أحكام الحيض والاستحاضة

أحكام الحيض والاستحاضة

نتعرف في هذا الجواب الشامل على أحكام الحيض والاستحاضة بطريقة تعليمية مبسطة، مع بيان الفروق بين الدماء، وعلامات الطهر ، وأهم المسائل الفقهية التي تحتاجها المرأة في عبادتها اليومية.

 أولا: تعريف الحيض:

أصل الحيض في لغة العرب: السيلان؛ فلا يسمى الدم حيضاً إلا مع الجريان والسيلان، ولا يحكم على الدم الخارج من المرأة بأنه حيض إلا إذا كان سائلاً، وأما النقطة والنقطتان فلا يتحقق فيها المعنى اللغوي للحيض.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "الحيض هو السيلان، مأخوذ من قول العرب: حاض الوادي إذا سال، فالحيض الطبيعي لابد أن يسيل ويخرج إلى الملابس، وتحس به المرأة سائلاً.

أما النقطة والنقطتان فليستا بشيء، وقد نقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن المرأة إذا رأت دماً مثل الرعاف -يعني: نقطة نقطة- فإنه ليس بشيء" انتهى من "جلسات رمضانية"([1]).

 ثانيا: صفات دم الحيض:

دم الحيض دم أسود أو أحمر غامق، سيَّال، تعرفه النساء، له خصائص من حيث اللون: أسود، ومن حيث القوام: ثخين، ومن حيث الرائحة: منتن، له رائحة تخالف رائحة الدم المعتاد ([2]).

ودل على صفة اللون: ما جاء عن فاطمة بنت أبي حبيش: أنها كانت تستحاض، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف، فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي فإنما هو عرق) ([3]).

 ثالثا: مدة الحيض:

اختلف أهل العلم رحمهم الله في تحديد أكثر مدة الحيض، والذي عليه جمهور العلماء: أن أكثر مدة للحيض (15) يوماً، وما زاد عن خمسة عشر يوماً، فهو دم استحاضة.

وقد استدل الجمهور على ذلك: بالعادة، فالعادة أن المرأة لا يزيد حيضها على خمسة عشر يوماً.

قال ابن قدامة رحمه الله:

" وَلَنَا أَنَّهُ وَرَدَ [يعني: الحيض] فِي الشَّرْعِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ، وَلَا حَدَّ لَهُ فِي اللُّغَةِ، وَلَا فِي الشَّرِيعَةِ، فَيَجِبُ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ.

قَالَ عَطَاءٌ: رَأَيْت مِنْ النِّسَاءِ مَنْ تَحِيضُ يَوْمًا، وَتَحِيضُ خَمْسَةَ عَشَرَ.

وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: سَمِعْت شَرِيكًا يَقُولُ: عِنْدَنَا امْرَأَةٌ تَحِيضُ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا حَيْضًا مُسْتَقِيمًا" ([4]).

وذهب بعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن عثيمين وغيرهما إلى أنه لاحدّ لأقلّه ولا لأكثره، بل متى وُجد بصفاته المعلومة فهو حيض قلّ أو كَثُر ([5]).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والعلماء منهم من يحدُّ أكثرَه وأقلَّه، ثمَّ يختلفون في التحديد، ومنهم من يحد أكثره دون أقله، والقول الثالث أصح: أنَّه لا حدَّ لا لأقله ولا لأكثره" ([6]).

 رابعا: ما يترتب على نزول الحيض:

يترتب على نزول الحيض أحكام كثيرة تزيد على عشرين، نذكر منها أهمها، فمن ذلك:

الأول: الصلاة:

فيحرم على الحائض الصلاة فرضها ونفلها ولا تصح منها، وكذلك لا تجب عليها الصلاة إلا أن تدرك من وقتها مقدار ركعة كاملة، فتجب عليها الصلاة حينئذ، سواء أدركت ذلك من أول الوقت أم من آخره .

مثال ذلك من أوله: امرأة حاضت بعد غروب الشمس بمقدار ركعة فيجب عليها إذا طهرت قضاء صلاة المغرب لأنها أدركت من وقتها قدر ركعة قبل أن تحيض .

ومثال ذلك من آخره: امرأة طهرت من الحيض قبل طلوع الشمس بمقدار ركعة فيجب عليها إذا تطهرت قضاء صلاة الفجر؛ لأنها أدركت من وقتها جزءاً يتسع لركعة .

أما إذا أدركت الحائض من الوقت جزءاً لا يتسع لركعة كاملة، مثل أن تحيض في المثال الأول بعد الغروب بلحظة أو تطهر في المثال الثاني قبل طلوع الشمس بلحظة؛ فإن الصلاة لا تجب عليها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) متفق عليه،

فإن مفهومه أن من أدرك أقل من ركعة لم يكن مدركاً للصلاة ([7]).

الحكم الثاني: الصيـام:

يحرم على الحائض الصيام فرضه ونفله، ولا يصح منها؛ لكن يجب عليها قضاء الفرض منه؛ لما جاء عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: (مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟! قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ، قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ) ([8]).

وإذا حاضت وهي صائمة بطل صيامها ولو كان ذلك قبيل الغروب بلحظة، ووجب عليها قضاء ذلك اليوم إن كان فرضًا

أما إذا أحست بانتقال الحيض قبل الغروب لكن لم يخرج إلا بعد الغروب فإن صومها تام ولا يبطل على القول الصحيح؛ لأن الدم في باطن الجوف لا حكم له، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل هل عليها من غسل ؟ قال: نَعَمْ، إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ  ([9]).

فعلق الحكم برؤية المني لا بانتقاله، فكذلك الحيض لا تثبت أحكامه إلا برؤيته خارجاً لا بانتقاله.

وإذا طلع الفجر وهي حائض لم يصح منها صيام ذلك اليوم ولو طهرت بعد الفجر بلحظة.

وإذا طهرت قبيل الفجر فصامت صح صومها، وإن لم تغتسل إلا بعد الفجر، كالجنب إذا نوى الصيام وهو جنب ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر فإن صومه صحيح، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنبًا من جماع غير احتلام ثم يصوم في رمضان  ([10]).

 الحكم الثالث: الطواف بالبيت:

فيحرم على الحائض الطواف بالبيت، فرضه ونفله، ولا يصح منها لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت: افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي  ([11]).

وأما بقية الأفعال كالسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة ومنى، ورمي الجمار وغيرها من مناسك الحج والعمرة فليست حرامًا عليها، وعلى هذا فلو طافت الأنثى وهي طاهر ثم خرج الحيض بعد الطواف مباشرة، أو في أثناء السعي فلا حرج في ذلك.

 الحكم الرابع: سقوط طواف الوداع عنها:

إذا أكملت المرأة مناسك الحج والعمرة، ثم حاضت قبل الخروج إلى بلدها واستمر بها الحيض إلى خروجها، فإنها تخرج بلا وداع، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض  ([12]).

وأما طواف الحج والعمرة فلا يسقط عنها بل تطوف إذا طهرت.

الحكم الخامس: المكث في المسجد:

فيحرم على الحائض أن تمكث في المسجد حتى مصلى العيد يحرم عليها أن تمكث فيه، لحديث أم عطية رضي الله عنها: أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج العواتق وذوات الخدور والحيض  وفيه: يعتزل الحيض المصلى  ([13]).

الحكم السادس: الجماع:

فيحرم على الزوج أن يجامع زوجته الحائض، ويحرم عليها تمكينه من ذلك، لقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222].

والمراد بالمحيض زمان الحيض ومكانه وهو الفرج.

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: اصنعوا كل شيء إلا النكاح  ([14]) يعني الجماع.

ولأن المسلمين أجمعوا على تحريم وطء الحائض في فرجها، لكن للزوج أن يباشر فيما بين السرة والركبة من وراء حائل، لقول عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم، يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض" ([15]).

  الحكم السابع: الطلاق:

فيحرم على الزوج طلاق الحائض حال حيضها، لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، أي: في حال يستقبلن به عدة معلومة حين الطلاق، ولا يكون ذلك إلا إذا طلقها حاملاً أو طاهراً من غير جماع؛ لأنها إذا طلقت حال الحيض لم تستقبل العدة حيث إن الحيضة التي طلقت فيها لا تحسب من العدة، وإذا طلقت طاهراً بعد الجماع لم تكن العدة التي تستقبلها معلومة حيث إنه لا يعلم هل حملت من هذا الجماع، فتعتد بالحمل، أو لم تحمل فتعتد بالحيض، فلما لم يحصل اليقين من نوع العدة حرم عليه الطلاق حتى يتبين الأمر.

فطلاق الحائض حال حيضها حرام للآية السابقة، ولما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فأخبر عمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء  ([16]).

فلو طلق الرجل امرأته وهي حائض فهو آثم، وعليه أن يتوب إلى الله تعالى.

ويستثنى من تحريم الطلاق في الحيض ثلاث مسائل:

الأولى: إذا كان الطلاق قبل أن يخلو بها، أو يدخل بها فلا بأس أن يطلقها وهي حائض؛ لأنه لا عدة عليها حينئذ، فلا يكون طلاقها مخالفاً لقوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1].

الثانية: إذا كان الحيض في حال الحمل.

الثالثة: إذا كان الطلاق على عوض، فإنه لا بأس أن يطلقها وهي حائض.

وأما عقد النكاح على المرأة وهي حائض فلا بأس به؛ لأن الأصل الحل، ولا دليل على المنع منه؛ لكن إدخال الزوج عليها وهي حائض ينظر فيه، فإن كان يؤمن من أن يحصل الجماع فلا بأس، وإلا فلا يدخل عليها حتى تطهر خوفًا من الوقوع في الممنوع.

الحكم الثامن: اعتبار عدة الطلاق به - أي الحيض-:

فإذا طلق الرجل زوجته بعد أن مسها أو خلا بها وجب عليها أن تعتد بثلاث حيض كاملة، إن كانت من ذوات الحيض، ولم تكن حاملاً لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. أي: ثلاث حيض.

فإن كانت حاملاً فعدتها إلى وضع الحمل كله، سواء طالت المدة أو قصرت لقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4].

وإن كانت من غير ذوات الحيض لكبر أو عملية استأصلت رحمها أو غير ذلك مما لا ترجو معه رجوع الحيض، فعدتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4].

وإن كانت من ذوات الحيض لكن ارتفع حيضها لسبب معلوم كالمرض والرضاع؛ فإنها تبقى في العدة وإن طالت المدة حتى يعود الحيض فتعتد به، فإن زال السبب ولم يعد الحيض بأن برئت من المرض أو انتهت من الرضاع وبقي الحيض مرتفعًا فإنها تعتد بسنة كاملة من زوال السبب، هذا هو القول الصحيح

أما إذا كان الطلاق بعد العقد وقبل المسيس والخلوة، فليس فيه عدة إطلاقًا، لا بحيض ولا غيره؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49].

 الحكم التاسع: وجوب الغسل:

فيجب على الحائض إذا طهرت أن تغتسل بتطهير جميع البدن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلاةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي)([17]).

وأقل واجب في الغسل أن تعم به جميع بدنها حتى ما تحت الشعر، والأفضل أن يكون على صفة ما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث سألته أسماء بنت شكل عن غسل المحيض فقال صلى الله عليه وسلم: تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً - أي: قطعة قماش فيها مسك- فَتَطَهَّرُ بِهَا ، فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا ؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! تَطَهَّرِينَ بِهَا!  فَقَالَتْ عَائِشَةُ لها: تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ) ([18]).

ولا يجب نقض شعر الرأس؛ لكن يجب أن تروي أصوله بالماء؛ لِما في صحيح مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأة أشد شعر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة ؟ وفي رواية للحيضة والجنابة؟ فقال: لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين  ([19]).

وإذا طهرت الحائض في أثناء وقت الصلاة وجب عليها أن تبادر بالاغتسال لتدرك أداء الصلاة في وقتها، فإن كانت في سفر وليس عندها ماء أو كان عندها ماء ولكن تخاف الضرر باستعماله، أو كانت مريضة يضرها الماء فإنها تتيمم بدلاً عن الاغتسال حتى يزول المانع ثم تغتسل.

وإن بعض النساء تطهر في أثناء وقت الصلاة، وتؤخر الاغتسال إلى وقت آخر تقول: إنه لا يمكنها كمال التطهر في هذا الوقت، ولكن هذا ليس بحجة ولا عذر لأنها يمكنها أن تقتصر على أقل الواجب في الغسل، وتؤدي الصلاة في وقتها، ثم إذا حصل لها وقت سعة تطهرت التطهر الكامل ([20]).

 خامسًا: علامة الطهر من الحيض:

تعرف المرأة الطهر من الحيض بإحدى علامتين:

العلامة الأولى: الجفاف التام للموضع، وذلك بانقطاع الدم والصفرة والكدرة، بأن تحتشي بقطنة أو منديل أو نحوهما فتخرج نظيفة ليس عليها أثر مما ذكرنا.

