أولاً:
المروءة اصطلاحاً : قال الفيوميّ: "المروءة آداب نفسانيّة، تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات" المصباح المنير " (8/ 446).
وقد وردت جُملةٌ من الآداب التي يجب أن يتمتع بها صاحب المروءة، ومنها:
- أن يكون ذا أناةٍ وتؤدةٍ؛ فلا يبدو في حركاته اضطراب أو عجلة.
- أن يضبط نفسه عن هيجان الغضب، أو دهشة الفرح، وأن يقف موقف الاعتدال في حالي السراء والضراء.
- أن يتحلّى بالصراحة والترفع عن المواربة والمجاملة والنفاق، فلا يُبدي لشخصٍ الصداقة وهو يحمل له العداوة، أو يشهد له باستقامة السيرة وهو يراه منحرفاً عن السبيل.
- أن يمسك لسانه عن أعراض الناس، وتتبع عوراتهم، والتماس سقطاتهم؛ فضلا عن أ يختلق لهم معايب، ويرميهم بها!! قال رجل لخالد بن صفوان: كان عبدة بن الطيب لا يحسن يهجو!! فقال له: لا تقل ذلك؛ فوالله ما تركه من عِيٍّ، ولكنه كان يترفع عن الهجاء.
- أن يتجنب تكليف زائريه وضيوفه ولو بعملٍ خفيف؛ فقد ورد عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قوله: (ليس من المروءة استخدام الضيف).
- أن يسود في مجلسه الجد والحكمة وأن لا يكثر في حديثه بالمزاح إلا إلماماً مؤنساً في أحوال نادرة قال الأحنف بن قيس: (كثرة المزاح تذهب المروءة).
انظر: "موسوعة الأخلاق الإسلامية" الدرر السنية (2/ 47)
ثانياً:
خوارم المروءة اصطلاحاً: هي كل فعل أو قول أو حرفة يوجب فعلها أو تركها الذم في عادات الناس وأعرافهم المعتبرة شرعاً.
باختصار: هي كل فعل يوجب الذم في عادات الناس وأعرافهم المعتبرة شرعاً.
"موسوعة الأخلاق الإسلامية" الدرر السنية (2/ 49)
ويمكن تصنيف خوارم المروءة إلى نوعين:
الأول:- خوارم للمروءة بحسب الشرع.
فالأولى لا تتغير ولا تتبدل بتبدل الأحوال والأزمان، لأنها تستمد ثباتها من الشرع الحنيف.
وعليه فكل من وصف بأنه منخرم المروءة بواحدة من تلك الخوارم فهو مخروم المروءة في كل حين.
كمن خرمت مروءته بسبب السفه وبذاءة اللسان، وسب الناس، والطعن فيهم.
الثاني:- خوارم للمروءة بحسب العرف السائد:
يقول الدكتور عبد الكريم زيدان رحمه الله : "ولا شك أن خوارم المروءة تخضع إلى حد كبير إلى العرف السائد ، فما يكون قبيحاً وقادحاً في المروءة في بلد ما، قد لا يكون كذلك في بلد آخر، لاختلاف العرف في هذين البلدين؛ مثل كشف الرأس فقد يكون مستقبحاً في بلد، للعرف السائد فيه؛ فيكون قادحاً في المروءة والعدالة. وقد لا يكون مستقبحاً في بلد آخر، فلا يكون قادحاً في العدالة" انتهى من "علوم الحديث " ص: 89 ، وانظر: جرح الرواة وتعديلهم (7/ 39)
ولهذا؛ فإن المروءة في مثل هذا هي مراعاة العرف السائد.
وانظر: "موسوعة الأخلاق الإسلامية" الدرر السنية (2/ 50)
ثالثاً:
هناك وسائل تعين المرء إلى الوصول إلى السمت الحسن والمروءة المبتغاة، نذكر بعضها فيما يلي:
أولاً: الدعاء المستمر. (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر/ 60.
ثانياً: علو الهمة، والتطلع إلى السمو بالنفس, والترقي بها إلى المعالي.
ثالثاً: النظر في هدي وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وطريقة تعامله، والاجتهاد في تطبيقها.
رابعاً : منافسة أصحاب المروءات، ومسابقة أصحاب الأخلاق العالية (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) المطففين/ 26.
خامسا: ومما يعين على تحصيل المروءات: شرف النفس واستعفافها ونزاهتها وصيانتها.
سادساً: المال الصالح خير معين على بلوغ المروءات, حتى لا يحتاج إلى الناس.
قال أبو حاتم رحمه الله: ومن أحسن ما يستعين به المرء على إقامة مروءته: المال الصالح. انتهى من "روضة العقلاء ونزهة الفضلاء" (ص233).
سابعاً: ومما يعين على المروءة: مجالسة أهل المروءات ومجانبة السفهاء وأهل السوء.
