الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

تعاني من ظلم زوجها لها في النفقة والسكنى وأكل مهرها , ويزعم أنه لا حرج عليه في ضربها ما دام أنه يتجنب الوجه!!

220353

تاريخ النشر : 28-09-2014

المشاهدات : 44826

السؤال


أولاً : متى ما حدثت أي مشكلة بيني وبين زوجي يطلب زوجي مني الرجوع لمنزل أبي بحجة أنني ناشز ويخبرني بأنني فقدت كافة حقوقي عنده بسبب ذلك ، وعليه : فأنّ أبي هو من يجب أن يتحمل مسؤوليتي ، فكيف يكون ذلك بينما حتى في حال الطلاق يجب على الرجل أن يوفر المسكن لزوجته وما إلى ذلك من واجبات ؟

ثانياً : بدأ زوجي يعطيني المال فقط بعد مرور سنة و 3 أشهر من زواجنا ، بالرغم من أنه ينفق الأموال الكثيرة على نفسه ، ومتى ما حدثت أي مشكلة (كما هو الحال الآن) يخبرني أن أطلب من أبي المال .

ثالثاً : دفع زوجي نصف مهري فقط عند عقد النكاح ، وقبل عدة أشهر سألني إن كنت لا زلت أريد باقي المهر ، فأجبته بأنني " لا أمانع " ولم أقل نعم أو لا ، وهو الآن يدعي أنني تنازلت عن مهري ، وأنا لم أقم بذلك ، فما الحكم الشرعي ؟

رابعاً : يخطط زوجي للسفر إلى برشلونة لحضور اجتماع هو غير مضطر لحضوره ، ولا يوجد عندي أي محرم في البلدة التي أعيش فيها سوى والد زوجي ، ولكنه ضعيف وكبير في السن ، فهل يجب على زوجي أن يأخذني معه في هذا السفر أم لا ، فهو يفكر في أن يرسلني عند أبي خلال هذه الفترة ؟

خامساً : زوجي يستهزئ من معاناتي من السحر ، فهو يقول بأنني مجنونة وأنني جنية .

سادساً : يخبرني زوجي بأنه لا ينبغي أن أمتلك هاتفاً حديثاً ، بالرغم من أنه يخطط لشراء هاتف أي فون جديد ، فهو يقول أنه يحتاجه للعمل بالرغم من امتلاكه جهاز " نوت بوك " يحمله دائماً للعمل .

سابعاً : يضربني زوجي باستمرار ، ويدعي بأنه ما دام لم يضربني على وجهي فإنّ ذلك يجوز .

الجواب

الحمد لله.


أولاً :
النشوز هو معصية المرأة لزوجها فيما يجب له عليها .
جاء في " الروض المربع شرح زاد المستنقع - (ص/356) " وهو ( أي : النشوز ) : معصيتها إياه فيم يجب عليها , مأخوذ من النشز ، وهو ما ارتفع من الأرض , فكأنها ارتفعت وتعالت عما فرض عليها من المعاشرة بالمعروف " انتهى .

من هنا يعلم : أن النشوز هو تعالي المرأة على زوجها , ومعصيتها له في الحق الواجب له , وخروجها عن طاعته ، فيما يجب عليها طاعته فيه .

فليس كل خلاف يثور بين الزوجين : تعتبر فيه المرأة ناشزا , بل لا تكون ناشزا إلا بالضابط المذكور وهو المعصية في الحق الواجب , فينبغي التثبت قبل الحكم على الزوجة بالنشوز ؛ لأن كثيرا من الأزواج يتسرعون في إصدار حكم النشوز على المرأة لأدنى خلاف يثور بينهما وهذا مسلك جائر , خصوصا وأن الحكم بالنشوز يترتب عليه أمور كبيرة من الهجر والضرب غير المبرح وإسقاط حق المرأة في النفقة وغيرها .
وقد حدد القرآن الكريم علاج النشوز وذلك في قوله تعالى : ( وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ) النساء / 34 .
وللفائدة ينظر في تفصيل كلام أهل العلم في علاج نشوز المرأة في الفتوى رقم : (22216) .

وعلى هذا : فإن من يسارع بطرد زوجته من المنزل فلا يخلو أمره من حالين :
إما أن تكون زوجته مظلومة لم يحدث منها نشوز ولا تمرد , وحينئذ فإنه يكون ظالما لها ؛ لأن الله سبحانه قال في حق المطلقات : ( وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ) الطلاق /1 , يعني جل وعلا : أثناء العدة ؛ فإذا كان الرجل منهيا عن أن يخرج مطلقته من بيتها في مدة عدتها ؛ فكيف بمن هي في حبال الزوج وعصمته .

وأما إن كان قد حدث من الزوجة نشوز بالفعل ، وأقدم الزوج على إخراجها من بيته , فإنه بذلك يكون قد خالف منهج القرآن الكريم ؛ لأن مقصد القرآن الكريم من خطوات معالجة النشوز : هو قيام الرجل على زوجته بالتقويم والإصلاح وذلك بوعظها , فإن لم تتعظ ، فبهجرها في المضجع , فإن لم تنزجر فبضربها ضربا غير مخوف ولا مبرح .

ثانياً :
الواجب على الزوج أن ينفق على زوجته بالمعروف , والدليل على ذلك قوله تعالى : ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) البقرة/233 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع : ( وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) رواه مسلم (1218) ، وقوله صلى الله عليه وسلم لهند زوجة أبي سفيان رضي الله عنهما : ( خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ ) رواه البخاري (5364) ، ومسلم(3233) .

وقد سبق بيان هذا بالتفصيل في الفتوى رقم : (103885) .

وعلى ذلك : فمن ترك الإنفاق الواجب على زوجته مدة من الزمن ، فإن النفقة تثبت في ذمته , ويحق لزوجته أن تطالبه بها .
جاء في " المغني " لابن قدامة رحمه الله (8/207) : " وَمَنْ تَرَكَ الْإِنْفَاقَ الْوَاجِبَ لَامْرَأَته مُدَّةً ، لَمْ يَسْقُطْ بِذَلِكَ ، وَكَانَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ، سَوَاءٌ تَرَكَهَا لَعُذْرٍ أَوْ لغير عذر" انتهى .

وفي شرح " منتهى الإرادات " (3 /230) :
" (وَمَنْ غَابَ) عَنْ زَوْجَتِهِ مُدَّةً (وَلَمْ يُنْفِقْ) عَلَيْهَا فِيهَا (لَزِمَهُ) نَفَقَةُ الزَّمَنِ (الْمَاضِي) ؛ لِاسْتِقْرَارِهَا فِي ذِمَّتِهِ (وَلَوْ لَمْ يَفْرِضْهَا حَاكِمٍ) ; لِأَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ ، فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ : يَأْمُرُهُمْ بِأَنْ يُنْفِقُوا أَوْ يُطَلِّقُوا , فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى , وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَجِبُ مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ ، كَأُجْرَةِ الْعَقَار" انتهى .

مع التنبيه على أن الواجب في النفقة : هو توفير الأشياء المطلوبة للزوجة من طعام وشراب وكسوة ومسكن وعلاج , أو دفع قيمتها للزوجة , فإن وفَّر الزوج هذه الأشياء لزوجته ، فلا يجب عليه بعد ذلك أن يعطيها نقودا .

ثالثاً :
المهر حق ثابت للمرأة على زوجها , وعليه أن يدفعه إليها كاملا غير منقوص ؛ لقول الله تعالى : ( وَءاتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) النساء/4 .
لكن إن تنازلت المرأة عن شيء منه للزوج ، عن طيب خاطر ، ورضا نفس منها : جاز له أخذه , كما قال تعالى : ( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ) النساء/4 .

وعلى ذلك : فالواجب على زوجك أن يعطيك النصف الآخر من المهر ما دمت أنك لم تتنازلي له عنه , وقولك : حين سألك إن كنت ما زلت تريدينه : لا أمانع , يدل على تمسكك به ، لا تنازلك عنه , لكن إن كان قد تم الاتفاق على تأجيل جزء منه لأجَل معين ، فلا يحق لك المطالبة به إلا عند حلول الأجل , وإن لم يضرب لذلك أجل , فإن المطالبة به تكون عند الفرقة بطلاق أو نحوه ، أو عند موت أحد الزوجين ؛ فإن مات الزوج أولا : حُقَّ للزوجة أن تأخذ من تركته مؤخر صداقها ، قبل إخراج وصيته ، أو توزيع تركته على الورثة ، ثم تأخذ نصيبها من التركة كاملا ، إن بقي شيء فيها ، وإن كانت الزوجة هي التي ماتت قبل زوجها : فلورثتها أن يأخذوا نصيبهم في مؤخر الصداق ، كغيره من أموالها ، ويوزع عليهم بحسب نصيبهم في الميراث ، بمن فيهم الزوج ، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (145955) .