العلامة الثانية: رؤية القصة البيضاء، وهي سائل يشبه الجص، وهو الجير ينزل من الرحم بعد انقطاع الدم. وكثير من النساء لا يرين القصة.

ولو حصل الجفاف ساعة واحدة، كفى ذلك للحكم بالطهارة، ولا يلزم انتظار القصة البيضاء، إذا كان ذلك في نهاية عادتها، أما الطهر الطارئ أثناء العادة فحكمه يختلف كما سيُذكر في الفقرة التالية.

قال الباجي المالكي: "والمعتاد في الطهر أمران:

القصة البيضاء: وهي ماء أبيض، وروى علي بن زياد عن مالك: أنه شبه المني. وروى ابن القاسم عن مالك: أنه شبه البول.

والأمر الثاني: الجُفوف، وهو أن تُدخل المرأة القطن أو الخرقة في قبلها، فيخرج ذلك جافًا ليس عليه شيء من دم.

وعادة النساء تختلف في ذلك؛ فمنهن من عادتها أن ترى القصة البيضاء، ومنهن من عادتها أن ترى الجفاف، فمن كانت من عادتها أن ترى أحد الأمرين، فرأته؛ حكم بطهرها" ([21]).

سادسا: حكم انقطاع الدم وحصول الجفاف أثناء الحيض:

اختلف في الجفاف الذي يحصل خلال الحيض هل تطهر المرأة بمجرد رؤيته ولو ساعة، أم يلزم أن تنتظر يوما أو نصف يوم؟ على قولين لأهل العلم:

القول الأول: تنتظر المرأة يومًا أو نصف يوم؛ لأن انقطاع الدم ساعة ونحوها أمر معتاد للحائض فلا يكون علامة على الطهر، وإلى هذا ذهب ابن قدامة وجماعة.

قال ابن قدامة: " المرأة متى رأت الطهر فهي طاهر؛ تغتسل، وتلزمها الصلاة والصيام، سواء رأته في العادة، أو بعد انقضائها، ولم يفرق أصحابنا بين قليل الطهر وكثيره؛ لقول ابن عباس: أما ما رأت الطهر ساعة فلتغتسل.

ويتوجه: أن انقطاع الدم متى نقص عن اليوم، فليس بطُهر، بناء على الرواية التي حكيناها في النفاس، أنها لا تلتفت إلى ما دون اليوم، وهو الصحيح إن شاء الله؛ لأن الدم يجري مرة، وينقطع أخرى، وفي إيجاب الغسل على من تطهُر ساعة بعد ساعة: حرج ينتفي بقوله: وَمَا جَعَلَ عَلَيكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ  [الحج: 78]. ولأننا لو جعلنا انقطاع الدم ساعة طهرا، ولا تلتفت إلى ما بعده من الدم، أفضى إلى أن لا يستقر لها حيض. فعلى هذا: لا يكون انقطاع الدم أقل من يوم طهرًا، إلا أن ترى ما يدل عليه، مثل أن يكون انقطاعه في آخر عادتها، أو ترى القصة البيضاء" ([22]).

القول الثاني: أن الطهر يحصل بالجفاف ولو كان ساعة، سواء كان ذلك في آخر مدة العادة أو أثنائها. وهذا المذهب عند الحنابلة. وهو القول الذي قدَّمه ابن قدامة، في كلامه السابق.

وابن قدامة رحمه الله يوافق المذهب فيما لو كان الجفاف في آخر الدورة، فإنه يحصل به الطهر، ولا تنتظر يوما ولا نصف يوم.

وعليه؛ فمن رأت الجفاف في آخر دورتها: فإنها تطهر بذلك، فإن نزل بعده كدرة –ولو بعد ساعة-فإنها تكون بعد الطهر، فلا تكون شيئا.

أما من رأت الجفاف التام في الموضع أثناء الحيض؛ فالصحيح أنها تطهر بذلك ولو كان الجفاف ساعة واحدة، لأن نقاء المحل من الدم والصفرة والكدرة لا يكون إلا علامة على الطهر.

وليس المقصود برؤية الجفاف مجرد وقوف جريان الدم فقط، بل المقصود أنها لو احتشت بقطنة في فرجها رجعت القطنة بيضاء، لا أثر فيها من صفرة أو كدرة، أما إذا عادت القطنة وفيها أثر صفرة أو كدرة أو نحوهما فلا يعتبر الحيض منقطعًا وليس هذا هو الجفاف التام.([23])

سابعا: معاودة الدم بعد الطهر من الحيض:

معاودة الدم بعد الطهر من الحيض له حالات:

الحال الأولى: أن يعود الدم بعد انقطاعه في زمن العادة، ففي هذه الحالة يكون حيضًا ([24]).

الحال الثانية: أن يعود الدم بعد انقضاء زمن العادة، وذلك على أقسام:

القسم الأول: أن يعود الدم بعد انقضاء زمن العادة، ولكن بعد أقل من ثلاثة عشر يومًا وهي أقل الطهر، ففي هذه الحال خلاف بين أهل العلم رحمهم الله. فذهب بعض أهل العلم إلى أنه ليس بحيض.

وذهب آخرون إلى أن الدم العائد إذا كان على صفات دم الحيض فهو حيض؛ لأن الحيض لا حد لأكثره ولا لأقله ولا حد للمدة بين الحيضتين.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "الحيض متى جاء فهو حيض، سواء طالت المدة بينه وبين الحيضة السابقة أم قصرت، فإذا حاضت وطهرت، وبعد خمسة أيام، أو ستة، أو عشرة، جاءتها العادة مرة ثانية: فإنها تجلس لا تصلي؛ لأنه حيض، وهكذا أبداً ؛ كلما طهرت، ثم جاء الحيض: وجب عليها أن تجلس، أما إذا استمر عليها الدم دائماً، أو كان لا ينقطع إلا يسيراً: فإنها تكون مستحاضة ؛ وحينئذ لا تجلس إلا مدة عادتها فقط" ([25]).

القسم الثاني: أن يعود بعد انقضاء زمن العادة ولكن بعد ثلاثة عشر يومًا، ففي هذه الحالة يكون دم حيض ([26]).

القسم الثالث: أن يعود الدم على شكل نقطة أو نقطتين فهذا ليس بشيء، لأن أصل الحيض في لغة العرب: السيلان؛ فلا يسمى الدم حيضاً إلا مع الجريان والسيلان، ولا يحكم على الدم الخارج من المرأة بأنه حيض إلا إذا كان سائلاً، وقد نقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن المرأة إذا رأت دمًا مثل الرعاف - يعني: نقطة نقطة - فإنه ليس بشيء"([27]).

