70

هل يتعارض الحث على صلاة النافلة في البيت مع الحث على التبكير إلى الصلاة؟

السؤال: 600947

حث النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة في البيت إن كانت نافلة، (أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ)، وعلى التبكير إلى الصلاة والصف الأول: (وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ لَاسْتَهَمُوا )، فقد يظهر أن هناك تعارضا إن كانت للصلاة سنة قبلية؛ لأنها يستحب صلاتها في البيت مثل الظهر أربع ركعات قبلية، وقد يؤخر هذا المرء عن صلاة الجماعة، أو عن الصف الأول، فكيف أجمع بين الحديثين؛ لأنه معلوم أن لا تعارض بين كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن لا أريد الحل فقط، بأن مثلا أصلي صلاة خفيفة، ثم أذهب أو أصلي في المسجد، بل أقصد كيف الجمع بين الحديثين، وكلاهما صحيح، لأن كل مفتٍ أستفتيه يقول لي: ما علي فعله، لكني أريد دفع الإشكال في فهم الحديثين معًا؟

ملخص الجواب

صلاة النوافل، ومنها السنن الرواتب: في البيت، أفضل من صلاتها في المسجد، لكن إن ترتب على ذلك: فوات فضيلة الصف الأول، أو تكبيرة الإحرام؛ فليصلها في المسجد، وليجعل سائر نوافله المطلقة، والسنن البعدية في البيت، وبذلك تجتمع له الفضائل.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

لا إشكال ولا تعارض بين الحديثين، فهما فضيلتان يمكن الجمع بينهما في الأصل، ومن تعذر عليه الجمع بينهما فلعارض عنده وليس للتعارض.

وكثير من الناس يوفقون للجمع بين الأمرين.

وفي حال تعذر على المرء أن يجمع بينهما، فالظاهر أنه يقدم فضيلة التبكير لما يأتي:

1-أنّ حديث (لو يعلمون ما التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَوْ ‌يَعْلَمُونَ ‌مَا ‌في ‌الصف ‌المقدم ‌لاستهموا) رواه البخاري (688) فيه فضيلة التبكير إلى الصلاة وإدراك الصف الأول وتكبيرة الإحرام، وتقديمه لها لا تفوت معه فضيلة الصلاة في البيت لبقية الرواتب البعدية والنوافل الأخرى.

قال ابن بطال رحمه الله:

"والتهجير: السير في الهاجرة، وهي شدة الحر، ويدخل في معنى التهجير: المسارعة إلى الصلوات كلها قبل دخول أوقاتها؛ ليحصل له فضل الانتظار قبل الصلاة" انتهى من "شرح صحيح البخاري" (2/ 280)

فإذا أمكن الجمع بين الفضيلتين، ولو في بعض صور إحداهما، كان أفضل من إهدار إحداهما بالكلية.

وإلى هذا الوجه في الجمع بين الفضائل، أشار الإمام البيهقي، رحمه الله في ترجمته: "باب السنة في رد النافلة إلى البيت إن كانت صلاة يتنفل بعدها" "السنن الكبير" للبيهقي (4/ 98 ت التركي).

فقيد ذلك بما كان يتنفل بعدها من الصلوات.

2-وقد ثبت عن جمع من الصحابة، وأئمة السلف: تبكيرهم إلى المساجد قبل الأذان أو مع الأذان مما يدل على أنهم كانوا يصلون الراتبة القبلية في المسجد.

فعن سعيد بن المسيب قال: "‌ما ‌أذن ‌المؤذن ‌منذ ‌ثلاثين ‌سنة ‌إلا ‌وأنا ‌في ‌المسجد" رواه ابن أبي شيبة (35060)

وعن عبد الرحمن بن عمرو قال: سمعت ربيعة بن يزيد يقول: "ما ‌أذن ‌المؤذن ‌لصلاة ‌الظهر ‌منذ ‌أربعين سنة إلا وأنا في المسجد إلا أن أكون مريضا أو مسافرا" رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (2930).

وقال يحيى بن معين: "إن يحيى بن سعيد ‌لم ‌يفته ‌الزوال ‌في ‌المسجد أربعين سنة" انتهى من "سير أعلام النبلاء - ط الرسالة" (9/ 181).

قال ابن رجب رحمه الله:

"وقد ‌استحب ‌كثير ‌من ‌السلف ‌المشي ‌إلى ‌المساجد ‌قبل ‌الأذان، وكان الإمام أحمد يفعله في صلاة الفجر، والآثار في فضل المبادرة بالخروج إلى المساجد كثيرة" انتهى من "فتح الباري لابن رجب" (4/ 255).