رابعاً :
لا يجب على زوجك أن يصطحبك معه في سفره ، إذا كان لن يتغيب فترة طويلة , ما دمت أنك تسكنين في مكان تأمنين فيه على نفسك ومالك , وأما عدم وجود محرم معك في مكان إقامتك فهذا ليس بشرط ؛ لأن المحرم شرط في السفر ، وليس في الإقامة .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" فإقامة المرأة في بلد بدون محرم : لا ضرر فيه ولا حرج فيه ، ولاسيما إذا كان ذلك لا خطر فيه " انتهى من " فتاوى إسلامية " (3/82) .

خامساً :
ما يفعله زوجك من الاستهزاء بك والسخرية منك ، ووصفك بالجنون : أمر محرم ؛ فإنه لا يجوز الاستهزاء بالناس أو السخرية بهم ، ولا تعييرهم بعيب أو ذنب ؛ لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) الحجرات/11 .
وقد سبق بيان حكم السخرية والاستهزاء في الفتوى رقم : (125973) .

سادساً :
لا يحق لزوجك أن يمنعك من أن تمتلكي الهاتف الجوال الحديث أو غيره من أجهزة الاتصال الحديثة ، إذا كنت ستشترينه بمالك , أما هو فلا يجب عليه أن يشتري لك هذه الأجهزة ؛ لأنها لا تدخل في النفقة الواجبة عليه , ولكن يستحب له شرعا أن يرعى خاطرك ، ويطيب قلبك بما يقدر عليه من ذلك ، أو غيره من الأشياء النافعة المباحة ؛ لأن هذا من حسن العشرة ، وطيب الأخلاق ، وفعل الخير الذي حث عليه الشرع الناس جميعا ، والزوجين خصوصا .

سابعاً :
ضرب الرجل لزوجه غير جائز في الأصل ؛ لأن الله سبحانه حرم إيذاء المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا , قال تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) الأحزاب/ 58 .

قال ابن جرير الطبري رحمه الله :
" والصواب من القول في ذلك عندنا : أنه غير جائز لأحدٍ ضرب أحد من الناس ، ولا أذاه ، إلا بالحق ؛ لقول الله تعالى ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) الأحزاب/ 58 ، سواء كان المضروب امرأة وضاربها زوجها ، أو كان مملوكا أو مملوكة وضاربه مولاه ، أو كان صغيراً وضاربه والده ، أو وصي والده وصَّاه عليه " انتهى من " تهذيب الآثار " (1/418) .
لكن قد أجاز الشرع للرجل ضرب زوجته إذا ظهر منها النشوز ، ووعظها فلم تتعظ , وهجرها في المضجع فلم تنزجر , فيجوز له حينئذ ضربها بشروط :
1. أن يكون الضرب غير مبرح , فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع : ( اتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) رواه مسلم ( 1218 ) .
2. أن يجتنب الضرب على الوجه والأماكن المخوفة , كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (150762) .
3. أن يغلب على ظنه أن الضرب سيصلحها , فإن غلب على ظنه عدم إفادة الضرب ، فلا يجوز له أن يقدم على ذلك .
جاء في " الشرح الكبير وحاشية الدسوقي " (2/343) : " وَأَمَّا الضَّرْبُ : فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا ظَنَّ إفَادَتَهُ ، لِشِدَّتِهِ " انتهى .

ومن هنا يُعلم : أن ما يقوله زوجك من جواز ضربه لك , طالما أنه تجنب الوجه , قول جائر ، مخالف لشرع الله سبحانه , وفيه ما فيه من الكذب على الله تعالى ودينه والقول عليه سبحانه بغير علم ، وهذا من أكبر الكبائر .

والذي ننصحك به أن تتودي لزوجك ، وتجتهدي في أن تصلحي ما بينك وبينه ، وإذا تطلب الأمر أن توسطي ناصحا أمينا حكيما ، من أهلك أو من أهله ، ليصلح ما بينكما فافعلي .
وإذا كان تنازلك عن شيء من حقوقك المادية ، سوف يصلح ما بينكما ، فلا حرج عليك – أيضا - أن تفعلي .
يسر الله لكما ، وجمع بينكما في خير .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب