الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

حكم تسخط زوجها على القدَر ، وتنقيصه من قدْر الله تعالى ، وما يترتب على ذلك

139751

تاريخ النشر : 03-11-2009

المشاهدات : 58112

السؤال

لدي مشكلة غريبة جدّاً ، زوجي الذي يتميز بطبعه الحريص جدّاً ، لديه طابع سيء جدّاً ، فعندما تواجهنا بعض الصعوبات : يقول أشياء مثل : " لماذا يفعل الله معنا نحن هكذا من دون الناس ؟ " ، و " إن الله تعالى يستهزئ بنا ، وهو الآن يضحك علينا !! " ( أستغفر الله ) ، ولكنني أرى هذه الصعوبات كفارة لسيئاتنا ، أما هو فليس عنده سوى هذه الكلمات ، وإنني في هذه الحالة أظل صامتة ؛ لأنني من خلال تجربتي معه : رأيت أن محاولة إسكاته تزيد الطين بلة ، أما إن بقيت صامتة : فإنه يسكت بعد جملة ، أو جملتين . وسؤالي هو : هل أفعل الصواب ؟ أشعر أنه عليَّ إسكاته بطريقة ما ، وأن أجعله يظل صامتاً ، ولكنني بالفعل لا أدري ماذا أفعل ؟ أسأل الله تعالي أن يغفر لزوجي ، ولكن ماذا ترى أني فاعلة ؟ .

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

ما قاله الزوج عظيم في حق الله ، يبعث على الأسى ، ويصيب القلب بالكمد ، فكيف لمسلم أنعم الله تعالى بخير دين ، وأنعم الله بنعَم لا يمكنه إحصاءها ، ثم يأتي ويعترض على قدر الله تعالى ، ويطعن بحكمته ؟! إنها لإحدى الكُبَر ، ثم لا يكتفي بهذا حتى يجعل ربه تعالى في موقف الساخر منه ، المستهزئ به ، الضاحك عليه ! فكيف يجرؤ من أنعم الله عليه بلسان يتكلم أن ينطق بهذا ؟! وكيف لمنتسب للإسلام أن يتفوه بذلك الكلام العظيم في حق ربه عز وجل ؟! .

إن ما قاله الزوج من الاعتراض على قدر الله تعالى ، والطعن بحكمته ، وسؤاله لماذا يفعل الله معنا هكذا " : فهو من التسخط على قدر الله ، وهو من كبائر الذنوب ، وقد يؤدي به إلى الكفر المخرج من الملة ؛ فهو طريق موصل إلى الردة ، والله تعالى له الحكمة البالغة فيما يفعل ويقدِّر ، وهو تعالى (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) الأنبياء/ 23 .

عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ ) .

رواه الترمذي (2396) وابن ماجه (4031) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :

الناس حال المصيبة على مراتب أربع :

المرتبة الأولى : التسخط وهو على أنواع :

النوع الأول : أن يكون بالقلب ، كأن يتسخط على ربه ، يغتاظ مما قدَّره الله عليه : فهذا حرام ، وقد يؤدي إلى الكفر ، قال تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ) .

النوع الثاني : أن يكون باللسان ، كالدعاء بالويل ، والثبور ، وما أشبه ذلك ، وهذا حرام .

النوع الثالث : أن يكون بالجوارح ، كلطم الخدود ، وشق الجيوب ، ونتف الشعور ، وما أشبه ذلك ، وكل هذا حرام مناف للصبر الواجب .

" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 2 / 110 ) .

ثانيا :

إذا ابتلى الله عبده بالمصائب لم يكن ذلك علامة على أنه غير مرضي عند الله ، وقد صحح الله تعالى هذا الظن الخاطئ عند الناس ، فقال تعالى : ( فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ) الفجر/15-20 .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :

" يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان من حيث هو ، وأنه جاهل ظالم ، لا علم له بالعواقب ، يظن الحالة التي تقع فيه تستمر ولا تزول ، ويظن أن إكرام الله في الدنيا وإنعامه عليه يدل على كرامته عنده وقربه منه ، وأنه إذا قدر عَلَيْهِ رِزْقُهُ أي : ضيقه ، فصار بقدر قوته لا يفضل منه ، أن هذا إهانة من الله له ، فرد الله عليه هذا الحسبان بقوله كَلا أي : ليس كل من نَعَّمْتُه في الدنيا فهو كريم عليَّ ، ولا كل من قَدَرْتُ عليه رزقه فهو مهان لدي ، وإنما الغنى والفقر ، والسعة والضيق : ابتلاء من الله ، وامتحان يمتحن به العباد ، ليرى من يقوم له بالشكر والصبر ، فيثيبه على ذلك الثواب الجزيل ، ممن ليس كذلك فينقله إلى العذاب الوبيل " انتهى . " تفسير السعدي" (924) .

وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خير الناس ، وأعلم الناس ، وأخشاهم ، وأتقاهم ، قد ابتلي كثيراً ، فاتهم في عقله ، وطعن في عرضه ، وجُرح وكُسرت رَباعيته ، مع ما لاقاه صلى الله عليه وسلم من الأذى من كفار قريش ، وسفهاء الطائف ، وغيرهم ، بل إنه صلى الله عليه وسلم قد صحَّ عنه أنه قال ( إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءَ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ) رواه أحمد .

قال الشيخ الألباني – رحمه الله – تعليقاً على الحديث السابق وما في معناه - :

و في هذه الأحاديث : دلالة صريحة على أن المؤمن كلما كان أقوى إيماناً : ازداد ابتلاء ، وامتحاناً ، والعكس بالعكس ، ففيها رد على ضعفاء العقول والأحلام ، الذين يظنون أن المؤمن إذا أصيب ببلاء ، كالحبس ، أو الطرد ، أو الإقالة من الوظيفة ، ونحوها : أن ذلك دليل على أن المؤمن غير مرضي عند الله تعالى ! و هو ظن باطل ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفضل البشر : كان أشد الناس - حتى الأنبياء - بلاءً ، فالبلاء – غالباً - دليل خير ، وليس نذير شر .

" السلسلة الصحيحة " ( 1 / 144 ) .

وينظر جواب السؤال رقم ( 71236 ) ففيه بيان موقف المؤمن من الابتلاء .

وينظر جواب السؤال رقم ( 112905 ) ففيه بيان كيف يعرف المصاب إن كانت مصيبته عقوبة أو ابتلاء لرفع درجاته .

ثالثا :

إن تصوير زوجكِ الربَّ تعالى بما قاله في حقه : من استهزائه به ، وضحكه عليه : من ظن السوء بالله جل جلاله ، الذي هو أولى بكل جميل ؛ بل ذلك من الكفر المخرج من الملة ؛ لدخوله في تنقص قدر الرب تعالى ، ولدخوله في حكم الاستهزاء به عز وجل ، ولتشبيه الله تعالى بأفعال الناقصين من البشر ، وكل ذلك كفر بالله تعالى ، لا يُختلف فيه .

قال تعالى : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ ) التوبة/ 65 .

وليس شرطاً أن يكون ذلك الزوج عالماً أنه قد جاء بالكفر المخرج من الملة ، فالحكم على فعله وقوله هو للشرع ، وليس له .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في شرح الآيات السابقة - :

 فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفراً ، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفرٍ ، فبيَّن أن الاستهزاء بالله ، وآياته ، ورسوله : كفرٌ ، يكفر به صاحبه بعد إيمانه ، فدلَّ على أنه كان عندهم إيمان ضعيف ، ففعلوا هذا المحرم الذي عرَفوا أنَّه محرم ، ولكن لم يظنوه كفراً ، وكان كفراً كفروا به ، فإنهم لم يعتقدوا جوازه .

" مجموع الفتاوى " ( 7 / 273 ) .

رابعا :

على الأخت السائلة أن تعلم هذا ، وأن تُخبر به زوجها ، وعليها أن تطلب منه أن يتلفظ بالشهادتين ، ويتوب على ما صدر منه من كلمات ، ويندم عليها ، ويعزم على عدم العود لها ، أو لمثلها .

وإذا كان زوجك بهذه الحال التي وردت في السؤال ، من الجهل والتمادي في غيه عند نصحك له : فحاولي أن تكلميه في وقت هدوئه وراحة باله ، وبيني له عاقبة ما يقول ويفعل ، وإذا كان في إمكانك أن تستعيني عليه بشيخ ثقة ، يبين له سوء ما هو عليه : فهو حسن إن شاء الله ، ولعل احتشامه من شخص غريب له هيئة ومنزلة : لعل ذلك أن يمنعه عن المبالغة في غيه وضلاله عند نصحه .

بل لا تمكنيه من نفسك حتى يتوب ، وأعلميه أنه لا يحل لك البقاء مع زوج يقول مثل ذلك في حق الله تعالى .

فإن أصر على ما هو فيه من سوء الطباع ، ورذيل الأقوال والأفعال ، ولم يبد ندما على ما بدر منه ، ولا توبة إلى الله عز وجل ، وانتهاء عما يقول ويفعل : فلا خير لك في البقاء مع زوج هذه حاله ، فاتركيه وما هو فيه ، واحفظي ـ أنت عليك ـ دينك ، وعرضك .

وانظري أجوبة الأسئلة : ( 103082 ) و ( 21690 ) و ( 89722 ) .

( 126019 ) كلمات وأمثال فيها اعتراض على أفعال الله ، وطعن في حكمته ، وعدله .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب