الحمد لله.
أولا :
الأصل في اللباس الإباحة ، وذلك لأن الله تعالى يقول :
( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى
السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) البقرة/29
.
وقد امتن علينا بأن جعل لنا ما نلبسه فقال :
( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ
وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ
لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) الأعراف/26 .
فمن زعم تحريم نوع أو لون معين من اللباس فهو المطالب بالدليل الظاهر على ذلك .
ثانيا :
اختلف أهل العلم في حكم لبس الرجل ثلاثةً من الألوان :
1- اللون الأحمر الخالص الذي لم يخالطه غيره من الألوان ، أما الأحمر الذي خالطه
غيره فقد اتفقوا على جوازه وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم
:(8341) .
2- المصبوغ بالعصفر : ( والعصفر : نبات معروف يصبغ لونا أحمر ) ، وأما المصبوغ
بالحمرة من غير العصفر فهي المسألة السابقة .
3- المصبوغ بالزعفران : ( وهو نبات يعطي لونا أصفر ) ، وأما المصبوغ بالأصفر من غير
الزعفران فقد اتفق أهل العلم على جوازه .
فأما حكم لبس الثياب
المعصفرة ، فقد اختلف فيها أهل العلم على ثلاثة أقوال :
القول الأول : التحريم ، وهو مذهب الظاهرية واختيار ابن القيم .
ودليلهم ما رواه مسلم (2077) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال :
( رَأَى رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – عَلَيَّ ثَوبَينِ
مُعَصفَرَينِ فَقَالَ :
إِنَّ هَذِهِ مِن ثِيَابِ الكُفَّارِ فَلا تَلبَسهَا )
وفي رواية : ( أَأُمُّكَ أَمَرَتكَ بِهَذَا ؟ قُلتُ : أَغسِلُهُمَا ؟ قَالَ : بَل
احرِقهُما )
وما رواه مسلم (2078) عن علي - رضي الله عنه - : ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى
اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – نَهَى عَن لُبسِ المُعَصفَرِ )
القول الثاني : الكراهة ، وإليه ذهب الحنفية والمالكية ، وهي الرواية المعتمدة عند
الحنابلة .
قالوا : والنهي السابق محمول على الكراهة ؛ لما ثبت عن البراء بن عازب – رضي الله
عنه - قال : ( رَأَيتُ النَّبِيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – فِي حُلَّةٍ
حَمرَاءَ )
رواه البخاري (3551) ، ومسلم (2337)
.
القول الثالث : الجواز ، وهو مذهب الشافعية .
( المجموع 4/450 ، المغني 2/299 ، المحلى 4/69 ، تهذيب سنن أبي داود 11/117 ، حاشية
ابن عابدين 5/228 )
والذي يترجح - والله أعلم - القول بالتحريم ، وذلك لأن الأصل في النهي أنه للتحريم
، وأما لبس النبي – صلى الله عليه وسلم – الأحمر فذلك لا يعني أن حمرته كانت بسبب
العصفر ، بل كانت مصبوغة بالحمرة من غير العصفر .
( انظر "معالم السنن" (4/179))
وأما الثياب المزعفرة ، فقد اختلف فيها أهل العلم على ثلاثة أقوال أيضا ، أصحها ما
ذهب إليه الشافعية ورواية عند الحنابلة أنه يحرم على الرجل لبس الثياب المزعفرة ،
والدليل على ذلك ما جاء عن أنس – رضي الله عنه – قال :
( نَهَى رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – أَن يَتَزَعفَرَ
الرَّجُلُ )
رواه البخاري (5846) ومسلم (2101) .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" القول الصحيح أن لبس المعصفر حرام على الرجل ، والمزعفر مثله " انتهى . "الشرح
الممتع" (2/218)
(انظر التمهيد 2/180،
الإنصاف 1/481، المحلى 4/76 ، المجموع 4/449 ، حاشية ابن عابدين 5/228، المغني
2/299)
ثالثا :
ما تبقى من غير هذه الألوان من الألبسة لم يختلف أهل العلم في جوازها ، بل نقلوا
الاتفاق عليها فمن ذلك :
قال النووي "المجموع" (4/337) :
" يجوز لبس الثوب الأبيض والأحمر والأصفر والأخضر والمخطط وغيرها من ألوان الثياب ،
ولا خلاف في هذا ، ولا كراهة في شيء منه " انتهى .
وجاء في الموسوعة الفقهية (6/132-136) :
" اتّفق الفقهاء على استحباب لبس ما كان أبيض اللّون من الثّياب ...
اتّفق الفقهاء على جواز لبس الأصفر ما لم يكن معصفراً أو مزعفراً " انتهى .
كما أن للمرأة ـ أيضا ـ أن
تلبس ما تشاء من الألوان – ما لم تكن متبرجة بذلك للأجانب – والذين تكلموا على
تحريم المعصفر والمزعفر وغيره إنما قيدوا ذلك بالرجال .
يقول ابن عبد البر "التمهيد" (16/123) :
" وأما النساء فإن العلماء لا يختلفون في جواز لباسهن المعصفر المُفَدَّمَ
والمُوَرَّدَ والمُمَشَّقَ... المُفَدَّم : المُشبع حُمرةً ، والمُورَّد : دونه في
الحمرة ، وأما الممشق فطين أحمر يصبغ به " انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم : ( 145719) .
الخلاصة : أن اللون النباتي
والسكري من الألوان الجائزة ، ولم يرد في تحريمها شيء ، إلا إذا كان لونها ذلك بسبب
صبغ العصفر أو الزعفران ، فعند ذلك يصبح محرما لبسه على الرجل فقط ، وذلك على
الراجح من أقوال أهل العلم .
والله أعلم .
تعليق