3-وأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الرواتب القبلية في بيته: فهذا الاقتداء لمن كان في مثل حاله صلى الله عليه وسلم؛ إماما للناس، لا يتأخر عن الصف الأول، ولا تكبيرة الإحرام، ولا غيرها من الفضائل؛ بل يكون المسنون في حقه أن يحضر عن إرادة الصلاة.

قال الشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله:

"ثبت من فعله -عليه الصلاة والسلام- أنه يصلى سُبْحَةَ الصبح -راتبة الصبح- في بيته ويضطجع على يمينه حتى يُؤْذِنه بلال بالإقامة [البخاري: 626]، فلا شك أن الاقتداء به -عليه الصلاة والسلام- إنما يتم بهذه الكيفية.

لكن يبقى أن يُفَرَّق بين الإمام والمأموم، فالاقتداء يكون به -عليه الصلاة والسلام- لمن كانت حاله مثل حاله. فالإمام يصنع هذا: يجلس في بيته، ويصلي الركعتين بعد دخول الوقت -بعد الآذان-، ثم يضطجع على يمينه، ثم يخرج للصلاة بالناس كفعله -عليه الصلاة والسلام.

وأما المأموم: فيتعارض عنده فضائل: التبكير إلى الصلاة، وانتظار الصلاة، والقرب من الإمام، والصف الأول، وقراءة ما يتيسر من القرآن، والأذكار قبل أداء الصلاة.

فمثل هذه الأمور: إذا لُوحِظَت، لا شك أنها قد تكون أفضل من أن يُصلي الراتبة في بيته ويضطجع. فيقتدي به -عليه الصلاة والسلام- من كان حاله مثل حاله في الإمامة مثلًا.

وفي أفعاله -عليه الصلاة والسلام- بالمعنى العام: هو الأصل والقدوة والأسوة، لكن يبقى أن له أحوالًا خاصة باعتباره الإمام الأعظم، حيث صدر منه أمورٌ وفعلَ أشياء باعتباره الإمام الأعظم، فيقتدي به من هو في مثل حاله ولا يقتدي به عامة الناس.

وكذلك إمام الصلاة: يختلف وضعه عن المأموم؛ فكلٌّ يقتدي به -عليه الصلاة والسلام- إذا شابه وضعَه" انتهى

بل قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه صلى بعض الرواتب في المسجد، وبنى عليه أهل العلم الخلاف في أفضلية صلاة الرواتب في المسجد أم في البيت؟

فعن ابنِ عمرَ -رضي اللَّه عنهما- قال: (صَلَّيتُ مَعَ النبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَبلَ الظُّهرِ سَجدَتَينِ وبَعدَها سَجدَتَينِ، وبَعدَ المَغرِبِ سَجدَتَينِ، وبَعدَ العِشاءِ سَجدَتَينِ، وبَعدَ الجُمُعَةِ سَجدَتَينِ، فأما ‌المَغرِبُ ‌والعِشاءُ ‌والجُمُعَةُ ‌ففِى ‌بَيتِهِ) رواه البيهقي في الكبرى (3083).

قال ابن الملقن رحمه الله:

"اختلف العلماء: هل التنفل إثر الفرائض ‌في ‌المسجد أفضل أم في البيت؟ على ثلاثة أقوال:

أحدها: وهو مذهب الشافعي وقاله النخعي وغيره: إن فعلها في البيت أفضل، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل صلاة المرء في بيته إلَّا المكتوبة".

وعُلِّل بخشية اختلاطها بالفرائض، ولئلا تخلى البيوت من الصلاة.

وثانيها: أن فعلها إثر الصلاة ‌في ‌المسجد: أجمع للخاطر، حكاها القاضي عياض عن قوم.

وثالثها: الفرق بين الليل والنهار، ففي النهار ‌في ‌المسجد أفضل، وفي الليل البيت أفضل، حكاه القاضي عن مالك والثوري.

واستدل مالك بقوله: "فأما المغرب والعشاء والجمعة: ففي بيته"، وهو دال على أن ما سوى ذلك كان ‌في ‌المسجد، وما سوى المغرب والعشاء هو راتب النهار" انتهى من "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" (2/ 407).

وهذا كله مما يقوي: ترجيح تقديم صلاة الراتبة في المسجد، إذا تعذر على المرء أن يجمع بين صلاتها في البيت، والتبكير إلى الصف الأول وإدراك تكبيرة الإحرام.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android