احترام المصاحف والعناية بها من تعظيم شعائر الله ، وتقدير كلام الله تعالى الذي  أنزله هداية للعالمين واجب على جميع المسلمين ، ينبغي بذل كل الجهود الممكنة في  سبيله .
 وتقدير حجم هذه الجهود يتفاوت بحسب الحاجة إلى حفظ المصاحف القديمة ، فقد تكون نسخ  المصاحف قليلة ، والناس بحاجة إلى جميع ما بين أيديهم ، كما قد تكون هذه النسخ  القديمة ما تزال متماسكة صالحة للقراءة والنظر ، أو قد يكون من الممكن إرسالها إلى  بعض بلاد المسلمين الفقيرة التي ما يزال أهلها ينسخون المصاحف بأيديهم لشدة فقرهم ،  ونحو ذلك من الأمور التي تقتضي الاستمرار في حفظ النسخ القديمة والعناية بها إلى  أقصى درجة .
 فإن لم تقم هذه الحاجات لحفظ النسخ القديمة ، فلا بأس من الشروع في إفنائها  بالطريقة المكرمة التي تحقق المقصود ، وقد ذكر العلماء طرقا ثلاثة لذلك : 
 الطريقة الأولى : الحرق : يعني حرق النسخ القديمة من المصاحف برفق وعناية في مكان  طاهر آمن ، مع التأكد من اختفاء كلماته بالحرق وتغير أوراقه .
 وقد استأنس العلماء لهذا بما فعله عثمان رضي الله عنه في المصاحف المخالفة لما أجمع  عليه الصحابة ، فقد روى البخاري رحمه الله (حديث رقم/4987) عن أنس بن مالك رضي الله  عنه، أن عثمان بن عفان رضي الله عنه : ( أَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ ، وَعَبْدَ  اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ ، وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ  الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ، فَنَسَخُوهَا فِى الْمَصَاحِفِ ، وَقَالَ عُثْمَانُ  لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ : إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ  بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيءٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ ،  فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ ، فَفَعَلُوا ، حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ  فِي الْمَصَاحِفِ رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ ، وَأَرْسَلَ إِلَى  كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا ، وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ الْقُرْآنِ  فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ ) 
 قال ابن بطال رحمه الله : 
 " في هذا الحديث جواز تحريق الكتب التي فيها اسم الله بالنار ، وأن ذلك إكرام لها ،  وصَوْن عن وطئها بالأقدام ، وقد أخرج عبد الرزاق من طريق طاووس أنه كان يحرق  الرسائل التي فيها البسملة إذا اجتمعت ، وكذا فعل عروة ، وكرهه إبراهيم "  انتهى."فتح الباري" (9/20)
 ويقول الخطيب الشربيني الشافعي رحمه الله :
 " ويُكره إحراقُ خشبٍ نُقِشَ بالقرآن ، إلا إن قصد به صيانة القرآن فلا يكره ، كما  يؤخذ من كلام ابن عبد السلام ، وعليه يُحمَل تحريق عثمان رضي الله عنه المصاحف " انتهى."مغني المحتاج" (1/152)
 الطريقة الثانية : الدفن : فيختار لها مكانًا طاهرا آمنا من العبث ، ويحفر لها حفرة  عميقة يغلب على الظن غياب النسخ المدفونة فيها آمادا طويلة .
 يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
 " وأما المصحف العتيق ، والذي تخرق وصار بحيث لا ينتفع به بالقراءة فيه ، فإنه يدفن  في مكان يصان فيه ، كما أن كرامة بدن المؤمن دفنه في موضع يصان فيه " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (12/599)
 ويقول البهوتي رحمه الله :
 " ( ولو بلي المصحف أو اندرس دفن ، نصا ) ذكر أحمد أن أبا الجوزاء بلي له مصحف فحفر  له في مسجده فدفنه . وفي البخاري أن الصحابة حرّقته ـ بالحاء المهملة ـ لما جمعوه ،  وقال ابن الجوزي : ذلك لتعظيمه وصيانته . وذكر القاضي أن أبا بكر بن أبي داود روى  بإسناده عن طلحة بن مصرف قال : دفن عثمان المصاحف بين القبر والمنبر ، وبإسناده عن  طاوس أنه لم يكن يرى بأسا أن تحرق الكتب ، وقال : إن الماء والنار خلق من خلق الله  " انتهى.
"كشاف القناع" (1/137)
 وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/140) :
 " إذا بليت أوراق المصحف وتمزقت من كثرة القراءة فيها مثلا ، أو أصبحت غير صالحة  للانتفاع بها ، أو عثر فيها على أغلاط مِن إهمال مَن كتبها أو طبعها ، ولم يمكن  إصلاحها ، جاز دفنها بلا تحريق ، وجاز تحريقها ثم دفنها بمكان بعيد عن القاذورات  ومواطئ الأقدام ، صيانة لها من الامتهان ، وحفظا للقرآن من أن يحصل فيه لبس أو  تحريف أو اختلاف بانتشار المصاحف التي طرأت عليها أغلاط في كتابتها أو طباعتها "  انتهى .
 الطريقة الثالثة : التمزيق والتخريق : ولعل هذه الطريقة هي أسهل الطرق اليوم ، فقد  وجدت بعض الآلات التي تدخل إليها الأوراق فتفرمها فرما دقيقا بحيث لا تعود كلمات  القرآن ولا حتى أحرفه مقروءة ، وهي طاهرة ومأمونة ولا تكلف كثيرا من الجهود كما هو  الحال في الحرق أو الدفن .
 يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
 " لا أحد من المسلمين يشك أن القرآن الكريم يجب على المسلم احترامه وتعظيمه ومنع  تعرضه للإهانة ، وهذه الأوراق الممزقة – من المصحف - والتي لا يمكن أن ينتفع بها  بقراءة ، له فيها طريقتان : 
 الطريقة الأولى : أن يدفنها في مكان نظيف طاهر لا يتعرض للإهانة في المستقبل حسب ظن  الفاعل .
 الطريقة الثانية : أن يحرقها ، وإحراقها جائز لا بأس به ، فإن الصحابة رضي الله  عنهم لما وحدوا المصاحف على حرف قريش في عهد عثمان رضي الله عنه أحرقوا ما سوى هذا  الموحد ، وهذا دليل على جواز إحراق المصحف الذي لا يمكن الانتفاع به .
 ولكني أرى أنه إذا أحرقها فليدقَّها حتى تتفتت وتكون رماداً ، ذلك لأن المحروق من  المطبوع تبقى فيه الحروف ظاهرة بعد إحراقه ، ولا تزول إلا بدقِّه حتى يكون كالرماد  .
 أما إذا مزقت فتبقى هذه طريقة ثالثة ، لكنها صعبة ؛ لأن التمزيق لابد أن يأتي على  جميع الكلمات والحروف ، وهذه صعبة إلا أن توجد آلة تمزق تمزيقاً دقيقاً جداً بحيث  لا تبقى صورة الحرف ، فتكون هذه طريقة ثالثة ، وهي جائزة " انتهى. 
"فتاوى نور على الدرب" (شريط/25، وجه ب)
وانظر: "الموسوعة الفقهية" (2/123)
 والله أعلم .