الحمد لله.
ليس هناك تناقض بين هذه الأحاديث ، فإن الرجل إذا تزوج امرأةً مطلقة ثلاثاً بقصد إحلالها للأول فها الزواج محرم ، وهو الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعله .
وأما حديث امرأة رفاعة ، فليس فيه أن عبد الرحمن بن الزبير تزوجها بقصد التحليل ، بل روايات الحديث تدل على أنه تزوجها وهو راغب في التمسك بها ، ولم يطلقها بمجرد طلبها الطلاق ، وإنما هي أرادت أن تعود لزوجها الأول ، فبين لها النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا يحل لها ذلك حتى يدخل بها الزوج الثاني ، وهي كانت قد ذكرت أنه لم يدخل بها .
وهذه بعض ألفاظ حديث امرأة رفاعة ، رواه البخاري (2639) ومسلم (1433) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : (جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفاعَةَ الْقُرَظِيِّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَأَبَتَّ طَلَاقِي فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ . فَقَالَ : ( أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ ؟ لَا ، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ ، وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ ) .
وروى مسلم (1433) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا ، فَأَرَادَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ، فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : ( لَا حَتَّى يَذُوقَ الْآخِرُ مِنْ عُسَيْلَتِهَا مَا ذَاقَ الْأَوَّلُ ) .
فليس في الحديث إذاً أن عبد الرحمن تزوجها بنية التحليل ، وإنما هي التي أرادت أن ترجع لزوجها الأول ، ووجود هذه النية منها لا يجعل النكاح نكاح تحليل ، لأن الطلاق ليس بيدها .
قال ابن عبد البر رحمه الله :
" وفي قوله صلى الله عليه وسلم لامرأة رفاعة : (أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة) دليل
على أن إرادة المرأة الرجوع إلى زوجها لا يضر العاقد عليها ، وأنها ليست بذلك في
معنى التحليل المستحق صاحبه اللعنة " انتهى .
"التمهيد" (13 /227) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" لا أثر لنية الزوجة ولا الولي وإنما التأثير لنية الزوج الثاني فإنه إذا نوى
التحليل كان محللا فيستحق اللعنة ثم يستحقها الزوج المطلق إذا رجعت إليه بهذا
النكاح الباطل ، فأما إذا لم يعلم الزوج الثاني ولا الأول بما في قلب المرأة أو
وليها من نية التحليل لم يضر ذلك العقد شيئا . وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم من
امرأة رفاعة أنها كانت تريد أن ترجع إليه ولم يجعل ذلك مانعا من رجوعها إليه ،
وإنما جعل المانع عدم وطء الثاني فقال : ( حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ) " انتهى
.
"إعلام الموقعين" (4 /45-46) .
والله أعلم
تعليق