96

هل يكره للإنسان الدعاء لغيره بأن يكون أفضل منه في الدنيا والآخرة؟

السؤال: 606669

أنا لدي سؤال وهو: إني أريد أن أدعوا للناس بأن يكونوا أفضل مني في الدنيا والآخرة، فهل هذا النوع من الدعاء بدعة؟ أم مستحب؟ أم مكروه؟ أم ماذا؟ وأنا وصلت لهذه النوع من الطلبات في الدعاء؛ لأني أخاف الرياء في دعائي، وأن أنسى أحدا الناس المقربين مني بالدعاء، وطريقة الدعاء بسيطة، وهي: أن أدعو أن يرفعهم الله تعالى في الدنيا والآخرة مراتب أعلى مني، وأن يجمعنا في الجنة، وأشكركم على الإجابة.

ملخص الجواب

لا ينبغي الدعاء بذلك بأمور الآخرة أو العلم أو حسن التعبد والطاعة والتقرب إلى الله، وهو أقرب للكراهة، أما  الدعاء بذلك في أمور الدنيا فلا بأس

موضوعات ذات صلة

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولاً:

حث الشرع المسلمين على الدعاء لبعضهم البعض بظهر الغيب، كما في حديث أَبِي الدَّرْدَاءِ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ رواه مسلم (2732).

والداعي إما أن يدعو لغيره بأمر من أمور الدنيا أو بأمر من أمور الآخرة.

ثانياً:

أما الدعاء بأمور الآخرة أو في العلم أو في حسن التعبد والطاعة في الدنيا.

فالمتأمل للكتاب والسنة يجد أن دعاء نبينا والأنبياء عليهم الصلاة والسلام لغيرهم بالخير على أقسام:

1-أن يدعو للغير بالخير بدون مقارنة نفسه بالمدعو له.

كدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما: اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ رواه البخاري (143). فهذا مشروع.

2-أن يدعو لنفسه ولغيره بدعاء واحد. فالسنة أن يبدأ بنفسه أولاً.

عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَعَا بَدَأَ بِنَفْسِهِ رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (4/182) (4081)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (4720).

كدعاء التشهد: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ رواه البخاري (797) ومسلم (402).

ودعاء إبراهيم عليه السلام: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ إبراهيم/ 35.

وقوله: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ إبراهيم/ 40-41.

وقول نوح عليه السلام : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) نوح/ 28.

قالَ الحافظ ابن حجر رحمه الله :"قوله : (السلام علينا) استُدل به على استحباب البداءة بالنفس في الدعاء" " انتهى من "فتح الباري" (2/314)

وقال السيوطي رحمه الله :

"(كان إذا دعا بدأ بنفسه) ... ومن ثم ندبوا للداعي أن يبدأ بالدعاء لنفسه قبل دعائه لغيره، فإنه أقرب إلى الإجابة؛ إذ هو أخلص في الاضطرار وأدخل في العبودية وأبلغ في الافتقار وأبعد عن الزهو والإعجاب، وذلك سنة الأنبياء والرسل، قال نوح: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) نوح/ 28... (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) الأنعام: 90" انتهى من "الشمائل الشريفة" (ص: 144).

انظر: إجابة رقم: (383411) .

ثالثا:

الدعاء للغير بأفضل وخير حال من الداعي لنفسه، كأن يقول: اللهم ارفع درجته في الجنة بأعلى من درجتي.

فمثل هذا الدعاء غير مأثور عن أحد من السلف الصالح، فضلا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

والذي يظهر: أنه أقرب للكراهة والمنع، منه إلى الجواز؛ لعدة أمور:

1- أنه مخالف للنصوص الحاثة على المسابقة للخير، قال الله تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ آل عمران/ 133، وقال عز وجل: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ الحديد/ 21 . وقال تعالى: وَلِكُلّٖ وِجۡهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَاۖ فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ أَيۡنَ مَا تَكُونُواْ يَأۡتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ [البقرة: 148].

2-لم يرد في الكتاب والسنة مثل هذا، فخير الهدي هدي نبينا والأنبياء قبله عليهم الصلاة والسلام.

3 -فيه ضعف إظهار الحاجة إلى كرم الله تعالى، وضعف الرغبة فيما عنده من المنازل العلى والدرجات الحسنى الفاضلة.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلَا نُبَشِّرُ النَّاسَ قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ‌فَإِذَا ‌سَأَلْتُمُ اللهَ فَاسْأَلُوهُ ‌الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ. رواه البخاري (2790).

4-فيه إيثار بالمنازل العليا والزهد فيها، والتي من أجلها استحب بعض أهل العلم عدم الإيثار في القربات.

رابعا:
أما أمور الدنيا فلا بأس أن تدعو مثلاً: اللهم ارزق فلانا مالاً، أو اللهم ارزقني وفلانا مالاً (فكلاهما جائز)، وله أصل من السنة.

كدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لزوجة جليبيب لما رآه قد قُتل شهيداً:

روى أحمد في مسنده (33/ 29): "وَحَدَّثَ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ثَابِتًا قَالَ: هَلْ تَعْلَمْ مَا دَعَا لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: اللهُمَّ صُبَّ عَلَيْهَا الْخَيْرَ صَبًّا، وَلَا تَجْعَلْ عَيْشَهَا كَدًّا كَدًّا قَالَ فَمَا كَانَ فِي الْأَنْصَارِ أَيِّمٌ أَنْفَقَ مِنْهَا". وصحح إسناده ابن عبد البر في " الاستيعاب " (1/273)، والبغوي في " شرح السنة " (14/198)، والبيهقي في " شعب الإيمان " (3/114)، ومحققو المسند.

ولو دعا وقال: اللهم ارزق فلانا مالاً أكثر من مالي، أو زوجاً خيراً من زوجي أو بيتاً خيراً من بيتي: فنرجو ألا يكون به بأس بذلك، لأن الدنيا لا حسد فيها مشروع إلا ما يقربك إلى الله تعالى. قال عليه الصلاة والسلام: لاَ حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ القُرْآنَ ، فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ ، وَآنَاءَ النَّهَارِ ، فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ ، فَقَالَ : لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلاَنٌ ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الحَقِّ ، فَقَالَ رَجُلٌ : لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلاَنٌ ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ رواه البخاري (5026).

قال النووي رحمه الله :

"قال أصحابنا : يستحب ابتداء الإنسان بنفسه في الدعاء وشبهه من أمور الآخرة ، وأما حظوظ الدنيا : فالأدب فيها الإيثار، وتقديم غيره على نفسه" انتهى من "شرح صحيح مسلم" (15/ 144) .

على أن كلام الإمام النووي: إنما هو في تقديم على نفسه في البداءة بالدعاء، كأن يقول: اللهم ارزق صاحبي مالا، وارزقني؛ لا أن فيه تعرضا لمحل السؤال: أن يرزقه مالا خيرا من ماله. فإنا لم نجد من صرح بذلك من أهل العلم، فيما وقفنا عليه.

ولو ترك الداعي ذلك التكلف كله، ودعا لأخيه بما يدعو لنفسه من الخير: فحسبه، وكفى.

على أنه يخشى على من تكلف ذلك: ألا يكون صادقا في دعائه لأخيه بأفضل مما عنده من الخير، أو بأفضل مما دعا لنفسه، فالإنسان مجبول على محبة نفسه، ومحبة الخير لها.

وأما ما اعتذرت به من "خوف الرياء": فالواقع: أن خوف الرياء، فيما تريده من الدعاء لغيرك، بأفضل مما لنفسك؛ أشد وأظهر من الرياء لو دعوتك بالخير لنفسك وللمسلمين، أو دعوت لنفسك ومن تحب، أو دعوت لنفسك؛ فحسب. فأي رياء في ذلك؟!

وما ذكرته من خوف النسيان: هو كذلك أيضا؛ فهب أن نسيت الدعاء لبعض من تحب، مرة أو مرات، أو حينا طويلا؛ فكان ماذا؟ لا شيء.

ودعاء النبي والصالحين لأنفسهم خاصة بالخير، أكثر من أن يحصر، بل لعله أكثر ممن الدعاء الذي يشركون فيه غيرهم، وهذا ظاهر، وقد قال الله تعالى: كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡ رَهِينَةٌ [المدثر: 38].

ولو انتبهت لما جاء في "التشهد" في كل صلاة، من عموم الدعاء للمسلمين، فلعله أن يغنيك عن ذلك كله، أو يدلك على ما يغنيك عن ذلك التكلف، ويحقق لك مطلوبك في عموم الدعاء بالخير.

عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه قال: " ... فَإِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلِ: التَّحِيَّاتُ لِلهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ ذَلِكَ أَصَابَ ‌كُلَّ ‌عَبْدٍ ‌صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ " رواه البخاري (831)، ومسلم (402).

فعلى قياس ذلك: ادع بما تحب من الخير، ثم ادع الله أن يجعله لك، ولعباد الله الصالحين.

أو لك، وللمؤمنين والمؤمنات، كما كانت سنبة الأنبياء، عليهم السلام:

قال إبراهيم عليه السلام: رَبِّ ٱجۡعَلۡنِي مُقِيمَ ٱلصَّلَوٰةِ وَمِن ذُرِّيَّتِيۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلۡ دُعَآءِ * رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ يَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡحِسَابُ إبراهيم/40-41.

وقال نبي الله نوح، عليه السلام: رَّبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيۡتِيَ مُؤۡمِنٗا وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۖ نوح/28.

وقال الله تعالى لنبيه ومصطفاه، محمد، صلى الله عليه وسلم: وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ محمد/19

عن عاصم، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَكَلْتُ مَعَهُ خُبْزًا وَلَحْمًا، أَوْ قَالَ: ثَرِيدًا، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: أَسْتَغْفَرَ لَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكَ - ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ‌وَاسْتَغْفِرْ ‌لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ). رواه مسلم (2346).

وخير الهدي: هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ولا نعلم تسأل عنه هديا له، ولا لأصحابه الكرام، بل ولا هو من سنة الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، كما تبين لك.

وينظر: إجابة رقم: (132011).

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android