلين ، سبحانه وبحمده" .
انتهى من " طريق الهجرتين " (ص 19-20) .  
ومن أهم ما ينبغي العمل به ، بمقتضى أسمائه الحسنى سبحانه : سؤاله بها ، والتوسل إليه بها ، كما قال تعالى : ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) الأعراف/180 .
وهذا من تمام عبوديته سبحانه ، وتمام الفقر إليه .
والله تعالى أعلم .