أسند ابن حبان عن بعضهم قال: "كان يقال: مجالسة أهل الديانة تجلو عن القلب صدأ الذنوب، ومجالسة ذوي المروءات تدل على مكارم الأخلاق، ومجالسة العلماء تذكي القلوب" انتهى من "روضة العقلاء ونزهة الفضلاء" (ص234).
ومتى جالس المرء أهل المروءات، اكتسب منهم صالح الأخلاق والصفات. قال ابن عبد البر: "فلا تكاد تجد حسن الخلق إلا ذا مروءة وصبر" انتهى من "الاستذكار" (5/ 105).
وكذلك إن عاشر المرء إخوان السوء، وقليلي المروءة: أخذ عنهم أخلاقهم، وكان ذلك سبباً في القدح بمروءته.
قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: "آفة المروءة: إخوان السوء". انظر: "المروءة" للمرزبان (ص117)، و "روضة العقلاء" لابن حبان (234)، وانظر: "موسوعة الأخلاق الإسلامية" الدرر السنية (2/ 52).
وملازمة أهل العلم المعروفين بحسن السمت والهدي، واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم: يورث التأثر بهم.
وحتى يكون النفع أعظم ينبغي على من صحب أهل العلم أن يتأمل في هديهم وسمتهم وتعاملهم ويقتدي بهم، ولا يكتفي بمجرد الاستماع إلى الفوائد العلمية فقط.
جاء في "سير أعلام النبلاء" (10/ 523):
"وكان يحيى بن يحيى إمام أهل بلده، والمقتدى به منهم، والمنظور إليه، والمعول عليه، وكان ثقة، عاقلا، حسن الهدي والسمت، يشبه في سمته بسمت مالك" انتهى.
وقد كان السلف في كل جيلٍ يحرصون على الاقتداء بمشايخهم في السمت والهدي، لما يرونه من أن التخلق بأخلاقهم والاقتداء بسلوكهم طريق موصل إلى الاقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك عبر سندٍ متصل في العلم والعمل.
وفي "تاريخ الإسلام" للذهبي (6/ 1046): "قال أبو بكر بن إسحاق الصِّبْغيّ، وقيل له: ألا تنظر إلى تمكُّن أبي عليّ الثّقفيّ في عقله؟
قَالَ: ذاك عقل الصَّحابة والتّابعين من أهل المدينة.
قِيلَ: وكيف ذاك؟ قَالَ: إنّ مالك بن أنس كان من أعقل أهل زمانه، وكان يقال إنّه صار إليه عقول مَن جالسَهَم من التابعين، فجالَسَه يحيى بن يحيى النَّيْسَابوريُّ، فأخذ من عقله وسَمْته، حتّى لم يكن بخُراسان مثله، فكان يُقال: هذا عقل مالك وسمته. ثم جالس يحيى محمدُ بن نصر سِنِين، حتّى أخذ من سَمْته وعقله، فلم يُرَ بعد يحيى من فُقَهاء خُراسان أعقل منه. ثمّ إنّ أبا عليّ الثَّقَفيّ جالَسَ محمد بن نصر أربع سِنِين، فلم يكن بعده أعقل من أبي علي" انتهى، وانظر: "سير أعلام النبلاء" ط الرسالة (14/ 34).
وفي "تذكرة الحفاظ" (2/ 128): "كان أبو داود يشبه بأحمد بن حنبل في هديه ودله وسمته، وكان أحمد يشبه في ذلك بوكيع، وكان وكيع يشبه في ذلك بسفيان، وسفيان بمنصور، ومنصور بإبراهيم، وإبراهيم بعلقمة، وعلقمة بعبد الله بن مسعود، وقال علقمة: كان ابن مسعود يشبه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم: في هديه ودله" انتهى. وانظر: تاريخ دمشق (22/198-199)، "سير أعلام النبلاء" (13/216).
ثامناً: وهو من أهمها التدرب على الخلق والسمت الحسن، ومجاهدة النفس لتطبيقه، حتى يكون عادة للإنسان، وقد تستغرق المجاهدة عدة أشهر وربما سنوات.
فبهذا تميّز السلف الصالح عن غيرهم.
قال محمد بن المنكدر رحمه الله: كابدت نفسي أربعين سنة، حتى استقامت حلية الأولياء (3/ 147)
وقال عبد الله بن أبي زكريا رحمه الله: "عالجت الصمت عشرين سنة، فلم أقدر منه على ما أريد" "حلية الأولياء" (5/ 149).
وأخيراً .. النظر في كتب الأخلاق مثل: موسوعة الأخلاق الإسلامية - الدرر السنية، هذه أخلاقنا للخزندار، في أخلاقنا كفاية د. يحيى بن إبراهيم اليحيى ، وغيرها من الكتب التي تتكلم عن الأخلاق.
والله أعلم.