هل يجوز رد ما أخذه من حقوق الناس على شكل هدية؟

السؤال: 600485

بعد سنين من الغفلة اتخذت قرار التوبه وان اصلح مافعلت والعوده إلى الله عز وجل واثقاً مطمئناً انه سيغفر لي ذنوبي كبيرها وصغيرها برحمته عز وجل
ولكن هناك امر قلقاً منه إلا وهو ( حقوق الناس سوا اموال او ظلم او قطيعه ) ، كما نعلم ان كفارتها رد الحقوق لهما ولكن هناك عده أمور تمنعني من ذلك إلا وهي ( منهم نساء ولا يوجد وسيط بيننا واخشى ان وصلت لهم ان يحدث مشاكل - البعض جهات خاصه اخشى على نفسي العقوبات ان بادرت - عددهم كبير جداً بل وقد نسيت بعضهم - ولا اعلم بالتحديد كم اجمالي المبالغ)
وبعد تفكير وجد اقرب حل ان اقوم بالاتي وهو ما اريد الاستفتاء عنه :
- اقوم بتوقع اجمالي المبالغ كأتقريب
- وان اقوم برد الحق بشكل هدايا للأشخاص الذين لا يحدث من خلالهم مفسده من الذين أتذكرهم بشكل مباشر
- ⁠اما الآخرين والجهات اقوم بالتصدق بنيه رد حقوقهم جميعاً سوا من تذكرتهم او نسيتهم ومن ظلمتهم او اي حق لهما عندي
فما رأيكم جزاكم الله خيرا ؟
اخشى وأقلق جداً أن إذا تصدقت عنهما ان الله سيحاسبني رغماً عن ذلك لحقوقهما يوم القيامه
كما انني اخشى ان اموت وانا لم أتصدق بالحقوق كامله بل جزء .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولا :

نحمد الله تعالى أن وفقك للتوبة ، ونسأله سبحانه مزيدا من التوفيق لك ، وثباتا على الحق .

ثانيا :

الحقوق المالية التي لا تعلمها بالتحديد ، ينبغي أن تجتهد في تحديدها ، وتعمل بما يغلب على ظنك ، وكلما زدت حتى تتيقن أداء الحق إلى صاحبه فهو أفضل وأكمل .

ثالثا :

الحقوق التي تعلم أصحابها لا تبرأ ذمتك إلا بإيصال الحق إليهم ، ولا يكفيك أن تتصدق بها عنهم .

ولا يشترط أن تعلمهم بحقيقة ما حصل ، بل المقصود أن يصل الحق إلى صاحبه بأي طريقة .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

"... فإذا سرقتَ من شخصٍ أو من جهة ما سرقة : فإن الواجب عليك أن تتصل بمن سرقت منه وتبلغه وتقول : إن عندي لكم كذا وكذا ، ثم يصل الاصطلاح بينكما على ما تصطلحان عليه ، لكن قد يرى الإنسان أن هذا الأمر شاق عليه وأنه لا يمكن أن يذهب – مثلاً – إلى شخص ويقول أنا سرقت منك كذا وكذا وأخذت منك كذا وكذا ، ففي هذه الحال يمكن أن توصل إليه هذه الدراهم – مثلاً – من طريق آخر غير مباشر مثل أن يعطيها رفيقاً لهذا الشخص وصديقاً له ، ويقول له هذه لفلان ويحكي قصته ويقول أنا الآن تبت إلى الله – عز وجل – فأرجو أن توصلها إليه .

وإذا فعل ذلك فإن الله يقول : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الطلاق/2 ، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) الطلاق/4 .

فإذا قُدِّر أنك سرقتَ من شخصٍ لا تعلمه الآن ولا تدري أين هو : فهذا أيضاً أسهل من الأول ؛ لأنه يمكنك أن تتصدق بما سرقتَ بنيَّة أنه لصاحبه ، وحينئذٍ تبرأ منه .

إن هذه القصة التي ذكرها السائل توجب للإنسان أن يبتعد عن مثل هذا الأمر ؛ لأنه قد يكون في حال طيش وسفهٍ فيسرق ولا يهتم ، ثم إذا منَّ الله عليه بالهداية يتعب في التخلص من ذلك" انتهى ، "فتاوى إسلاميَّة" (4/162) .

