هذا الخبر بالصيغة التي سقتها في السؤال يذكره بعض أهل العلم، بدون بيان مصدره.
كقول ابن رجب رحمه الله تعالى:
" ورُوي عن أبي الدرداء، ويزيد بن مَيْسَرَة أنهما: جعلا مثلَ من أصاب مالًا من غير حلِّه، فتصدَّق به؛ مثلَ من أخذ مال يتيم، وكسَا بِهِ أرملةً " انتهى. "جامع العلوم والحكم" (1 / 264).
وينسبه بعضهم بصيغة أخرى إلى الإمام أحمد في "الزهد".
قال السيوطي رحمه الله تعالى:
" وأخرج أحمد في "الزّهْد": عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: ( إِن كسب المَال من سَبِيل الْحَلَال قَلِيل؛ فَمن كسب مَالا من غير حلّه، فَوَضعه فِي حَقه، فآثر من ذَلِك أَلَا يسلب الْيَتِيم ويكسو الأرملة، وَمن كسب مَالا من غير حلّه، فَوَضعه فِي غير حَقه، فَذَلِك الدَّاء العضال، وَمن كسب مَالا من حلّه، فَوَضعه فِي حَقه، فَذَلِك يغسل الذُّنُوب كَمَا يغسل المَاء التُّرَاب عَن الصَّفَا ) " انتهى. "الدر المنثور" (3 / 282).
ولم نقف عليه بمثل هذه الألفاظ تامة في كتاب "الزهد".
والذي وقفنا عليه في "الزهد" (ص162) رقم (737): عَنْ الْمَسْعُودِيّ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: ( إِن كَسِبَ مَالًا مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ، فَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ: فَذَلِكَ الدَّاءُ الْعُضَالُ، وَمَنْ كَسِبَ مَالًا مِنْ حِلِّهِ، فَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ: فَذَلِكَ يَغْسِلُ الذُّنُوبَ كَمَا يَغْسِلُ الْمَاءُ التُّرَابَ عَنِ الصَّفَا ).
وفي بعض النسخ المطبوعة: (ص113) رقم (737): عَنْ الْمَسْعُودِيّ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: ( إِنَّ كَسْبَ الْمَالِ مِنْ سَبِيلِ الْحَلَالِ قَلِيلٌ؛ فَمَنْ كَسِبَ مَالًا مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ، فَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ، وَمَنْ كَسِبَ مَالًا مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ، فَوَضَعَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ: فَذَلِكَ الدَّاءُ الْعُضَال.
وَمَنْ كَسِبَ مَالًا مِنْ حِلِّهِ، فَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ فَذَلِكَ يَغْسِلُ الذُّنُوبَ كَمَا يَغْسِلُ الْمَاءُ التُّرَابَ عَنِ الصَّفَا ).
فلعل هناك سقطا في النسخ المطبوعة، أو أن هذا الأثر بتمامه في الشطر غير المطبوع من كتاب "الزهد"؛ فمن المعلوم عند أهل الاختصاص أن "الزهد" للإمام أحمد: لم يصلنا كاملا، بل المفقود منه، فلم يظهر حتى اليوم: أكثر من المطبوع المعلوم منه.
وعلى أية حال؛ فالنص الذي سألت عنه: " ورُوي عن أبي الدرداء، ويزيد بن مَيْسَرَة أنهما: جعلا مثلَ من أصاب مالًا من غير حلِّه، فتصدَّق به؛ مثلَ من أخذ مال يتيم، وكسَا بِهِ أرملةً " انتهى.
يشير إلى أن أن الصدقة بالمال الحرام لا تقبل، فشرط قبول الصدقة أن تكون من مال حلال طيب.
وهذا الأمر قد جاءت نصوص الكتاب والسنة بتقريره.
فمن ذلك: قول الله تعالى: ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) المائدة (27).
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" ومعنى قوله: ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) أي: ممن اتقى الله في فعله ذلك " انتهى. "تفسير ابن كثير" (3 / 85).
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُها بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيْها لِصاحِبِهِ، كَما يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ ) رواه البخاري (1410)، ومسلم (1014).
وبوّب عليه الإمام البخاري بقوله:
" بابٌ: لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ، وَلا يَقْبَلُ إلَّا مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ " انتهى.
والمراد بالطيب الحلال.
قال ابن هبيرة رحمه الله تعالى:
" وقوله: ( مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ )؛ فإن الله تعالى إنما يثيب العبد على ما أنفق من ماله، وإذا أنفق من مال مغصوب لم يكن قد أنفق ماله؛ إنما أنفق من مال غيره؛ فلم يكن من المنفقين أموالهم كما قال عز وجل: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ؛ فإذا أنفق من ماله فهو الذي يأجره الله عليه، وذلك هو الكسب الطيب، وهو الذي يكسبه بالشرع، فقد طابت طرق حصوله " انتهى. "الإفصاح عن معاني الصحاح" (6 / 257).
الخلاصة:
هذا النص لم نقف عليها مسندا بلفظه، لكن ورد في "الزهد" للإمام أحمد ما يشبهه في المعنى.
والمراد به أن الصدقة من المال الحرام لا تقبل، بل يجب على صاحبه أن يتوب من هذا المال الحرام، وقد جاءت النصوص الصحيحة بتقرير هذا.
والله أعلم.