ثامنا: حكم الدم النازل بسبب اللولب أو موانع الحمل:

تركيب اللولب وأخذ حبوب منع الحمل يسبب اضطرابًا في الدورة غالبًا، زيادة في أيامها، أو تقدمًا في موعدها، أو تغيرًا في صفة دم الحيض.

والأصل أن الدم الذي ينزل على المرأة دم حيض، ما لم يتجاوز خمسة عشر يومًا، فيكون دم استحاضة عند أكثر الفقهاء.

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "امرأة أجرت عملية اللولب وكانت عادتها قبل العملية سبعة أيام، وبعد العملية زادت دورتها إلى عشرة أيام، مع العلم أنها في اليوم السابع يقلُّ خروج الدم، وفي الثامن والتاسع يشتد خروج الدم، ثم انقطع بعد العاشر؟

فأجاب: تستمر حتى تطهر.

السائل: تكون من دورتها؟

الشيخ: لأن هذا اللولب يغير العادة؛ لأنه يضيق مخارج الدم، ويكون الدم مترسلاً فتطول المدة" ([28]).

والقول بأن الدم الذي ينزل مع اللولب ليس دم حيض مطلقا: قول لا أساس له ([29]).

تاسعا: أحكام الاستحاضة، وفيه مسائل:

المسألة الأولى: تعريف الاستحاضة:

الاستحاضة هي الدم الذي لا يصلح أن يكون حيضًا، كالدم الذي يجاوز أكثر الحيض، وهو خمسة عشر يوما عند الجمهور، أو ينقص عن أقل الحيض وهو يوم وليلة عند الجمهور.

جاء في "الموسوعة الفقهية":

" الاستحاضة لغة: مصدر استحيضت المرأة فهي مستحاضة. والمستحاضة من يسيل دمها ولا يرقأ، في غير أيام معلومة، لا من عرق الحيض، بل من عرق يقال له: العاذل.

وعرف الحنفية الاستحاضة بأنها: دم عرق انفجر ليس من الرحم.

وعرفها الشافعية بأنها: دم علة يسيل من عرق من أدنى الرحم يقال له العاذل، قال الرملي: الاستحاضة دم تراه المرأة غير دم الحيض والنفاس، سواء اتصل بهما أم لا. وجعل من أمثلتها الدم الذي تراه الصغيرة"([30]).

المسألة الثانية: الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة:

هناك فروق بين دم الحيض ودم الاستحاضة، وهي:

اللون: دم الحيض أسود، والاستحاضة دمها أحمر.

الرِّقَّة: دم الحيض ثخين غليظ، والاستحاضة دمها رقيق.

الرائحة: دم الحيض منتن كريه الرائحة، والاستحاضة دمها غير منتن؛ لأنه دم عرق عادي.

التجمد: دم الحيض لا يتجمد إذا ظهر، والاستحاضة دمها يتجمد؛ لأنه دم عرق.

ما يترتب عليهما: الحيض يمنع الصلاة والصوم والطواف بالكعبة، والاستحاضة لا تمنع الصلاة ولا الصوم ولا الطواف، وإنما تكتفي المستحاضة بالتحفّظ والوضوء لكل صلاة إذا استمر نزول الدم إلى الصلاة التي بعدها، وإن نزل الدم خلال الصلاة فلا يضر ([31]).

 المسألة الثالثة: أنواع الاستحاضة:

الاستحاضة نوعان عند أكثر العلماء:

  • نوع يتصل بدم الحيض.
  • ونوع لا يتصل به، كصغيرة لم تبلغ تسع سنين رأت الدم، وكبيرة رأته وانقطع لدون يوم وليلة، فحكمه حكم الحدث.

هكذا صرح بهذين النوعين أبو عبد الله الزبيري والقاضي حسين والمتولي والبغوي والسرخسي في الأمالي وصاحب العدة وآخرون، وهو الأصح الموافق لما سبق عن الأزهري وغيره من أهل اللغة أن الاستحاضة دم يجري في غير أوانه.([32])

وقال النووي: "الاستحاضة: قد تطلق على كل دم تراه المرأة غير دم الحيض والنفاس، سواء اتصل بالحيض المجاوز أكثره، أم لم يتصل، كالذي تراه لسبع سنين مثلا. وقد تطلق على المتصل به خاصة، ويسمى غيره: دم فساد، ولا تختلف الأحكام في جميع ذلك"([33]).

المسألة الرابعة: أحوال الاستحاضة:

للمستحاضة ثلاث حالات:

الحالة الأولى:

أن يكون لها حيض معلوم قبل الاستحاضة فهذه ترجع إلى مدة حيضها المعلوم السابق فتجلس فيها ويثبت لها أحكام الحيض، وما عداها استحاضة، يثبت لها أحكام المستحاضة.

مثال ذلك: امرأة كان يأتيها الحيض ستة أيام من أول كل شهر، ثم طرأت عليها الاستحاضة فصار الدم يأتيها باستمرار، فيكون حيضها ستة أيام من أول كل شهر، وما عداها استحاضة، لحديث عَائِشَةَ: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ، سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ، فَقَالَ:  لاَ إِنَّ ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَكِنْ دَعِي الصَّلاَةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي  ([34]).

وعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَكَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الدَّمَ فَقَالَ لَهَا: امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي  ([35]).

فعلى هذا تجلس المستحاضة التي لها حيض معلوم قدر حيضها ثم تغتسل وتصلي ولا تبالي بالدم حينئذ.

الحالة الثانية:

أن لا يكون لها حيض معلوم قبل الاستحاضة بأن تكون الاستحاضة مستمرة بها من أول ما رأت الدم من أول أمرها، فهذه تعمل بالتمييز فيكون حيضها ما تميز بسواد أو غلظة أو رائحة يثبت له أحكام الحيض، وما عداه استحاضة يثبت له أحكام الاستحاضة.

مثال ذلك: امرأة رأت الدم في أول ما رأته، واستمر عليها لكن تراه عشرة أيام أسود وباقي الشهر أحمر. أو تراه عشرة أيام غليظًا وباقي الشهر رقيقًا. أو تراه عشرة أيام له رائحة الحيض وباقي الشهر لا رائحة له، فحيضها هو الأسود في المثال الأول، والغليظ في المثال الثاني، وذو الرائحة في المثال الثالث، وما عدا ذلك فهو استحاضة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضَةِ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ  ([36]).

وهذا الحديث وإن كان في سنده ومتنه نظر، فقد عمل به أهل العلم رحمهم الله، وهو أولى من ردها إلى عادة غالب النساء.

الحالة الثالثة:

ألا يكون لها حيض معلوم ولا تمييز صالح بأن تكون الاستحاضة مستمرة من أول ما رأت الدم ودمها على صفة واحدة أو على صفات مضطربة لا يمكن أن تكون حيضًا، فهذه تعمل بعادة غالب

النساء فيكون حيضها ستة أيام أو سبعة من كل شهر، يبتدئ من أول المدة التي رأت فيها الدم، وما عداه استحاضة.

مثال ذلك: أن ترى الدم أول ما تراه في الخامس من الشهر ويستمر عليها من غير أن يكون فيه تمييز صالح للحيض لا بلون ولا غيره فيكون حيضها من كل شهر ستة أيام أو سبعة تبتدئ من اليوم الخامس من كل شهر.

لحديث حمنة بنت جحش رضي الله عنها أنها قَالَتْ: " كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَفْتِيهِ وَأُخْبِرُهُ، فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِ أُخْتِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَمَا تَأْمُرُنِي فِيهَا، فَقَدْ مَنَعَتْنِي الصِّيَامَ وَالصَّلَاةَ؟ قَالَ: أَنْعَتُ لَكِ الكُرْسُفَ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ.

قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: (فَتَلَجَّمِي). قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.

قَالَ: (فَاتَّخِذِي ثَوْبًا)، قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّمَا أَثُجُّ ثَجًّا!!

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَآمُرُكِ بِأَمْرَيْنِ: أَيَّهُمَا صَنَعْتِ أَجْزَأَ عَنْكِ، فَإِنْ قَوِيتِ عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ  فَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي، فَإِذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ وَاسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّي أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، أَوْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا، وَصُومِي وَصَلِّي، فَإِنَّ ذَلِكِ يُجْزِئُكِ، وَكَذَلِكِ فَافْعَلِي، كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَكَمَا يَطْهُرْنَ، لِمِيقَاتِ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ  ([37]).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (ستة أيام أو سبعة) ليس للتخيير وإنما هو للاجتهاد فتنظر فيما هو أقرب إلى حالها ممن يشابهها خلقة ويقاربها سناً ورحماً وفيما هو أقرب إلى الحيض من دمها، ونحو ذلك من الاعتبارات فإن كان الأقرب أن يكون ستة جعلته ستة، وإن كان الأقرب أن يكون سبعة جعلته سبعة.

عاشرا: أحكام الكدرة والصفرة، وفيه مسائل:

المسألة الأولى: نزول الكدرة قبل نزول الدم بمدة يسيرة كيوم أو يومين:

إذا رأت المرأة الكدرة في زمن العادة قبل نزول الدم بمدة يسيرة، فهل تعد ذلك حيضا مطلقًا، أو لا تعده حيضًا، أو إن كان في زمن العادة، وصحبها ألم الحيض، واتصل بها الدم: فهل هو حيض أم لا؟

في المسألة خلاف بين العلماء، وعلى القول الأخير، فإن المرأة إذا اعتادت نزول الكدرة قبل الدم مصحوبة بالألم، ويتصل بها الدم، فإنها إذا رأت الكدرة أمسكت عن الصلاة؛ لأن المعتاد أنه يتصل بها الدم.

وعلى فرض أنها انقطعت ولم يتصل بها الدم فإنها تقضي ما تركت من الصلاة؛ لتبيّن أن هذه الكدرة ليست من الحيض.

وأما إذا لم يكن لها عادة بمجيء الكدرة على هذا النحو، فإنها لا تمسك عن الصلاة، فإن اتصل بها الدم، علمت أنها من حيضها، ولا شيء عليها في صلاتها، لكن تقضي ما صامته في  الأيام التي نزلت فيها الكدرة ([38]).

المسألة الثانية: نزول الكدرة والصفرة قبل نزول الحيض بزمن ليس بيسير:

إذا نزلت الصفرة والكدرة قبل الحيض بزمن طويل، أي: على غير المعتاد، فليست من الحيض ([39]).

المسألة الثالثة: نزول الكدرة والصفرة في زمن العادة:

إذا نزلت الصفرة والكدرة في زمن العادة، سواء في أولها أو أوسطها أو آخرها قبل الطهر؛ فهي حيض ([40]).

المسألة الرابعة: نزول الكدرة والصفرة بعد الطهر:

إذا نزلت الصفرة والكدرة بعد الطهر، فليست حيضًا؛ لما جاء في حديث أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها، أنها قَالَتْ: " كُنَّا لاَ نَعُدُّ الكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ شَيْئًا "([41]).

وفي لفظ: " كُنَّا لَا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا " ([42]).

المسألة الخامسة: حكم نزول الكدرة والصفرة في زمن الحيض مجردة عن الدم:

إن نزلت الكدرة أو الصفرة مجردة عن الدم: فإذا كانت في "زمن العادة": فإنها حيض، عند جمهور الفقهاء.

جاء في "الموسوعة الفقهية":

"ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ: حَيْضٌ؛ لأَنَّهُ الأَصْلُ فِيمَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ فِي زَمَنِ الإِمْكَانِ، وَلأَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إِلَيْهَا بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ: فَتَقُولُ لَهُنَّ: لا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ. تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنَ الْحَيْضِ"([43]).

وقال ابن رجب الحنبلي، رحمه الله:

" ودل قول عائشة - رضي الله عنها - هَذا، على أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض: حيض.

وأن: من لها أيام معتادة تحيض فيها، فرأت فيها صفرة أو كدرة؛ فإن ذَلِكَ يكون حيضاً معتبراً.

وهذا قول جمهور العلماء، حتى إن مِنهُم مِن نقله إجماعاً، مِنهُم: عبد الرحمن بنِ مهدي وإسحاق بنِ راهويه، ومرةً خص إسحاق حكاية الإجماع بالصفرة دونَ الكدرة.

ولكن ذهب طائفة قليلة، مِنهُم: الأوزاعي وأبو ثور وداود وابن المنذر وبعض الشافعية إلى أنه لا يكون ذَلِكَ حيضاً حتى يتقدمه في مدة العادة دم" ([44]).

الحادي عشر: الأحكام المتعلقة باستمرار الاستحاضة والكدرة والصفرة بعد الطهر من الحيض:

إذا نزل دم أو كدرة أو صفرة بعد الطهر من الحيض، فينظر فيه:

  • فإن كان مستمرًا لا ينقطع وقتًا معلومًا يتسع للوضوء والصلاة، فيلزم المرأة الاستنجاء والتحفظ والوضوء لوقت كل صلاة، وتصلي ولو نزل الدم أثناء الصلاة، وتصلي ما شاءت من الفرض والنفل، وينتقض وضوؤها بدخول الوقت الآخر إن كان نزل منها شيء.

قال البهوتي: " يلزم كل من دام حدثه من مستحاضة، ومن به سلس بول، أو مذي، أو ريح، أو جرح لا يرقأ دمه، أو رعاف: (غسلُ المحل) الملوث بالحدث، لإزالته عنه، (وتعصيبه): أي فعل ما يمنع الخارج حسب الإمكان، من حشو بقطن، وشدّه بخرقة طاهرة...

و(لا) يلزمه (إعادتهما) - أي الغسل والعصب - (لكل صلاة، إن لم يفرّط)، لأن الحدث مع غلبته وقوته لا يمكن التحرز منه...

(ويتوضأ) من حدثٍ دائم (لوقت كل صلاة، إن خرج شيء) "([45]).

  • إن كان النازل ينقطع وقتًا معلومًا، يتسع للوضوء والصلاة، لزمها الانتظار، لتأتي بالصلاة في حال الطهر، فلو نزل منها شيء أثناء الصلاة، أعادت الوضوء والصلاة.

قال في "مطالب أولي النهى": " (وإن اعتيد انقطاع حدثٍ) دائمٍ (زمنا يتسع للفعل) أي: الصلاة والطهارة لها (فيه)، أي الزمن: (تعيّن) فعل المفروضة فيه...؛ لأنه قد أمكنه الإتيان بها على وجه لا عذر معه، ولا ضرورة؛ فتعيّن، كمن لا عذر له...

(ولا أثر لانقطاع) حدث دائم زمنا (لا يتسع لفعل) وضوء وصلاة، لكنه يمنع الشروع في الصلاة والمضي فيها، لاحتمال استمراره (أو)، أي: ولا أثر لانقطاعٍ (مختَلِف، بتقدم وتأخر، وقلة وكثرة، ووجود مرة وانعدام أخرى، وعدم عادة مستقيمة) باتصال أو انقطاع= فهذه كمن عادتها الاتصال في الدم، في بطلان الوضوء بالانقطاع المتسع للوضوء والصلاة، دون ما [لا] يتسع لهما.

كمن عادتها الاتصال في سائر ما تقدم، إلا أنها لا تمنع من الدخول في الصلاة، ولا من المضي فيها بمجرد الانقطاع قبل تبين اتساعه للوضوء والصلاة، لعدم انضباط هذا الانقطاع، فيفضي لزوم اعتباره إلى الحرج والمشقة"([46]).

الثاني عشر: مسائل متنوعة متعلقة بالحيض والاستحاضة:

المسألة الأولى: هل يجوز للمرأة أن تستعمل "كأس الحيض" لمنع تسرب الدم؟

كأس الطمث أو "الحيض": هو كأس تستخدمه المرأة ليسد الرحم، فيمنع تسرب دم الحيض إلى الخارج، ويتم تفريغه كل عدة ساعات، ثم تنظيفه وإعادته مرة أخرى.

ومن حيث الأصل: فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أجاز للمرأة المستحاضة أن تستعمل ما يسد موضع الدم ليمنع تسربه.

فعَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، أَنَّهَا اسْتُحِيضَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي اسْتُحِضْتُ حَيْضَةً مُنْكَرَةً شَدِيدَةً، قَالَ لَهَا:   احْتَشِي كُرْسُفًا   ، قَالَتْ لَهُ: إِنَّهُ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ إِنِّي أَثُجُّ ثَجًّا، قَالَ:   تَلَجَّمِي... .([47]).

قال الخطابي: " وفيه من الفقه أن المستحاضة يجب عليها أن تستثفر، وأن تعالج نفسها بما يسد المسلك ويرد الدم، من قطن ونحوه، كما قال في حديث حمنة: (أنعت لك الكرسف) وقال لها: (تلجمي واستثفري).

أما استعمال وسيلة معينة لسد الموضع، لمنع دم الحيض من التسرب، فهذا يدخل تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ  ([48]).

فينظر في ذلك إلى ما اعتاده الناس، ورأوه أنفع وأصلح لأداء الغرض المقصود.

وهذه الوسيلة المذكورة تحتاج إلى تجربة وأبحاث علمية وسريرية لإثبات أنها وسيلة آمنة، ولا تسبب ضررًا.

وبحسب ما وقفنا عليه من كلام الأطباء، فإنهم مختلفون في ذلك؛ فقد ذكرت بعض الطبيبات المتخصصات أن لها أضرارًا.

منها: أنها لا تناسب الفتيات الأبكار، وأنها قد تسبب بعض الالتهابات للجهاز التناسلي، وأنها تجعل الجهاز التناسلي أكثر عرضة للتلوث والجراثيم من الوسائل الأخرى.

المسألة الثانية: حكم المرأة التي رأت الدم بعد أن بلغت سن اليأس المعتاد؟

الأصل في الدم الخارج من المرأة أنه دم حيض، لأن هذه هي الحالة الطبيعية للمرأة.

فإذا لم يكن هناك سبب معلوم للدم، كمرض أو حادث أو تناول أدوية... ونحو ذلك فإنه يحكم بأن هذا الدم حيض.

وليس لليأس من الحيض سن معينة، بل ذلك يختلف باختلاف النساء.

وقد ينقطع الحيض مدة فتظن المرأة أنها يئست من المحيض ثم يعود، فيكون هذا العائد حيضًا، وتتبين أنها لم تكن يائسة من المحيض.

وقد علّق الشرع أحكام الحيض على مجرد خروج الدم المعروف بصفاته، فإذا خرج من المرأة فهي حائض.([49])

 المسألة الثالثة: هل الدم في باطن الفرج يأخذ حكم الحيض ولو لم يخرج بعد ؟

الدم الذي يكون في باطن الفرج [ مكان إدخال القطنة ] ولا ينتقل ويبرز إلى الظاهر: يعد حيضاً، ولا يشترط في الدم حتى يأخذ حكم الحيض أن يخرج إلى ظاهر الفرج، بل إذا بقي في باطن الفرج يلوث القطن الداخل فهو حيض أيضا.

وهو مذهب الشافعية والحنابلة، ورواية عن الإمام محمد بن الحسن الشيباني.

إذ المقصود هو تحقق وقوع الدورة الشهرية التي هي انسلاخ بطانة الرحم نتيجة عدم تلقيح البويضة، والدم على قطعة القماش الداخلة في الفرج علامة واضحة على انسلاخ بطانة الرحم الذي هو الحيض.

ويدل عليه ظاهر قول الله عز وجل: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ  [البقرة: 222].

فقوله سبحانه وتعالى (قل هو أذى) إشارة إلى أن العبرة بوقوع الأذى، وهو حاصل حتى لو لم يبرز الدم إلى ظاهر الفرج، فهذا الأذى يظهر بالآلام المرافقة، وبأعراض الطمث الأخرى.

ويدل عليه أيضا ما جاء عن أم علقمة قالت: (كَانَ النِّسِاءُ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدِّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ، فِيهِ الصُفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ، يَسْأَلْنَهَا عَنِ الصَّلاَةِ، فَتَقُولُ لَهُنَّ: لاَ تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ) تُرِيدُ بِذلِكَ الطُّهْرَ مِنَ الْحَيْضَة ([50]).

وفيه دلالة على أن النساء كن يعددن الصفرة التي تكون على (الكرسف) علامة على الحيض، وأكدت ذلك عائشة رضي الله عنها، والمراد بالكرسف هنا القطن الذي كانت النساء تدخله لتتبع الحيضة. ([51])

المسألة الرابعة: حكم تسريع العدة عن طريق استخدام العقاقير الطبية.

لا حرج على المرأة أن تتناول شيئًا من العقاقير الطبية، بغرض إنزال الحيض، وذلك الحكم له شروط عند العلماء، منها: أن لا يكون في ذلك تعدٍّ على حق الزوج.

فإن تقصير مدة العدة في الطلاق الرجعي فيه تعدٍّ على حق الزوج، فإن له مراجعة زوجته متى شاء في مدة العدة التي تمتد غالباً ثلاثة أشهر أو نحوها ([52]).

المسألة الخامسة: تناولت حبوبا لتنظيم الحمل فارتفع حيضها فهل تصلي وتصوم؟

إذا انقطعت الدورة الشهرية بسبب استعمال تلك الحبوب، أو بغير ذلك من الأسباب: حُكِم للمرأة بالطهارة، فتفعل كل ما تفعله الطاهرات من صوم وصلاة وقعود في المسجد؛ لأن ذلك كله إنما منع من أجل دم الحيض، فإذا ارتفع عنها الدم، زال المانع، وفعلت ما تفعله الطاهرات؛ ويدل لذلك قوله - عليه الصلاة والسلام- للمستحاضة: (إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ: فَإِنَّهُ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ؛ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ: فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي) ([53]).

 

وجاء في "الموسوعة الفقهية": "صرح الحنابلة بأنه يجوز للمرأة شرب دواء مباح لقطع الحيض: إن أُمِن الضرر، وذلك مقيد بإذن الزوج؛ لأن له حقا في الولد، وكرهه مالك مخافة أن تدخل على نفسها ضررا بذلك في جسمها...ثم إن المرأة متى شربت دواء، وارتفع حيضها: فإنه يحكم لها بالطهارة" ([54]).

 المسألة السادسة: رأت دم الحيض بعد الإفطار، لكنها شكت هل نزل منها الدم قبل الإفطار أم بعده؟

من القواعد الفقهية التي ذكرها أهل العلم رحمهم الله: الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن.

ومعنى القاعدة: أنه إذا حدث أمر ما، وأمكن أن يكون وقته قريباً أو بعيداً، وليس هناك ما يرجح أيا من الاحتمالين؛ فوقته المعتبر هو أقرب الوقتين لحدوثه؛ لأن هذا الوقت هو الذي تيقنا أنه حدث فيه، والآخر مشكوك فيه.

فلو رأت المرأة الحيض، ولم تعلم زمن نزوله، هل كان قبل الغروب أو كان بعده ؟ ففي هذه الحال يحمل وقت نزول الدم على أقرب الوقتين، وأقرب الوقتين في مسألتك: أن الدم نزل بعد الغروب.([55])

المسألة السابعة: هل يجوز للحائض كتابة آيات قرآنية؟

يجوز للحائض وكذا النفساء كتابة آيات من القرآن، بشرط عدم مساس حروفه؛ لأن المنع إنما جاء من مس المصحف، والكتابة ليست مسًّا.

وقال البهوتي رحمه الله: " تجوز كتابته لمحدث من غير مس، ولو لذمي؛ لأن النهي كما تقدم ورد عن مسه، وهي ليست مساً.." ([56]).

المسألة الثامنة: إذا طهرت الحائض قبل الفجر صلت المغرب والعشاء.

إذا طهرت الحائض بعد دخول وقت العشاء فإنه يلزمها أن تصلي العشاء لأنها أدركت وقتها، وكذلك يلزمها أن تصلي المغرب؛ لأنها تُجمع مع العشاء عند وجود العذر.

وكذلك إذا طهرت بعد دخول وقت العصر فإنها تصلي الظهر والعصر، هذا ما أفتى به بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبه قال جمهور العلماء.

وأما إذا طهرت بعد الصبح أو بعد الظهر أو بعد المغرب فإنه لا تصلي إلا صلاة واحدة، وهي الصلاة التي طهرت في وقتها: (الصبح أو الظهر أو المغرب)؛ لأن هذه الصلوات لا تُجمع إلى شيء قبلها ([57]).

 المسألة التاسعة: إذا أجنبت الحائض فهل تغتسل من الجنابة؟

إذا أجنبت الحائض، أو حاضت وهي جنب، شرع لها أن تغتسل من الجنابة، وتستفيد بذلك جواز قراءة القرآن من غير مس للمصحف، لأن الجنب يمنع من قراءة القرآن بخلاف الحائض ([58]).

المسألة العاشرة: الذكر والتسبيح والتحميد للحائض.

وأما الذكر والتكبير والتسبيح والتحميد، والتسمية على الأكل وغيره، وقراءة الحديث والفقه والدعاء والتأمين عليه واستماع القرآن فلا يحرم عليها شيء من ذلك، فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكئ في حجر عائشة رضي الله عنها وهي حائض فيقرأ القرآن ([59]).

وفي الصحيحين أيضاً عن أم عطية رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يخرج العواتق وذوات الخدور والحيض- يعني إلى صلاة العيدين- وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين ويعتزل الحيض المصلى) ([60]).

فأما قراءة الحائض القرآن الكريم بدون مس للمصحف؛ ففيه خلاف بين العلماء:

فجمهور الفقهاء على حرمة قراءة الحائض للقرآن حال الحيض حتى تطهر، ولا يستثنى من ذلك إلا ما كان على سبيل الذّكر والدّعاء ولم يقصد به التلاوة كقول: بسم الله الرحمن الرحيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، ربنا آتنا في الدنيا حسنة … الخ مما ورد في القرآن وهو من عموم الذكر.

وذهب بعض أهل العلم إلى جواز قراءة الحائض للقرآن وهو مذهب مالك، ورواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه الشوكاني

والأقرب هو قول من ذهب إلى جواز قراءة الحائض للقرآن، وإن احتاطت المرأة واقتصرت على القراءة عند خوف نسيانه فقد أخذت بالأحوط ([61])،هو اختيار علماء اللجنة الدائمة والشيخين ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله([62]).

 

أما مس الحائض للمصحف بدون حائل؛ فلا يجوز على الراجح من قولي أهل العلم.

لعموم قوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79]،

ولما جاء في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن وفيه: "ألا يمس القرآن إلا طاهر" ([63]).

المسألة الحادية عشرة: استعمال ما يمنع نزول الحيض لأجل العمرة والاعتكاف.

لا حرج على المرأة أن تتناول شيئا من العقاقير الطبية، لمنع نزول الدورة، أو تقليل مدتها، لتتمكن من الطواف بالبيت والقيام بالاعتكاف ونحوه، وانقطاع الدم الناتج عن هذا الدواء هو طهر معتبر تصح معه العبادات، لكننا لا ننصح بذلك خوفا من أضراره الصحية، أو آثاره الجانبية، لذا لابد من استشارة أهل الطب قبل أخذها، فالمسلم مأمور بالمحافظة على بدنه، وعدم إلحاقه الضرر به.

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن أخذ حبوب منع الحيض في العشر الأواخر من رمضان؟

فأجاب: "لا نرى أنها تستعمل هذه الحبوب لتعينها على طاعة الله؛ لأن الحيض الذي يخرج شيءٌ كتبه الله على بنات آدم، وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة وهي معه في حجة الوداع وقد أحرمت بالعمرة فأتاها الحيض قبل أن تصل إلى مكة فدخل عليها وهي تبكي، فقال ما يبكيك فأخبرته أنها حاضت فقال لها إن هذا شيءٌ قد كتبه الله على بنات آدم، فالحيض ليس منها فإذا جاءها في العشر الأواخر فلتقنع بما قدر الله لها ولا تستعمل هذه الحبوب وقد بلغني ممن أثق به من الأطباء أن هذه الحبوب ضارة في الرحم وفي الدم، وربما تكون سبباً لتشويه الجنين إذا حصل لها جنين فلذاك نرى تجنبها. وإذا حصل لها الحيض وتركت الصلاة والصيام فهذا ليس بيدها بل بقدر الله" ([64]).

 مراجع المادة

([1]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (217197).

([2]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (220644).

([3]) رواه النسائي (215)، وأبو داود (304)، وصححه الألباني في "صحيح النسائي" .

([4]) المغني، لابن قدامة (1/225).

([5]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (65570)، (5595).

([6]) مجموع الفتاوى (19/237).

([7]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (70438).

([8]) روى البخاري (321) ومسلم (335) واللفظ له.

([9]) رواه البخاري (282) ومسلم (313).

([10]) متفق عليه.

([11]) رواه البخاري (1650)، ومسلم (1211).

([12]) رواه البخاري (1755)، ومسلم (1328).

([13]) رواه البخاري (1652)، ومسلم (890).

([14]) رواه مسلم (302).

([15]) رواه البخاري (299).

([16]) رواه البخاري (5251)، ومسلم (1471).

([17]) رواه البخاري (306) ومسلم (333) .

([18]) رواه البخاري ( 308 ) ومسلم ( 332 ).

([19]) رواه مسلم (330).

([20]) ينظر: رسالة في الدماء "رسالة في الدماء الطبيعية للنساء" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وموقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (70438).

([21]) "المنتقى شرح الموطأ" (1/ 119). وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (216894)، (296313).

([22]) "المغني" (1/257).

([23]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (345323).

([24]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (275049).

([25]) ينظر: "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (11/278). وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (224756).

([26]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (312560)، (78396).

([27]) ينظر:  "جلسات رمضانية" لابن عثيمين رحمه الله، وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (217197).

([28]) "اللقاء المفتوح" (227/ 27).

([29]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (170225)، (65903)، (127259).

([30]) "الموسوعة الفقهية الكويتية" (3/197).

([31]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (5595).

([32]) "المجموع" (2/ 346).

([33]) "روضة الطالبين" (1/ 137).

([34]) رواه البخاري (325).

([35]) رواه مسلم (334).

([36]) رواه أبو داود (286) وصححه ابن حبان والحاكم، وحسنه الألباني.

([37]) رواه الترمذي (128)، وأبو داود (287)، وابن ماجه (622) قال الترمذي: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ... وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا [يعني البخاري] عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَهَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

([38]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (275018).

([39]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (171945).

([40]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (201425).

([41]) رواه البخاري (326).

([42]) رواه أبو داود (307)، ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (275049).

([43]) "الموسوعة الفقهية" (18/295).

([44]) "فتح الباري" (2/125-126).

([45]) انتهى مختصرا من "شرح منتهى الإرادات" (1/ 120).

([46]) "مطالب أولي النهى" (1/ 266).

([47]) رواه ابن ماجه (619)، وأبو داود (287)، والترمذي (128) وغيرهم، وصححه الإمام أحمد، والبخاري، وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1/202). وللنسائي (354) من حديث أم سلمة: ثُمَّ اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي وَصَلِّي.

([48]) رواه مسلم (2262).

([49]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (233031).

([50]) رواه مالك في " الموطأ " (189).

([51]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (222030).

([52]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (212472).

([53]) رواه أبو داود (304)، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح سنن أبي داود ".

([54]) " الموسوعة الفقهية " (18/327). وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (213649).

([55]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (191684).

([56]) "كشاف القناع"(1/135). وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (161455).

([57]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (117671).

([58]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (91793).

([59]) رواه البخاري (297) ، ومسلم (301).

([60]) رواه البخاري (1/93) ومسلم (890)

([61]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (2564).

([62]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (152742).

([63]) رواه مالك 1/199 والنسائي 8/57 وابن حبان 793 والبيهقي 1/87 قال الحافظ ابن حجر: وقد صحح الحديث جماعة من الأئمة من حيث الشهرة، وقال الشافعي: ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عبدالبر: هذا كتاب مشهور عند أهل السير معروف عند أهل العلم معرفة يستغني بشهرتها عن الإسناد لأنه أشبه  المتواتر لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة.أ.هـ وقال الشيخ الألباني عنه: صحيح .التلخيص الحبير 4/17 وانظر: نصب الراية 1/196، إرواء الغليل 1/158.

([64]) ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (93018)، ورقم: (192515)، ورقم: (36600).

المراجع

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android