أما إعطاؤهم حقهم في صورة هدايا ، فذلك جائز ولكن بشرطين .

الأول : أن يكون نقودا ، لأنك قد تعطيه هدية لا يرغب بها ولا ينتفع بها .

الثاني :

أن لا تأخذ منه مقابلا لهذه الهدية ، فإذا كافأك عليها وأخذت هديته لم تبرأ ذمتك بهذا .

قال ابن القيم رحمه الله :

"ومن الحيل الباطلة: إذا غصبه طعاما، ثم أراد أن يبرأ منه، ولا يعلمه به: فليدعه إلى داره، ثم يقدم له ذلك الطعام، فإذا أكله برئ الغاصب .

وهذه الحيلة باطلة ، فإنه لم يملكه إياه ، ولا مكنه من التصرف فيه ، فلم يكن بذلك رادا لعين ماله إليه .

فإن قيل : فما تقولون لو أهداه إليه، فقبله ، وتصرف فيه ، وهو لا يعلم أنه ماله ؟

قيل : إن خاف من إعلامه به ضررًا يلحقه منه: برئ بذلك .

وإن لم يخف ضررا، وإنما أراد المنة عليه، ونحو ذلك: لم يبرأ .

ولا سيما إن كافأه على الهدية، فقبل: فهذا لا يبرأ قطعا" انتهى، "أعلام الموقعين" (3/307) .

ثالثا :

الأشخاص الذين لا تعرفهم ، هم الذين يجزئك أن تقدر حقوقهم بما يغلب على ظنك وتتصدق بها عنهم .

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" من غصب أموالا، ثم تاب وتعذر عليه ردها إلى أصحابها، أو إلى ورثتهم، لجهله بهم، أو لانقراضهم، وبغير ذلك، فاختلف في توبة مثل هذا...

قالت طائفة أخرى: بل باب التوبة مفتوح لهذا، ولم يغلقه الله عنه، ولا عن مذنب، وتوبته أن يتصدق بتلك الأموال عن أربابها، فإذا كان يوم استيفاء الحقوق، كان لهم الخيار بين أن يجيزوا ما فعل، وتكون أجورها لهم، وبين أن لا يجيزوه، ويأخذوا من حسناته بقدر أموالهم ، ويكون ثواب تلك الصدقة له؛ إذ لا يبطل الله سبحانه ثوابها، ولا يجمع لأربابها بين العِوَض والمعوَّض، فيغرمه إياها ، ويجعل أجرها لهم ، وقد غرم من حسناته بقدرها.

وهذا مذهب جماعة من الصحابة كما هو مروي عن ابن مسعود، ومعاوية، وحجاج بن الشاعر...

قالوا: وقد استقرت قواعد الشرع على أن الإذن العرفي، كاللفظي...

وإذا ثبت ذلك، فمن المعلوم: أن صاحب هذا المال الذي قد حيل بينه وبينه : أشد شيء رضا بوصول نفعه الأخروي إليه، وهو أكره شيء لتعطيله ، أو إبقائه مقطوعا عن الانتفاع به دنيا وأخرى، وإذا وصل إليه ثواب ماله : سره ذلك أعظم من سروره بوصوله إليه في الدنيا... " انتهى من  "مدارج السالكين" (2 / 1014 - 1022).

وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء – فيمن  سرق مالا - :

"يتعين عليه البحث عنه ليسلم له نقوده فضة أو ما يعادلها أو ما يتفق معه عليه ، وإن كان يجهله وييأس من العثور عليه : فيتصدق بها أو بما يعادلها من الورق النقدي عن صاحبها ، فإن عثر عليه بعد ذلك فيخبره بما فعل فإن أجازه فبها ونعمت ، وإن عارضه في تصرفه وطالبه بنقوده : ضمنها له وصارت له الصدقة ، وعليه أن يستغفر الله ويتوب إليه ويدعو لصاحبها " انتهى . "فتاوى إسلاميَّة" (4/165) .

رابعا :

يقول الله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الطلاق/2 .

فكلما اتقيت الله في توبتك وكنت حريصا على إيصال الحق لصاحبه فإن الله تعالى ييسر لك ذلك .

نسال الله تعالى أن يوفقك للتوبة وأن يتقبل منك .

وأن يرزقك الهداية والاستقامة .

والله أعلم .

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android